أكد «البنك الدولي» في تقرير صدر عنه اليوم تحت عنوان «حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف»، ضرورة توزيع الخسائر في القطاع المالي اللبناني بصورة أكثر إنصافاً، معتبراً أن تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق.
وقال التقرير إن الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية «لا يزال يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد»، مرجحاً أن «يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، مما يعمِّق محنة الشعب اللبناني».
وشدد التقرير على «ضرورة المضي قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي».
وفق التقرير، فإن نسبة انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في العام الجاري هي 5.4%، بـ«افتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ استراتيجية للتعافي». والانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية «مستمر (145% خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022) مما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ تموز 2020 ويُتوقَّع أن يبلغ متوسطه 186% في عام 2022، وهو من بين أعلى المعدلات عالمياً».
ورأى التقرير أنه مع زيادة الخسائر المالية عن 72 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، فإن «تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق نظراً لعدم توافر الأموال العامة الكافية لذلك؛ فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَّرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكَّدة ويحتاج تحقيقها سنوات».
ولفت التقرير إلى افتقار تعويم القطاع المالي إلى «الإنصاف كذلك؛ فمن شأن مطالبة عامة المواطنين بتعويض المساهمين في البنوك والمودعين الأثرياء أن تؤدي إلى إعادة توزيع الثروة من الأسر الأفقر إلى الأسر الأغنى»، مؤكداً أن «على أية عملية إعادة هيكلة ذات مصداقية أن تعتمد مبادئ الإنصاف والعدالة لضمان حماية دافعي الضرائب وصغار المودعين الذين تحملوا حتى الآن وطأة هذه الأزمة».
وأوضح التقرير أن «هذا يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية لاستراتيجيات إعادة هيكلة القطاع المصرفي التي تدعو إلى الاعتراف بالخسائر الكبيرة ومعالجتها بشكل مسبق، واحترام ترتيب المطالبات، وحماية صغار المودعين، والامتناع عن اللجوء إلى الموارد العامة. ويُعد الحل المتمثل في خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي قائمة على ترتيب الدائنين، إلى جانب إجراء إصلاحات شاملة، هو الخيار الواقعي الوحيد أمام لبنان لطي صفحة نموذجه الإنمائي غير المستدام».
وتعليقاً على ذلك، قال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في «البنك الدولي»، جان ـــ كريستوف كاريه: «إن عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه. كما دعونا مراراً وتكراراً، على لبنان اعتماد حل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الاستقرار للقطاع المالي ويضع الاقتصاد على مسار التعافي».
ويشتمل التقرير على قسمين خاصين. يُقيّم القسم الخاص الأول، وهو بعنوان «البلدان المقارنة على مستوى العالم: الأزمة أكبر من مجموع مكوناتها»، مدى حدة الأزمة في لبنان من خلال مقارنتها بمجموعة مختارة من الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، ويخلُص إلى أن أداء الاقتصاد الكلي في لبنان أسوأ من أداء هذه المجموعة المحددة من الدول (زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال) أو يضاهيها في أحسن الأحوال. ويُحلّل القسم الخاص الثاني «الدولرة في لبنان» ويخلُص إلى أن الأزمة الحالية ستعزِّز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار