ميس بركات
بين نشرة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وبين محال الفروج المشوي والبروستد، ومحال ذبح الفروج الحيّ، يضيع المواطن بقراءة وفك شيفرة الأرقام التي باتت مجرد “اكسسوار” تظهره حماية المستهلك عند اللزوم، في حين يطلق التّجار وأصحاب المحال “أصفارهم” الإضافية على تلك الأرقام الرسمية، ليُضاف الفروج والبيض إلى “ليستا الممنوعات” والتي على ما يبدو ستطول يوماً بعد آخر على مرأى هذه الجهات وغيرها من أصحاب المصالح في الاستيراد وإنهاء حياة إنتاجنا المحلي من هذه المواد كغيرها من المواد والزراعات والصناعات المحلية تحت شماعة الحرب والعقوبات والمناخ والجفاف وغيرها من القائمة التي طال أمدها!.
بورصة حقيقية
ففي وقت تنفّس المواطنون الصعداء ببدء التعافي من ظروف الحرب، وتوفير السلع والمواد الغذائية التي فقدت عن موائد أطفالهم، كانت حرب التّجار أشد وطأة على البطون، ولاسيّما أن مادتي البيض والفروج من أساسيات وجبات الأطفال، إلّا أن فقدانها من على موائدهم تناسبت طرداً مع سلسلة الارتفاعات المتكررة لهما، بدءاً من تقليل حصة الفرد من المادة يومياً ومن ثم أسبوعياً وصولاً إلى جعل وجودها على المائدة مناسبة تستحق الاحتفال.
وبعيداً عن التنظير الحكومي وتقاذف أصابع الاتهام بين المتهم الحقيقي لتدهور هذا القطاع، وتهديد الأمن الغذائي للسوريين ممن بات شبح الجوع يخيفهم يوماً تلو الآخر، لم يُخفِ المربون حقيقة انهيار القطاع لنصبح من البلدان المستوردة للمادة آجلاً أم عاجلاً، رغم الصيحات المتكررة بدق ناقوس الخطر بعد أن أفلس المربون ممن وجدوا ظلماً كبيراً لهم تجاه الصمت والتجاهل الكبير الذي يتلقونه من الجهات المختصّة إزاء مطالبهم المتكرّرة التي أودت بالكثيرين منهم إلى خارج البلد وانتعاش عملهم هناك في الوقت الذي ما زلنا “ندق المي” هنا!.
تقاذف الاتهام
عيسى مقرش (مربي دواجن) يرى أن هناك أياد خفية حاولت العبث بهذا القطاع ونجحت في تفشيله على حساب إرضاء التّجار والمستوردين، لنصل إلى بلد مستورد لهاتين المادتين بعد أن كنّا مصدّرين لهما، الأمر الذي يستدعي الخروج من دائرة التنظير وتقاذف أصابع الاتهام بين الجهات المعنية، إضافة إلى أهمية إيجاد مصدر تمويلي سريع للمربين الذين على وشك الخروج من حلقات الإنتاج.
في المقابل، وجد صلاح سعد الدين (مربي دواجن) أن الخاسر الأكبر هو المربي والمستهلك، في حين غابت مؤسّسة الأعلاف عن دورها الأساسي في تأمين المادة للمربين على حساب إرضاء التّجار، وهذا ما نلحظه عند جميع الوزارات التي ذهبت خلال السنوات الأخيرة إلى محاباة التّجار على حساب لقمة المواطن.
وانتقد سعد الدين الخلخلة الواضحة والمتكرّرة في سعر البيض والدجاج والحلول الإسعافية المستوردة باستيراد الفروج المجمّد مثلاً، أو تخفيض سعره مع كل عملية تهريب لهذه المادة من لبنان نتيجة فائض الإنتاج هناك، أو نفوقه لسبب أو لآخر، واستغلال ضعاف النفوس لهذا الأمر وتهريب كميات كبيرة منه وبيعها بأقل من قيمتها بكثير، لافتاً إلى ضرورة التنسيق بين المربين والوزارات المسؤولة للوصول إلى تسعيرة ترضي المربي والمستهلك في آن معاً وتؤمن انسيابية المادة في السوق المحلية، خاصّة وأن الإنتاج اليوم لم يعد يلبي حاجة السوق المحلية بأي شكل، وفي الوقت الذي تراوح به سعر الفروج المشوي بين ٣٢ ألف ليرة و40 ألف ليرة، كذلك الأمر فقد تجاوز صحن البيض الـ 17 ألف ليرة، وكان لمستوردي الأعلاف وتجارها اعتراضهم وانتقادهم أيضاً حول الأسباب التي تضعهم موضع مساءلة وتوجيه أصابع الاتهام لهم دوماً، إذ يرى عمار بردان (مستورد أعلاف) أن إلقاء اللوم على الحرب أو العقوبات أو حتى ارتفاع سعر العلف عالمياً ليس أمراً سليماً، ولاسيّما أن انخفاض القدرة الشرائية للمواطن مع ارتفاع جميع مستلزمات الإنتاج والمحروقات وعدم اكتراث الوزارات بهذا القطاع الذي يعتبر من الأعمدة الهامة في الاقتصاد المحلي، جعلته يفقد ويخسر معظم مربيه لنصل اليوم إلى كارثة حقيقية وبنية هشّة لأجساد أطفالنا مستقبلاً، فالمطلوب اليوم تقديم الدعم لنا كمستوردين وعدم التلكؤ بإعطاء إجازات الاستيراد.
تدهور القطاع
وبعيداً عن الأرقام التي تقدّمها مؤسّسة الأعلاف وتأكيدها مراراً وتكراراً عدم قدرتها على تلبية سوى نصف حاجة السوق المحلية من المادة في أحسن الظروف، كان لخبراء الزراعة رأي مخالف بوجود حلول واضحة بانتظار الأخذ بها على محمل الجد قبل فوات الأوان، إذ يرى الخبير التنموي أكرم عفيف أن الأشهر الماضية شهدت تدهوراً بعدد الثروة الحيوانية بشكل عام وفي قطاع الدواجن بشكل خاص بسبب زيادة التكاليف، وأدى هذا الأمر إلى ارتفاع جنوني بأسعار البيض والدجاج، لافتاً إلى أن الشتاء سيكون مريراً وقاسياً على عمل المداجن المتبقية أكثر من العام الماضي، في حال لم تتحرك الجهات المسؤولة وقامت بتوفير أدنى احتياجات عملها في الشتاء من علف وتدفئة، ولاسيّما أن المربين اضطروا خلال الأعوام الأخيرة لشراء المحروقات من السوق الحرة. ولفت عفيف إلى ضرورة الاعتماد في المكونات العلفية على المكوّن المحلي الذي يزرع من ذرة وصويا مثلاً، بدلاً من الاتجاه إلى الاستيراد بالقطع الأجنبي، إضافة إلى دراسة فكرة تأمين خطوط كهرباء معفاة من التقنين إلى المداجن، إذ لم تترك الجهات المعنية سوى خيار البيع بسعر مرتفع لا يتناسب مع قدرة المواطن الشرائية أو الخروج من العملية الإنتاجية، وهذا ما وصلنا إليه بارتفاع نسب المداجن الخارجة عن العمل إلى أكثر من ٩٠٪، وأشار الخبير التنموي إلى أهمية وجود لجان تسعير من المربين والتموين بحيث تنصف المنتج والمستهلك معاً، فتكلفة صحن البيض تتراوح حسب وزنها بين ١٣ – ١٧ ألف ليرة، بينما يقوم التموين بتسعيرها بين ١٠ – 13 ألف ليرة، فوجود هامش ربح للمربين مع انسيابية المادة في السوق أفضل من استيرادها مستقبلاً بالقطع الأجنبي مع ندرة توفرها.
سيرياهوم نيوز 6 – البعث