| خير الله علي
الحديث عن الوضع الاقتصادي الصعب لدى أكثر من 90 بالمئة من السوريين في كل المواقع والمنصات صار، للأسف، بلا قيمة، والسبب في ذلك تجاهل الحكومة غير المعروف ولا المبرر لما يكتب في هذا الصدد، ولكن إذا كان يمكن للإنسان أن يكتفي بالخبز الحاف للحفاظ على حياته، فإنه من المستحيل الطلب منه الاستغناء عن الدواء عندما يتعرض للمرض، وعندما يصرخ من الوجع.
ففي الوقت الذي ينتظر فيه المتقاعدون من الوظيفة العامة قرارا بتشميلهم بالتأمين الصحي، فضلا عن الحديث الذي يتردد من وقت لآخر بتغطية جميع أفراد العائلة بهذه الخدمة الإنسانية الهامة الواجبة على الدولة، فإنه لمن المستغرب أن يبقى موضوع التأمين الصحي يعاني من مشاكل كثيرة بالرغم من أنه باب ناجح للاستثمار فيه، وتحقيق والربح الأكيد.
بمعنى آخر فإن الخدمات التي تقدمها الوزارات ومؤسسات عديدة غير المشمولة بوثيقة التأمين الصحي كالكهرباء والنفط وعمال الحدائق والبلديات وجهات أخرى في موضوع الطبابة مثلا، مقيدة بإجراءات وتعقيدات إدارية مرهقة تتعلق بالإحالات وتحديد الطبيب والمستشفى الذي على المريض مراجعته، فضلا عن الوصفات الشهرية بقيم جدا هزيلة لدى بعض هذه الجهات، ما يجعل من هذه الخدمة شيئا ليس ذا قيمة لدى المريض، وما يدفع صاحب العلاقة إلى الاستغناء عن هذه الخدمة في معظم الأحيان، كي لا يدخل نفسه في هذه (الدويخة)، في الوقت الذي يمكن حل جميع هذه الاشكالات ببطاقة الضمان الصحي التي تريح الموظف المريض وتتيح له خيارات أكثر في هذا الإطار.
من جهة أخرى، ثمة ميزة لصالح الموظف في موضوع التأمين الصحي تحولت إلى مشكلة، وهي عدم إمكانية الاستفادة من بطاقة الضمان التي تعود للمؤسسة السورية للتأمين، ومن النقابة التي ينضوي تحت اسمها الموظف في ذات الوقت، فلا الطبيب يقبل ذلك ولا المستشفى، علما أنه يسدد مبالغ شهرية لهاتين الجهتين معا، فمثلا المستشفى الخاص يمتنع عن إعطاء فاتورتين واحدة لشركة التأمين الصحي وأخرى للنقابة، والحل كما يرى كثيرون معنيون بهذه القضية، إما بتوحيد جهة التأمين الصحي، أو السماح للأطباء والمشافي بإعطاء وصفتين وفاتورتين لكلا الجهتين.
أما حجة الطبيب والمستشفى بالإمتناع عن إعطاء فاتورتين فهي أن ذلك من شروط العقد مع شركات التأمين، علما أن بعض الأطباء مازالوا يأخذون مبالغ مالية من المريض مقابل المعاينات خارج شروط العقد التأميني، وكذلك المستشفيات، وكل ذلك بذريعة أن الأسعار التي حددتها وزارة الصحة لا تغطي التكاليف، أو أن بعض الأمور غير مغطاة بوثيقة الضمان الصحي .
وعندما تسألهم لماذا أنتم متعاقدون مع شركات التأمين إذن طالما الموضوع خاسر معكم؟ يتهربون من الإجابة.
إلى ذلك، ثمة تساؤل يطرحه خبراء اقتصاد. لماذا شركات التأمين الصحي؟ بمعنى أوضح ما مبرر هذا الوسيط، أو ما يمكن تسميته (السمسار) بين المؤسسة السورية العامة للتأمين وبين الموظف؟ ألا يمكن أن يكون هذا الوسيط مديرية في وزارة أو دائرة في مؤسسة عامة، يقوم بمهامه موظفون في الدولة؟ وبهذه الآلية تعود الأرباح الكبيرة للدولة بدلا من القطاع الخاص؟
وحسب مصدر إعلامي فإن إيرادات النشاط الاستثماري التشغيلي للمؤسسة العامة السورية للتأمين منذ بداية عام 2021 وحتى نهاية تشرين الثاني الماضي تجاوزت الـ 44 مليار ليرة سورية، والتعويضات الممنوحة للمؤمنين من تأمين صحي وحرائق وهندسة وسيارات وغيرها بلغ نحو 27 مليار ليرة.
إذن، طالما أن قطاع التأمين رابح رابح بكل الأحوال. يبقى السؤال مشروعا لماذا لا يتم تصويب البوصلة من جديد، وإنهاء هذه التعقيدات وإراحة الناس من كل هذه التفاصيل التي تستهلك وقت المريض وجهده وصحته؟
ربما يقول البعض: هذه تفاصيل. ولكن ألم يقل المثل: إن الشيطان يجلس ويتربع ويمارس أذاه بالتفاصيل؟
(سيرياهوم نيوز3-20/3/2022)