آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » التراث الثقافي اللامادي… اتفاقية عام (2003)

التراث الثقافي اللامادي… اتفاقية عام (2003)

رشا محفوض

هناك أشياء يعد من الضرورة الحفاظ عليها وإيصالها سالمة إلى الأجيال القادمة.. قد تكون مهمة لما تحمله من قيم اقتصادية (حالية أو محتملة) أو لما تولده من إحساس أو شعور بالانتماء.. إنتماء لوطن أو تقليد أو نمط حياة.

قد تكون تلك الأشياء مادية كمدن أو قرى أو أبنية تستحق أن نستكشفها.. أو رقصة وأغنية وقصة تستحق أن تروى.. ومهما كان الشكل فهذه الأشياء تمثل جزءاً من التراث وهذا التراث يتطلب بذل الجهد الفعال لصونه وحمايته.

مصطلح التراث الثقافي تغير في مضمونه خلال العقود الأخيرة تغيراً كبيراً ويرجع وفق خبراء التنمية الثقافية بجزء منه إلى الصكوك التي وضعتها منظمة اليونيسكو فلا يقتصر التراث الثقافي على المعالم التاريخية ومجموعات القطع الأثرية والفنية وإنما يشمل أيضا التقاليد أو أشكال التعبير الحية الموروثة من الأجداد ويتم تداولها من قبل الأجيال المتلاحقة وصولاً إلينا مثل التقاليد الشفهية والفنون الاستعراضية والممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون والمعارف والمهارات في إنتاج الصناعات الحرفية التقليدية.

ويتجلى التراث الثقافي اللامادي للشعوب في كل المظاهر غير المادية وغير الملموسة لمختلف تشكلات وتنويعات التراث الإنساني وهو مرتبط بشكل مباشر وفق الخبير السوري في التراث اللامادي الدكتور طلال معلا بهوية مبدعيه ويمثل بحضوره وتجلياته التطور الذهني التاريخي والاجتماعي للأفراد والجماعات والتجمعات والمجتمعات البشرية المعنية به وهو المعبر عن أصالتها ووجودها وتمايزها على مستوى المجتمعات الإنسانية.

وأوضح الدكتور معلا في دراسة له بعنوان (التراث الثقافي غير المادي تراث الشعوب الحي) أن هذا التراث مرتبط بالحقوق وهذا ما دفع المجتمع والمنظمات الدولية لمراجعة سبل التعريف به وأساليب الحفاظ عليه وصونه بأشكاله كافة انطلاقاً من بيئة تشريعية وقانونية تمثلت بصياغة اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي لعام 2003 في منظمة اليونيسكو ووقعت عليها الجمهورية العربية السورية.

وبذلك تصبح الدول الموقعة عليها ملزمة بتنفيذ الاتفاقية والاضطلاع بمسؤوليات الصون وفق تفاصيل الإتفاقية وبما يتعلق بالخطط والسيادة الوطنية واحترام تراث الجماعات والمجموعات والأفراد المعنيين والتوعية محليا ووطنيا ودوليا بأهمية التراث الثقافي اللامادي وأهميته في خلق التقدير المتبادل وتحفيز المؤسسات المحلية والتعاون الدولي والمساعدة الدولية وهي بالنتيجة الأهداف الرئيسة التي تنطلق منها الاتفاقية وفق معلا.

وتمثل الإتفاقية التي اعتمدها المؤتمر العام لليونيسكو عام 2003 أول وثيقة تضع إطاراً قانونياً وإدارياً ومالياً لصون هذا التراث وهي عبارة عن اتفاق وفقاً للقانون الدولي التزمت به الدول وينص على حقوق والتزامات الأطراف إزاء بعضها البعض وبذلك حصل التراث الثقافي اللامادي بوصفه قوة دافعة للتنوع الثقافي على اعتراف دولي بأهميته وأصبحت عملية صونه إحدى أولويات التعاون الدولي.

ويوضح الدكتور معلا أنه يقصد بعبارة (الصون) التدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث الثقافي اللامادي بما في ذلك تحديد هذا التراث وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله وإحياء مختلف جوانب هذا التراث.

وفي تفاصيل الإتفاقية وفقاً لليونيسكو فإنها تهدف إلى صون التراث الثقافي اللامادي تماشياً مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتلبية لمقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات والتنمية المستدامة.

وعلى الصعيد الوطني تدعو الاتفاقية إلى صون هذا التراث في أراضي دولة طرف كما تطلب من كل دولة طرف تحديد وتعريف هذا التراث بمشاركة الجماعات والمجموعات والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة.

وتجتمع جميع الدول الأطراف التي صدقت على الاتفاقية في جمعية عامة تقوم بانتخاب (24) دولة طرفاً لعضوية اللجنة الدولية الحكومية المسؤولة عن الترويج لأهداف الاتفاقية ورصد تنفيذها.

وتبت اللجنة في جملة أمور منها إدراج التراث اللامادي في قوائم الإتفاقية ومنح المساعدات المالية الدولية كما تقوم بنشر الممارسات الجيدة في مجال الصون وعندما يوجد عنصر من هذا التراث في أراضي عدة دول أطراف في الاتفاقية تشجع هذه الدول على تقديم ترشيحات مشتركة لمختلف الجنسيات كما هو الحال بترشيح ملف عنصر صناعة الأعواد والعزف عليها.

وإذا وقع اختيار اللجنة الدولية الحكومية على عنصر من عناصر التراث الثقافي اللامادي فتدرجه إما على قائمة التراث الثقافي اللامادي الذي يحتاج إلى صون عاجل كما حالة عنصر خيال الظل السوري الذي كان مهدداً بالاندثار.. أو في القائمة التمثيلية للتراث اللامادي الإنساني كما في عنصري الوردة الشامية والقدود الحلبية.

وتعد قائمة التراث الثقافي الذي يحتاج إلى صون عاجل أهم قائمة لكون الغرض منها اتخاذ تدابير الصون المناسبة لأشكال ومظاهر التعبير عن التراث الثقافي اللامادي المهددة بوجودها أي المهددة بديمومة تجددها ونقلها.

أما الغرض من الإدراج في القائمة التمثيلية وفقا لليونيسكو فهو الإسهام في عملية إبراز هذا التراث وزيادة الوعي بأهميته وتشجيع الحوار ما يعبر عن التنوع الثقافي في أرجاء العالم وتقييم الدليل على الإبداع البشري.

وتنشر اللجنة أيضاً سجلا مستوفى بالبرامج والمشروعات والأنشطة التي اختارتها باعتبار ذلك أفضل تعبير عن أهداف الاتفاقية ومبادئها ويمكن أن تعتبر هذه البرامج والمشاريع والنشاطات أمثلة جيدة على الصون وأن تنشر كممارسات جيدة.

وعلى الرغم من أن حكومة الدول الأطراف في الاتفاقية لها وحدها الحق في تحديد عناصر التراث اللامادي ورفعها إلى اللجنة للبت فيها إلا أن تقديم الإقتراح بإدراج هذه العناصر في قائمة التراث يجب أن يتم بمشاركة وموافقة الجماعات والمجموعات المعنية المحلية وهو ما انطبق على المجتمعات المحلية الحاملة لعنصري الوردة الشامية والقدود الحلبية.

يذكر أن اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي لعام 2003 تم الانتهاء من صياغة بنودها في تشرين الأول عام 2003 وأدخلت حيز التنفيذ في نيسان /2006/ وكانت سورية من أوائل الدول الموقعة عليها.. ولأهمية هذا التراث نظمت مؤخراً وزارة الثقافة من خلال مديرية التراث اللامادي ورشة عمل خاصة تمهيداً لوضع استراتيجية وطنية تعنى بالتراث الثقافي اللامادي في حين تعمل الأمانة السورية للتنمية من خلال برنامج التراث الحي مع العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية على حصر عناصر التراث اللامادي وإعداد القائمة الوطنية له وذلك بصفتها جهة استشارية لدى اليونيسكو وطرفا في لجنة تقييم القائمة التمثيلية للتراث اللامادي إضافة إلى صفتها منظمة غير حكومية برتبة محكم دولي في هيئة التقييم عن تمثيل المجموعة العربية المنبثقة للمرة الأولى عن الدورة التاسعة للجنة الدولية الحكومية لصون التراث اللامادي الإنساني ومقرها باريس.

وللحكاية بقية.

سيرياهوم نيوز 6 – سانا

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ديبلوماسية «البيكيني»… للترويج للصهيونية

غادة حداد   بعد عام 2000، عملت الحركة الصهيونية على تغيير صورتها، بسبب النقمة عليها بعد انتفاضة الـ 2000، وما رافقها من جرائم إسرائيلية بحق ...