ليس فعل التجسّس غريباً على الجيل الجديد من الحُكّام في الخليج. الأمراء المهووسون بكتْم أيّ صوت مخالف لهم، يكادون لا يوفّرون وسيلة لملاحقة معارضيهم والتضييق عليهم أينما كانوا. وهم، في سبيل ذلك، لا يجدون حرجاً في الاستعانة بالقدرات السايبرية الهجومية الإسرائيلية، بل إنهم يعتبرونها «الخيار الأفضل» في أداء مهامّهم الجاسوسية تلك. على أن محمد بن زايد يكاد يكون «كبيرهم» الذي علّمهم «سرّ المهنة» هذه، بعدما خَبِر، منذ أن أصبح الحاكم الفعلي للإمارات في العام 2014، أساليب مختلفة في «حياكة المؤامرات»، التي امتدّت من الداخل حيث «الأخ الأكبر» يراقب كلّ حركات المقيمين وسَكَناتهم، إلى الجوار والإقليم اللذين عرفا جولات متنوّعة من «التفتين»، وصولاً حتى إلى الولايات المتحدة، التي وزّع فيها ولي عهد أبو ظبي رجالاته من أجل التأثير على سياستها الخارجية، خصوصاً في عهد دونالد ترامب.
كلّ ما تَقدّم تلقّفه محمد بن سلمان سريعاً، ليبدأ تطبيقه في حيّزه، خصوصاً على مستوى تتبّع المخالِفين وتكميم أفواههم، ولو بالمنشار، كما حدث لجمال خاشقجي، الذي تمّ التجسّس على هاتفه ببرنامج إسرائيلي الصُنع. هذا النهم في تعسّف الخصوم واختراق الحلفاء، ألفت فيه إسرائيل التربة الأكثر خصوبة لإنماء أعمال شركاتها التجسّسية، وعلى رأسها «إن إس أو»، التي لم تبخل على الأنظمة المرعيّة غربياً بكلّ ما تحتاجه للنفاذ إلى حيوات ضحاياها والجثوم عليها على مدار الساعة. أمّا المفارقة الأبرز فهي أن إسرائيل، التي تمتلك شراكات أمنية عميقة مع عدد كبير من الدول الغربية كما في حالة فرنسا مثلاً، لم تَعُد ترى مانعاً من عرض خدماتها على أطراف أخرى، عربية وغير عربية، ولو في اتّجاه معاكس أو موازٍ أو منافس لتلك الشراكات. وهو ما ينسجم، بوضوح، مع سياسة «اللعب على الحبال» لإعلاء مصلحة تل أبيب، والتي يشكّل نموذجاً آخر فاضحاً منها ضلوع الشركات الإسرائيلية في بيع قدرات تجسّسية هجومية للحكومات، وفي الوقت نفسه تزويدها بوسائل الحماية ضدّ التكنولوجيا المُباعة عينها!
(سيرياهوم نيوز-الأخبار)