زياد غصن
على غرار آلية العمل المطبقة في القضايا الجمركية والضريبية، بات المتهم بالتورط في قضايا الفساد، لاسيما تلك التي ينتج عنها اختلاس أو هدر في المال العام، يُخير بين إجراء تسوية مالية يقوم بموجبها بتسديد ما يترتب عليه من مبالغ مالية مقابل إسقاط الملاحقة القضائية بحقه، وبين استمرار الإجراءات القانونية المعتاد تطبيقها لإستعادة المال العام “المنهوب” أو “المهدور”..وبناءً على ذلك، فقد جرت خلال الفترة الماضية عدة تسويات مالية كان طرفها رجال أعمال، سددوا بموجبها عشرات المليارات من الليرات للخزينة العامة… بدءاً من ملف وزارة التربية إلى ملفات أخرى في النفط والجمارك وغيرها.المؤيد الجوهري لاعتماد هذا الخيار ينطلق من عدة اعتبارات أبرزها أن الأولوية اليوم بنظر البعض هي لإسترداد الأموال المنهوبة أو المسروقة من خزينة الدولة، وليس لمعاقبة بعض الأشخاص ووضعهم في السجن، فضلاً عن أن هذه الآلية تختصر كثيراً من الوقت وتقلل من عدد الملفات المحالة إلى القضاء بالنظر إلى أن محضر التسوية هو بمنزلة الحكم الفضائي بعد تصديقه رسمياً وقضائياً، وتالياً فإن تنفيذ بنوده يصبح ملزماً للطرفين.
في المقابل.. هناك من يرى في الخطوة سلبية خطيرة تتمثل في إسقاط المطالبة بفرض العقوبة الجزائية على المتورطين في قضايا الفساد، وهذا من شأنه المساهمة بتقييد ما هو متاح حالياً من خطوات وإجراءات لوقف انتشار الظاهرة مجتمعياً… فما دام الأمر يمكن أن يعالج عند الضرورة بـ”الدفع” فإن ممارسة الفساد يمكن أن تصبح أكثر شيوعاً لأنها بهذه الحالة تكون أقل خطورة عند مرتكبيها!إذا كانت هناك ثغرات قانونية وإدارية تؤخر أو تحول من دون إجراء محاسبة عادلة للمتورطين في قضايا الفساد واسترداد ما نهب، فذلك ليس مبرراً لأي خطوة خارج السياق القانوني المعتاد في معالجة مثل هذه الملفات، لاسيما وأن ذلك يحتوي على مفارقات غير موضوعية، إذ كيف يمكن إسقاط الملاحقة القضائية عن بعض الأشخاص والجهات الخاصة المتهمين باختلاس المليارات لمجرد قيامهم بتوقيع تسويات مالية، واستمرار تلك الملاحقة بحق موظفين حكوميين قد تكون تهمهم مجرد مخالفات بسيطة أو جرى توريطهم بشكل مباشر أو غير مباشر… وأحياناً قد تكون الملاحقة بناءً على الملف نفسه الذي خضع لتسوية!صحيح أن التسويات المالية تضمن في النهاية استرداد مبالغ مالية كبيرة في وقت قياسي قد لا يتحقق ذلك فيما لو طبقت الإجراءات القانونية المعتادة، إنما التساهل في تطبيق القانون أيضاً قد يتسبب في حدوث خلل اجتماعي والتقليل من هيبة الدولة، لذلك فإن البديل لكل ذلك يكمن في معالجة الثغرات القانونية والإجرائية التي تحول من دون إجراء تحقيقات موضوعية ومحاكمات عادلة وسريعة… وإلا فإن طبقة الفاسدين ستظل جاثمة على “صدر ” اقتصادنا ومجتمعنا بطريقة أو بأخرى.
(سيرياهوم نيوز-المشهد29-5-2021)