| جلنار العلي
اعتبرت الأستاذة في كلية الاقتصاد الدكتورة رشا سيروب أن كل البيانات الوزارية السابقة هي عبارة عن مجموعة من الوعود العائمة والفضفاضة خالية من أي مستهدفات واضحة أو أرقام يمكن القياس عليها.
وأوردت سيروب في محاضرة لها أقامتها جمعية أصدقاء دمشق أمس بعنوان «ماذا يجب أن يتضمن البيان الوزاري للحكومة؟» بعض ما تضمنته البيانات السابقة مثل عنوان تحسين مستوى معيشة المواطنين الهاجس الأهم للعمل الحكومي من خلال تخفيض تكاليف المعيشة، لكن الواقع كان خلاف ذلك، فوفقاً لبرنامج الغذاء العالمي ارتفعت سلة الغذاء المرجعية أربعة أضعاف خلال عامي 2022-2024، وأن وسطي دخل الفرد لا يشكل 10 بالمئة من إنفاق الأسرة، كما تضمنت تلك البيانات عنوان المساهمة بتخفيف البطالة، علماً أن معدلات البطالة ارتفعت إلى 23.7 بالمئة في العام الأول لتولي الحكومة السابقة الوزارة رغم انخفاض قوة العمل بنسبة 4.35 بالمئة، كما ورد في تلك البيانات دعم الإنتاج المحلي بدءاً من المشروعات المتناهية الصغر مروراً بالصغيرة والمتوسطة وصولاً إلى المشروعات والاستثمارات الكبيرة، والإسراع بإصدار قانون جديد لهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أنه لم يتم تعديل القانون بالواقع، وحافظت الحكومة السابقة على منح المزايا لمصلحة المشروعات والاستثمارات الكبيرة.
كما نصّت الحكومة السابقة في بيانها الوزاري على أنها ستستخدم أدوات السياسة النقدية التي تتلاءم مع متطلبات المرحلة بناءً على معطيات الواقع الاقتصادي، بما يمكّن من الاستمرار في تخفيف حدة تقلبات سعر الصرف للحفاظ على القوة الشرائية لليرة السورية، ولكن في الواقع انخفض سعر الصرف الرسمي على مدار أربع سنوات 900 بالمئة، أي من 1250 ليرة إلى 12500 ليرة، معتبرة أن كل ما ذكر هو أمثلة تبيّن افتقار البيان الوزاري إلى الأرقام، وغياب الأهداف الكمّية القابلة للقياس، وخلوه من آليات واضحة لمتابعة تنفيذ البرامج والمشروعات والمساءلة، كما أن النهج المتبع سابقاً يعكس غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح ويقوّض الثقة بين الحكومة والشعب.
أهم الإشكاليات
وفي سياق متصل، أشارت سيروب إلى أن أهم الإشكاليات التي يعاني منها الاقتصاد السوري هي: الفقر وانعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني أكثر من 80 بالمئة من السوريين من الفقر، و90 بالمئة من انعدام الأمن الغذائي، علماً أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي هما التحدي الأعظم الذي يواجه الحكومة الجديدة ومتطلب لا غنى عنه للتنمية المستدامة، كما يعاني الاقتصاد من هجرة الكفاءات والشباب حيث يوجد شخص واحد من كل خمسة لاجئين في العالم هو سوري، فالهجرة المستمرة عادة ما تكون بمنزلة أعراض لمشكلة وليست سبباً، لأنها تسلط الضوء على رغبة ملايين السوريين في الحصول على نوعية حياة أعلى ــ سعياً وراء تعليم أفضل، وفرص عمل تلائم مؤهلاتهم، ورعاية صحية، أو ببساطة مكان أكثر أماناً للمستقبل.
مشكلات عدة
كما رأت سيروب أن ملف الإسكان في سورية يعاني من مشكلات عدة، فمع وجود الملايين من السوريين النازحين داخلياً، ومع الحرب الحالية على لبنان التي أدت إلى دخول أكثر من 400 ألف سوري عائد ووافد لبناني، علماً أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك إذا ما أضفنا الداخلين إلى سورية عبر المعابر غير النظامية، وأيضاً فإن إعادة النظر بالجنسية التركية الممنوحة للسوريين، قد تجبر ما يقارب نصف مليون سوري على العودة، كل هذا سيزيد من فجوة السكن الناتجة عن الفرق بين العرض والطلب، لذا فإن توفير السكن بأسعار معقولة وإعادة الإعمار يشكل أولوية، خاصة أن تكلفة الحصول على سكن تشكل 60- 70 ضعف دخل الفرد السنوي.
واعتبرت سيروب أن هذا البيان هو فرصة ذهبية للحكومة لإعادة بناء الثقة مع الشعب، فعلى اعتبار أن نجاح أي حكومة يعتمد على قدرتها على تحقيق تطلعات الشعب، فإن البيان الوزاري يشكل اختباراً حقيقياً لإرادتها في تنفيذ السياسة الاقتصادية للدولة المنصوص عنها في الدستور، التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة، لذلك يجب أن يكون من ضمن الأهداف: الحد من الفقر ويجب أن يتضمن البيان هدفاً كمياً واضحاً يبين النسبة المستهدفة لرفع نسبة الآمنين غذائياً وتخفيض معدلات الفقر، وتوضيح السياسات القطاعية التي تحقق هذا الهدف، مثل السياسات الزراعية، وسياسات الاستثمار لتحسين الوصول إلى سبل العيش سواء من خلال الأجور أو إيجاد فرص العمل المدرة للدخل كتحفيز المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وسياسات الائتمان، فضلاً عن الوصول إلى الخدمات الاجتماعية وتطوير نظم الحماية الاجتماعية لدعم أولئك الذين لا يستطيعون إعالة أنفسهم.
إصلاح سوق العمل
كما يجب أن يكون من ضمن الأهداف، بحسب سيروب، إصلاح سوق العمل، فقد انخفضت نسبة المشتغلين من حملة المعاهد المتوسطة والشهادة الجامعية وأكثر إلى أقل من 24.4 بالمئة مقارنة بـ27 بالمئة في عام 2021، لتصبح النسبة الأكبر من المشتغلين هم من حملة الشهادة الابتدائية وما دون والتي شكلت 42 بالمئة من إجمالي المشتغلين، لافتة إلى أن خروج الأفراد المتعلمين من سوق العمل لفترات طويلة يحمّل سورية عبئاً مالياً كبيراً، إذ يؤثر في الإنتاجية الاقتصادية ويعوق عملية التنمية، لذا يجب على الحكومة الجديدة أن تكافح لعكس هذا المد، وهذا يستوجب أن يتضمن البيان بوضوح ليس معدلات البطالة المستهدفة فحسب، بل أيضاً سياسات سوق العمل النشطة التي تساعد العاطلين من العمل في العثور على عمل، والمشتغلين في العثور على فرصة عمل تناسب مؤهلاتهم.
رؤية واضحة
وأشارت إلى ضرورة أن تكون للحكومة رؤية واضحة بعدم نشوء موجات هجرة جديدة من خلال منحهم سبباً للبقاء، وكيفية استقطاب المهاجرين من الأدمغة من خلال توفير فرص عمل تلائم خبراتهم المتراكمة ومستوى معيشة أعلى، والتي دونها سوف يستمر المهنيون ذوو المهارات العالية والكفاءات العلمية في الهجرة أو العزوف عن العمل، وهذا يستدعي سياسات تعليم أكثر مواكبة للتغيرات العالمية، وجعل الأجور أكثر تنافسية، وتنمية القطاع الخاص وإيجاد فرص العمل بإصلاحات القطاع العام، إضافة إلى الدبلوماسية الخارجية لتعزيز الاتصال مع الشتات، ذلك أن المهاجرين يمكن أن يخلفوا تأثيراً إيجابياً وفوائد اقتصادية على مجتمعاتهم المحلية من خلال التحويلات المالية والاستثمار ونقل وتوطين المهارات.
وأكدت سيروب ضرورة أن يكون من ضمن الأهداف توفير الإسكان، حيث تشهد سورية أزمة إسكان حادة تفاقمت بسبب الحرب، فقد أظهرت الدراسات أن أكثر من 215 ألف وحدة سكنية تعرضت للتدمير الجزئي أو الكلي، كما أدى تراجع الاستثمار في بناء دور السكن بنسبة 50 بالمئة عما كان عليه الوضع قبل الحرب إلى نقص حاد في المساكن الجديدة، وباتت نسبة كبيرة من المنازل لا يُستهان بها غير صالحة للسكن، لذلك لا يمكن للبيان أن يغفل عدد الوحدات السكنية التي يجب توفيرها بأسعار معقولة للأسر ذات الدخل المنخفض في سنوات ولايتها الأربع، وتصميم برامج إسكان متنوعة لمساعدة الأفراد والأسر في العثور على مساكن ميسورة التكلفة، فيمكن على سبيل المثال إيجاد برامج للإيجار المدعوم، وتقديم الدعم المالي للأسر المتضررة، ومساعدات إصلاح المنزل، ومساعدات لمشتري المنازل لأول مرة، وتقديم قروض إسكان ميسرة وتختلف حسب المنطقة، ويجب إدارتها من الإدارة المحلية.
سيرياهوم نيوز١_الوطن