لجينة سلامة:
تعميم وزارة التربية على مديرياتها في المحافظات بخصوص عدم معاملة الأطر التعليمية لأبنائهم في الصفوف التي يدرسون فيها معاملة خاصة أو مميزة عن أقرانهم تحت طائلة المسؤولية الشخصية ومسؤولية إدارات المدارس يعيدنا إلى عشرات السنين التي قضيناها على مقاعد الدراسة وأيقظ فينا الكثير من مشاعر الغبن والظلم وعدم المساواة وكسر الخاطر من قبل المعلمين الذين كانوا يعطون لأبناء المعلمين والمعلمات الأفضلية والأولوية في الحقوق ومنصات الحضور، وأعتقد جازمة أن أحداً منا لا ينسى الخصوصية التي كان يتمتع بها أبناء المعلمين بأحقيتهم في الجلوس على المقاعد الأمامية والأولوية في المشاركة والنجاح بالمراتب الأولى في النشاطات المختلفة بالإضافة لتسليمهم أمور الانضباط تحت ما يسمى (العريف).
تأتي اليوم وزارة التربية لتصدر تعميماً بخصوص قضية عمرها عشرات السنين وما زالت تقض مضجع الأهالي والطلبة وأغلبنا يعيش آثارها السلبية. وهي محاولة من الوزارة لمعالجة القضية بتوجيه تربوي أخلاقي سعياً منها لتحقيق العدالة في العملية التعليمية ولمنح الطلبة القدرة على المنافسة النزيهة دون الشعور بأي تمييز، وهو ما يجعل الجميع يتساءل هل حقاً سيكون للتعميم مفعوله وهل سيحقق الغاية المرجوة منه وإحقاق الحق لكل الأطراف.
وإن كنت من بين المتسائلين فهذا من باب أن ليس للتعليم مفعولاً ما لم يكن الضمير الصاحي الذي يملكه المعلم هو العامل الوحيد الذي يمكنه من أن يحقق الإنصاف للطلبة على حد سواء بعيداً عن المحسوبيات والإكراميات.
إذن التعميم يشخص الواقع التعليمي و يعترف بما يجري داخل الصفوف المدرسية ويقترح الحلول، لكن هل ستكون ناجعة وهل يمكن التعويل عليها للارتقاء بالعملية التعليمية التربوية على حد سواء لتصل إلى حد النقاء والعدالة. علماً أنه لا يمكن أن تطبق العدالة على وجه البسيطة فكيف في المدارس.!
للأمانة يمكن القول إن التعويل يبدو فقط على المعلم الشريف الذي يعتبر أن الطلبة جميعا هم أبناؤه حقاً فيعطي الاهتمام ذاته للكل دون استثناء. التعويل على المعلم النبيل الذي يدرك تماماً أن الطالب غير المجتهد وغير المتمكن من دراسته له الأحقية في المتابعة لإعطائه الفرص ولمساعدته على تحصيل مستوى دراسي يضمن له النجاح بدل أن يترك لضعفه وتحصيله المتدني ويكون ضحية للإهمال وعدم العدالة في المعاملة.
والتعويل يكون على المعلم الذي يعتقد أن عمله هذا هو واجب إنساني ولطلابه الحق في أن يكون معلمهم على مسافة واحدة منهم سواء أكانوا أبناء معلمين أم غير ذلك بغض النظر عن مستوياتهم الدراسية وشرائحهم الاجتماعية.
لقد جاء التعميم الوزاري ليلقي الضوء ساطعاً على ما يحدث في الصفوف المدرسية والأبواب موصدة وقد يتسنى للقائمين على العملية التربوية والتعليمية التحقق مما يحدث بجولات ميدانية للتأكد من حالات المعاملة الخاصة لأبناء المعلمين وقد يتسنى للوزارة ذلك فتنصف المتعلمين وتحقق نسبة من العدالة المنشودة، ولنجزم أن هذه الظاهر قد تمت معالجتها لكن ماذا عن ظواهر أخرى وقعها أكثر قساوة على المتعلم من التمييز الذي يحدثه، ماذا عن نسبة ال40 بالمئة التي يضعها المعلم لنشاطات ومجهود الطالب ومذاكرته، هذه النسبة التي يضعها البعض منهم بمزاجية ودون وجه حق، بالإضافة إلى الظلم الذي يلحق الطلبة بعلاماتهم المجحفة في مواد التربية الموسيقية والفنية والرياضية والسلوك.
مشكورة وزارة التربية على كل المساعي والجهود التي تضمن عملية تربوية تعليمية ناجحة، لكن هذا لن يحدث ما لم تستعيد للمعلم هيبته وتكلله بحصانة لا يتجرأ أحد أن يمسها، هذه الحصانة ليست ميزة وإنما حق مكتسب يضمن للمعلم أن لا تحدث الفوضى في أرجاء الصف وتصل المعلومة كما يريد بما فيها الفائدة للطالب أولاً ولمصلحته ثانياً وهو ما يعود بالفائدة عليه فيضمن النجاح والتفوق والتميز وليس إلى ذلك سبيلاً ما لم يعطَ المعلم هامشاً من التقدير.
(سيرياهوم نيوز-الثورة2-3-2021)