ثمة أشخاص فضوليون لا يهدأ لهم بال إذا لم يعرفوا كل التفاصيل التي تحدث حولهم، ولكن لا يسيئون أبداً، وكل ما في الأمر أن تدخلهم يأتي عابراً لإرضاء ذاك الفضول الذي يعتريهم، ويشكل لهم قلقاً حقيقياً إذا لم تصلهم أخبار من هنا أو هناك.
فهؤلاء لا يشكلون خطراً على أحد، ولاسيما إذا أبقوا كل ما يعرفونه في صدورهم، ولم يتناقلوه أو يثيروا من خلاله أي فتنة.
ولكن بالمقابل هناك أشخاص، ليسوا فضوليين وحسب، بل يتدخلون من وراء فضولهم بشؤون الغير، ولا يكون تدخلهم عابراً، بل تدخل مستمر وكأنهم سيغيرون الكون، أو يظنون بأنفسهم أنهم سوف يحدثون قوانين اجتماعية ينتفي فيها الظلم، وتسود المساواة، متناسين التباين الضروري في تفكير الناس، وأن أولئك لو كانوا نسخة عن بعضهم لما كان أي خلاف أو مشكلة بالمجتمع، وفي كل مرة يخطئون نفس الخطأ ولا يريدون إدراك أنه إذا شاؤوا تدخلوا ولكن إيجابياً، وبهدف إصلاح ذات البين.
لهذا لا يترك تدخل هؤلاء الفضوليين نتائج عادية سيئة وحسب، بل غالباً ما يفاقم المشكلة ويخلق شرخاً كبيراً يطول أمد حله، وهنا نكون أمام حالة حشرية مع سبق الإصرار والترصد.
بالفعل ومن دون أي مبالغة تزداد مع هذا النوع من البشر صعوبة الحياة والتأقلم، لأنهم يتناسون حالة الاستنزاف الداخلي لهم من جهة، واستنزاف الآخرين من جهة ثانية، ولاسيما عندما “يبلغ السيل الزبا” مع الذين تم التدخل في شؤونهم، فضلاً عن التوتر النفسي والعصبي الذي يتركه وجودهم في المجالس وحلقات الجدل والنقاش وساحات الخلاف أو النزاع.
ولتجنب تلك الحالة التي يعكسها حضورهم في الأماكن التي يتواجدون يجب معرفة أسباب هذا النوع من التصرفات غير السوية وكيفية التعامل مع هؤلاء الذين يثيرون الإزعاج بداية الأمر، إلا أنهم يثيرون الشفقة على طريقة التفكير التي يمارسونها وتجعلهم غير مرغوبين من الزملاء والأقارب المتواجدين في محيطهم، غير مدركين أن من يتدخل في ما لا يعنيه يلقى ما لا يرضيه، وقد تدور الدوائر ويتصالح طرفا الخلاف، ويبقى هو خارجاً، لأنه وعلى الرغم من بساطة تلك المقولة، إلا أنها ذات أهمية، ولو طبق خمسون بالمئة كلماتها ومعانيها، لاستفاد الخمسون الآخرون، وتجنب الأفراد العديد من المنغصات والإشكاليات التي يسببها هذا النوع من (الحشريين) الذين يحاصرون الأفراد بوابل من الأسئلة الفضولية التي لا تنتهي، وبتدخل يفضي بالتأكيد إلى عداوات وإثارة الكثير من الغضب.
ألم وانطوائية
وفي هذا الإطار تحدث إلينا بعض الاختصاصيين والمواطنين، حمدي السالم يقول: إن فضول الآخرين يدفعني في أوقات كثيرة للانطوائية والانعزال عنهم، وبالذات نتيجة تدخل أحد الأصدقاء وأسئلته التي لا تنتهي، متناسياً أن هناك قضايا لا يستطيع الشخص البوح فيها حتى لنفسه، لأنها تسبب له الألم، فكيف إذا تكلم بها، موضحاً أنه في كل مرة يتم استفزازه فيها، وتصدر عنه ردات فعل، وتسبب له النفور.
من ناحيتها تقول ياسمين محمود: إن أخاً لزوجها يتدخل في كل شاردة وواردة بحياتهم، وينصب نفسه مصلحاً اجتماعياً، وقد ملوا هذا التدخل، في الوقت الذي لا يسمح فيه لأحد أن يتدخل بشؤونه، موضحة أن موضوع الأولاد بينها وبين زوجها سبب الخلاف، لأنه لم يرزقا بطفل ومضى ١٠ سنوات على زواجهما، وتراه دائم التحريض لأخيه، وأخوه لا يعيره أي اهتمام، وتراه يقحم نفسه ليس في شؤونها وحسب، بل في أمور جميع أفراد العائلة.
يثيرون الشفقة
المرشدة الاجتماعية سهام لطف الله قالت: إن أولئك لا يتسببون بالتوتر والنفور وحسب، بل ينعكس ذلك عليهم لأنهم يثيرون الشفقة على طريقة التفكير التي يمارسونها وتجعلهم غير مرغوبين بمن حولهم.
وتضيف: إن التدخل في شؤون الآخرين هو سلوك لا أخلاقي منتشر في المجتمع بقصد تصيد أخطاء الآخرين أو إزعاجهم واستفزازهم، والشخص المتطفل لا يحترم خصوصيات الآخرين ولا مشاعرهم ولا أحاسيسهم وظروفهم الخاصة، فضلاً عن أنه شخص حسود لا يتمنى الخير لغيره، والشخص منهم يعاني من اضطرابات نفسية واجتماعية غير سوية حيث لا يشعر بالسعادة إلا من خلال التطفل والتدخل في شؤون الآخرين، بالإضافة إلى أن معظمهم يعاني من ضعف الوازع الديني والثقافي والأخلاقي في سماتهم الشخصية.
شخص انتهازي
مستشار الطب النفسي الدكتور بخيت محمود يقول: إن الشخص المتدخل هو شخص انتهازي وقلق وساذج أحياناً ويحب الاصطياد في الماء العكر، وبين أن من خصائص المتدخلين في حياة الغير أنهم يعانون من فراغ في حياتهم ولديهم نوع من حب التسلط والسيطرة، وأنهم يتصفون بالثرثرة ونقل الكلام، ومن صفاته أيضاً شعوره بالنقص وحاجته إلى تقدير المجتمع له لافتقاده الأمن النفسي، ونصح للتعامل مع هؤلاء بأنه لابد من توجيههم من خلال معرفة المساحات النفسية المسموح الدخول فيها مع الآخرين سواء على مستوى حياتهم العامة أم الخاصة والتي لا يجوز اقتحامها وتدريبهم على هذه المهارات، بالإضافة إلى إرشادهم في كيفية إدارة الوقت والسمات الذاتية بطريقة أكثر جودة تتناغم مع القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية الموجودة في المجتمع.
سيرياهوم نيوز 2_الثورة