آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » “البكالوريا”.. كابوس الهلع للطلاب وذويهم د. غسان الخلف: سياسات تربوية لبناء، جيل متوازن ومجتمع متكامل

“البكالوريا”.. كابوس الهلع للطلاب وذويهم د. غسان الخلف: سياسات تربوية لبناء، جيل متوازن ومجتمع متكامل

فردوس دياب:

تثير الهلع والخوف بين الطلاب وذويهم، وتغص الحروف وتتعثر الكلمات بمجرد ذكرها، إنها شهادة الثانوية العامة “البكالوريا” التي ترتعد الفرائص منها، حتى تحولت إلى كابوس مخيف يقض مضاجع المجتمع بأسره، بدءاً من الطلاب، ومروراً بالأهل، وليس انتهاء بالمؤسسات المعنية التي تستنفر كل جهودها وطاقاتها لمواجهة هذا التحدي، الذي يتكرر ويستعر في كل عام، قبيل وطيلة فترة الامتحانات إلى أن تصدر النتائج.

 

لماذا كل هذا الرعب الذي أضحى يطارد الطلاب والأهل في يقظتهم ومنامهم!.. فهل هناك أسباب حقيقية تقف وراء هذا الهلع، هل يعزى ذلك إلى صعوبة المناهج التعليمية، أم نتيجة سياسات تعليمية وتربوية خاطئة انتهجها النظام المخلوع؟.. وهل هناك حلول لمعالجة هذه الظاهرة أو حتى التخفيف منها وتحويلها إلى أمر طبيعي، أم إن الأمر كله مجرد مبالغات لا داعي لها..كل هذه الأسئلة طرحتها صحيفة الثورة في محاولة لإيجاد إجابات وحلول، تعيد الأمور إلى طبيعتها وردات فعلها الصحيحة.

 

طلاب: لم ننم منذ يومين

البداية كانت من عند طلاب الثانوية العامة، التقيناهم لحظة خروجهم من مادة الفيزياء، وقال فراس الخطيب: إنه لم ينم منذ يومين، لأن مادة الفيزياء صعبة جداً وكثيفة، وأسئلتها كثيرة، والوقت الممنوح لتقديمها قليل نوعاً ما.

أما محمد الحسين فقد عبر عن شعوره بالخوف الشديد قبيل دخوله لتقديم الامتحان، وذلك بسبب صعوبة المنهاج وصعوبة الأسئلة، كذلك شاطر سعد الدين العلي، وحسين الحلبي، وسامر السوسي، ويزن مارديني، زملائهم الرأي، لجهة كثافة المناهج وصعوبتها، لكن أحمد سعد الدين أخذنا باتجاه آخر، عندما قال: إن الهلع من البكالوريا كان مزروعاً في ذاكرته وعقله منذ المرحلة الابتدائية، بسبب ما كان يسمعه ويشاهده من أهله وأخوته أثناء تقديمهم لها، حيث أجواء التوتر والقلق والخوف كانت تسيطر على أرجاء المنزل، وهذه الأجواء والسلوكيات بحسب تعبير أحمد لا تزال “متوارثة” في الأسر السورية حتى يومنا هذا، ولم تستطع كل وزارات التربية خلال عهد النظام المخلوع تبديدها والتخفيف منها.

أهالٍ: استنفار كامل

أمام مراكز الامتحانات، فقد كان المشهد مثيراً للانتباه والحزن في آن معاً، إذ تجمع الأهل على الطرقات والأرصفة وتحت أشعة الشمس بانتظار أبنائهم، وتكفي الصورة وحدها لشرح كل ما تحدثنا عنه آنفاً، إذ ارتسم الخوف والتوتر والإرهاق والتعب على وجوه الآباء والأمهات.

السيدة فدوى مرعي أكدت أنها تعتبر شهادة البكالوريا، أزمة حقيقية للأسرة، سواء أكان ذلك من حيث المصاريف المادية الكبيرة والتي تتسبب بانهيار واستنزاف مادي كبير للكثير من الأهل، أم من حيث كونها باتت كابوساً مخيفاً يسيطر على الطالب وأهله طيلة العام الدراسي وحتى انتهاء الامتحانات، حيث يستنفر كل أفراد العائلة على قدم وساق ويمنع الكلام والضجيج والحركة واللعب والسهر والخروج من المنزل، وتكون بذلك ضاعت العطلة الصيفية على هذا النحو على جميع أفراد الأسرة .

 

مفترق طرق

أما السيدة هيام القصاب، فقد أوضحت بدورها أن الشهادة الثانوية تكرست في الواقع السوري كهم من هموم الأسرة السورية لما يشكله من ضغط نفسي كبير عليها وعلى ابنها وعائلتها بشكل عام، وكانت طوال العام الدراسي تمارس عليه أقصى أنواع الضغط، كي يدرس ويبذل جهداً كبيراً، خوفاً من الفشل وعدم تحقيق نتائج جيدة تؤهله لدخول الجامعة، وخوفاً من نظرات الآخرين ونقدهم لأنها تحمل شهادة جامعية هي وزوجها، مبينةً أن هذا الضغط أدى إلى نشر التوتر داخل البيت وأثر سلباً على صحة ابنها النفسية.

من جهتها قالت السيدة حميدة السالم (أم يزن): مرحلة البكالوريا تعتبر مفترق طرق مصيري في حياة الأبناء، حيث تحدد مساراتهم التعليمية والمهنية المستقبلية، هذا ما يجعلها تشعر بخوف كبير تجاه تحقيق النجاح في هذه المرحلة، وخاصة أنها لم تكن قادرة على دفع تكاليف الدروس الخصوصية، وتمنت السيدة حميدة من الحكومة الجديدة العمل على إزالة كل الأسباب التي جعلت من هذه الشهادة شبحاً مخيفاً وحلماً للكثير من أبنائنا.

القشور وليس الجوهر

عضو الهيئة التدريسية في كلية التربية بجامعة دمشق والاختصاصي بعلم الاجتماع التربوي الدكتور غسان الخلف، أكد بدوره أن هناك عدة أسباب حقيقية ترتبط بالخوف والهلع الذي يصيبنا جميعاً من شهادة الثانوية العامة، بعضها مرتبط بالسياسات التعليمية للنظام البائد، والتي جعلت منها حلماً وكابوساً للطلاب، وبعضها يرتبط برمزيتها كشهادة تحدد مستقبل الطالب.

 

وتابع الدكتور خلف: “إن السياسات التعليمية والتربوية خلال العهد البائد كانت تهتم بالقشور وتنسى الجوهر في تطوير التعليم، كونها تعتمد على الصعوبة والحشو والكثافة بعيداً عن النوع والأهمية، وكأن المنهاج يعد طالب البكالوريا لسوق العمل دون الحاجة لتخصص جامعي، هذا بالإضافة إلى غياب منهجية صحيحة للتدريس لدى معلمي البكالوريا، الذين تحول كثيرهم مع كل أسف من معلمين ورواد علم، إلى تجار ولاهثين خلف المال والدروس الخصوصية، مع أنهم أنفسهم من يعطون المعلومة في المدرسة الحكومية وفي المعاهد والمدارس الخاصة والمنازل، فكيف يغيب بعضهم ضميره المهني في المدارس الحكومية، لجهة عدم قدرته على إفهام الطلاب أو إيصال المعلمومة لهم بشكل صحيح وسلس، فيما يبذل أقصى طاقته في المعاهد الخاصة والمنازل؟!.

سلوكيات خاطئة

كما تحدث الخلف عن أسباب لوجستية، تتعلق بجعل “الثانوية العامة” صعبة المنال، منها اكتظاظ الصفوف في معظم المدارس الحكومية بالطلاب والتلاميذ، حيث يتجاوز عدد الطلاب خمسين طالباً في بعض المدارس، وهذا يسبب إرباكاً للمعلم من جهة، وللطالب من جهة ثانية، حيث يضعف قدرة الأول على شرح وإيصال المعلومة، كما يضعف قدرة الثاني على استيعابها وفهمها، وهذا ما يدفعه للجوء إلى الدروس الخصوصية، وهذا ما لم يقدر أغلبية الطلاب على دفع تكاليفه، وهذا يؤدي الى التوتر والقلق لدى الطلاب وذويهم، وإلى الهلع والخوف.

ومن الأسباب الأخرى التي تسبب الخوف والهلع لدى الطلاب أيضاً، هي سلوكيات خاطئة وضاغطة يقوم بها الأهل، وتحديداً إجراءات الاستنفار ومنذ اليوم الأول للعام الدراسي، وكأن حياة ابنهم متوقفة على البكالوريا متناسين ميوله ورغباته وقدراته واستعداداته العقلية والذهنية والنفسية، وهذا بدوره يضاعف توتر وخوف الطالب، لاسيما حين يكون ضغطهم من أجل حصول ابنهم على درجات مرتفعة، تخوله على سبيل المثال دخول كليات الطب البشري، والتي “سيطها” ومستقبلها من وجهة نظرهم هي الضمان للابن، وهذا من مخلفات النظام البائد الذي سوق بأن الكليات الطبية وخريجيها هم في قمة السلم الاجتماعي بالمستقبل.

 

مصاريف خيالية

كما أن المصاريف الخيالية التي بات على الأهل دفعها خلال مرحلة البكالوريا، أدخلت الأهل في كابوس مخيف طيلة العام الدراسي، فأقل درس خصوصي تتجاوز تكلفته مئة وخمسين ألف ليرة ولساعة واحدة فقط، وهذا ما يجعل الأهل ينفقون مبالغ مالية ضخمة، بغية نجاح الابن بدرجات تؤهله للطب، لأن ابن عمه أو ابن خالته، قد دخل كلية الطب .

وبحسب الأستاذ الجامعي فإن الأهم من كل ما سبق، أن تبدأ الحكومة الجديدة بصياغة سياسات تربوية وتعليمية تبني جيلاً متوازناً ومجتمعاً متكاملاً، سياسات تناسب وتواكب مرحلة ما بعد انتصار الثورة السورية وسقوط النظام المخلوع، انطلاقاً من الحرص على مستقبل أبنائنا بالدرجة الأولى، ومن الحرص على بناء مجتمع متكامل بالدرجة الثانية، على قاعدة اعتبار هذه الشهادة، مجرد جسر عبور للجامعة، وليس محدداً أساسياً لمستقبل الطالب، أي أن الطالب عندما يتجاوز الثانوية فإنه يجب أن يدخل الجامعة وفق رغبته بالتخصص الذي يريد بغض النظر عن مجموع درجاته.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الإعلام السوري بين التأثير والتحديات.. أداة لتشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام

إيمان زرزور       يُعدّ الإعلام أحد أبرز الأدوات القادرة على التأثير المباشر في حياة الأفراد وتشكيل وعي المجتمعات، حيث لا يقتصر دوره على ...