آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الترسيم البحري: الرحلة المتعثّرة من 2007 إلى اليوم

الترسيم البحري: الرحلة المتعثّرة من 2007 إلى اليوم

| مهدي عقيل

يخوض لبنان، بشكل أو بآخر، مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية منذ عام 2007، واليوم نعيش خواتيمها غير السعيدة. كان الدافع لعملية الترسيم اكتشاف الثروة النفطية.

وعليه، بدأت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى عام 2007، بترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع قبرص وفلسطين المحتلة، وتابعت حكومته الثانية عملية الترسيم في السنوات التالية 2008 و2009، حيث وضعت اللبنة الأولى للخط 23. بدورها، حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية أصدرت المرسوم الشهير 6433 في 1/10/2011، بناءً على ما توصّلت إليه حكومتا السنيورة. مع الإشارة إلى أن كل الأفرقاء السياسيين اللبنانيين شاركوا في تأسيس وإصدار هذا المرسوم من باب مشاركتهم في حكومات السنيورة وميقاتي على السواء. وبالتالي لا يمكن لأحد أن يبرّئ نفسه من دم هذا الزنديق.
وبعدها تولّى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري هذا الملف عنوة، قرابة عقد كامل لحين إعلانه المفاجئ في الأوّل من تشرين الأول 2020 عن التوصّل إلى اتفاق إطار لإطلاق مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل في مقر الأمم المتحدة في الناقورة برعاية الوسيط الأميركي، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر. على أن يتولى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إدارة هذا الملف كونه من ضمن صلاحياته طبقاً للمادة 52 من الدستور. والإشكالية الرئيسية هنا، ليست عدم تولّي رئيس الجمهورية ملف التفاوض قبلاً، كونه هو صاحب الصلاحية، إنّما الغموض الذي يكتنف اتفاق الإطار. إذ لم يحدّد أيّاً من الخطوط التي سوف تعتمد في المفاوضات، حيث ترك الأمر مفتوحاً على كل الاحتمالات، علماً بأنه يعتمد ضمناً أو مواربة خط 23. وبدا الرئيس بري وخلفه حزب الله كأنهما يريدان أن يبعدا عنهما هذه الكأس ليتجرّعها غيرهما، والتي فرضت فيها إسرائيل، عن طريق أميركا، وجوب اعتماد طريق المفاوضات بواسطة طرف ثالث، مستبعدة الطريقتين الأُخريين اللتين تُعتمدان في حل النزاعات الحدودية البحرية، وهما: التحكيم الذي تقوم به محكمة أو مؤسسة دولية وفق قانون البحار، أو التوجّه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي.

المفارقة هنا أن الدولة اللبنانية ليست جديدة على عالم التفاوض، وخصوصاً في موضوع الترسيم مع العدو الإسرائيلي
حسناً فعل فخامة الرئيس في بادئ الأمر بتشكيله وفداً عسكرياً تقنياً مُطعّماً بمدنيّين برئاسة العميد بسام ياسين، والذي توصل إلى نتيجة مفادها؛ أن حدود لبنان تبدأ من خط 29 وليس من خط 23، مُدعّمة بخرائط ووثائق تاريخية ومُستندة إلى قانون البحار، حيث استفاد الوفد من دراسة كان قد أعدّها سابقاً أحد أعضائه، العقيد مازن بصبوص، ولم يعتمد صخرة تخليت طبقاً للمادة 121 من قانون البحار، المتعلقة بنظام الجزر، والتي تفرض وجوب أن تكون الجزيرة مأهولة وقابلة للسكن، وتخليت لا تتوفر فيها هذه الشروط، وبالتالي هي صخرة وحسب.
لكن سرعان ما سُحب ملف الترسيم من قيادة الجيش صاحبة الاختصاص، ليتسلّم الرئيس عون بصورة مباشرة المفاوضات مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتين. وكانت باكورة هذا السحب الاستغناء عن الخط 29 واعتماد الخط 23، ورفض تعديل المرسوم 6433، وذلك بموافقة ورضى عام من كل الأفرقاء السياسيين في لبنان، بصورة علنية أو سرّية أو باعتماد المواربة، وحزب الله ضمناً، الذي تأخر كثيراً لمواكبة هذا الملف الذي يفوق بخطورته وأهمّيته ملف الأراضي اللبنانية المحتلة، وشكّل فريقاً لمتابعته برئاسة النائب السابق نواف الموسوي. وثمّة خبراء نفط وغاز كثر، قريبون من المقاومة، لم يُستشاروا حتى تاريخه.
وفي الزيارة الأخيرة للوسيط الأميركي، سلّمه الرئيس عون المقترح اللبناني الجديد الذي اعتمد خط 23 مع الاحتفاظ بحقل قانا غير المختبر إذا كان يحوي نفطاً وغازاً أو لا، وصرّحت أوساط القصر الجمهوري بأن خط 29 ما زال معتمداً كخط تفاوضي، وهذه من آخر البدع اللبنانية، إذ كيف لك أن تتنازل عن خط ومن ثم تهدّد بالعودة إليه، وخصوصاً أنك تفاوض «دولة» من طراز إسرائيل تتجاوزك بمسافات ضوئية على مختلف الأصعدة.
والمفارقة هنا أن الدولة اللبنانية ليست جديدة على عالم التفاوض، وخصوصاً في موضوع الترسيم مع العدو الإسرائيلي. قبل عقدين ونيّف، كانت على موعد مع مفاوضات شاقة بشأن ترسيم الحدود البرّية إثر التحرير عام 2000، ونجح لبنان في خوض عملية ترسيمها مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة وتنفيذاً لقرار مجلس الأمن 425 الصادر عام 1978 إثر الاجتياح الإسرائيلي. وعرف لبنان أين يوافق وأين يرفض وأين يتحفّظ، حيث هناك 13 نقطة متحفّظاً عليها حتى الآن، ولم تُرسّم المنطقة المتاخمة لتلال كفرشوبا ومزارع شبعا والجزء الشمالي من قرية الغجر.
وإذا ما عدنا إلى اتفاقية الهدنة عام 1949، استطاع لبنان أن يحضر بقوة ويرفض الطروحات الإسرائيلية التي لم تلتزم بالترسيم الأوّل للحدود اللبنانية الفلسطينية عام 1921، والمعروف بترسيم بوليه – نيوكومب، وذلك إشارة إلى لجنة الترسيم التي كان يرأسها من الجانب الفرنسي المقدّم بوليه (Paulet)، ومن الجانب البريطاني المقدّم نيوكومب (Newcomb)، إذ لم يكن لبنان كدولة حاضراً بطبيعة الحال في زمن الانتداب.
والمهم في الموضوع، جرى اعتماد القانون الدولي في ترسيم الحدود البرية، سواء في الترسيم الأوّل 1921 أو الثاني 1949 أو الثالث 2000، بخلاف ما يجري اليوم لناحية اعتماد طريق المفاوضات بواسطة طرف ثالث. واتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية هي معاهدة دولية تتمتع بكل المواصفات التي حدّدها القانون الدولي، وما زالت تمثّل على الدوام الإطار القانوني الصحيح والوحيد المتوافر لضبط الوضع بين الطرفين، وشكّلت المرجع والمستند في رسم الخط الأزرق بعد التحرير ولما تضمّنه القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن إثر عدوان تموز 2006، ولا سيما لناحية تحديد حجم القوى العسكرية التي ستنتشر في الجنوب. ويستطيع لبنان أن يستفيد أيضاً منها في ترسيم الحدود البحرية لناحية رسم الخط البحري الفاصل، انطلاقاً من نقطة رأس الناقورة التي حدّدتها الاتفاقية، وأن لا يبدأ خط الترسيم على بعد ثلاثين متراً شمال النقطة المذكورة (ناحية لبنان)، كما هو حاصل مع الخط 23، فيما الخط 29 يبدأ من النقطة المذكورة.
أمام هذا الواقع؛ موقف لبناني هشّ ومائع، يقابله موقف إسرائيلي صلب ومتماسك. يبقى كل التعويل على خلق توازن قوّة مع العدو على المقاومة. وبالأمس القريب، مطلع الشهر الحالي، كانت لها رسالة معبّرة بهذا الخصوص، من خلال إرسالها ثلاث مسيّرات غير مسلحة استطاعت أن تحلّق في سماء حقل كاريش لوقت يُتيح لها الاستطلاع وجمع المعلومات والتقاط صور لمنصّة استخراج الغاز الطبيعي قبل إسقاطها. وأجمعت تصريحات قادة العدو العسكرية والأمنية في الصحافة الإسرائيلية على أنه: لو أراد حزب الله تسليح سرب أو أسراب من المسيّرات وضرب المنصّة لكان له ذلك.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...