كمال خلف:
التصعيد يعود الى درعا بعد أكثر من ثلاث سنوات على الهدوء إثر تسويات محلية في حينها، ورغم حسم الجيش السوري المعارك وتحقيق نصر كامل الأركان، الا ان الجنوح الى تسوية مع الفصائل التي اثرت البقاء في الجنوب على الانتقال إلى ادلب فرضه طبيعة المنطقة وحساسيتها اذ مارست الولايات المتحدة ضغوطا لقرب المنطقة من الحدود مع فلسطين المحتلة، الهدوء طوال السنوات الثلاث كان وقفا للقتال مقابل تسويات، لكن تلك الفترة تخللها فلتان امني في المحافظة بما تضمنه من عمليات اغتيال وتصفيات وفقدان للأمن ومظاهر مسلحة. استدعت مؤخرا محاولة إعادة صياغة لتلك الاتفاقات التي رعتها روسيا عام 2018 وقضت تسليم الفصائل المسلحة أسلحتهم الثقيلة للجيش، كما تمت استعادة المؤسسات التابعة للدولة في المدينة، لكن دون دخول القوات الحكومية إلى أحيائها.
الاتفاق الجديد الذي أبرم قبل أيام قليلة قضى بسحب جزئي للأسلحة الخفيفة المتبقية بيد المجموعات والفصائل في درعا، وتواجد جزئي لقوات الجيش السوري، إلا أن الفصائل المتمركزة في درعا رفضت الاتفاق وفضّلت الدخول في مواجهة عسكرية مع الجيش السوري.
ومن المؤكد أن حالة الفلتان الأمني وعدم الاستقرار في درعا لم تعد تناسب المرحلة المقبلة من الانفتاح المنسق بشكل مكثف حاليا بين عمان ودمشق، فقد أعلنت الثلاثاء رئاسة الوزراء الأردنية أن عمان ودمشق اتفقتا على إعادة تشغيل مركز جابر/نصيب الحدودي بكامل طاقته، وذلك بعد مرور نحو عام على إغلاقه أمام حركة الأفراد. وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزيري الداخلية الأردني مازن الفراية، والسوري محمد خالد الرحمون، بحسب بيان لرئاسة الوزراء الأردنية، فضلا عن تعاقد الأردن مع شركات خاصة سورية لاستيراد البضائع من ميناء العقبة.
ويبدو من غير الممكن عودة العلاقات والتواصل التجاري السوري الأردني في ظـل الاضطرابات في المنطقة الواقعة بينهما جنوب سورية. لذلك بدت عملية إعادة صياغة اتفاق تسوية يضمن استقرار تلك المنطقة ” درعا وريفها ” ضرورية بالنسبة لسورية والأردن معا. وإثر انهيار التسوية الجديدة بدأ الجيش السوري حملة عسكرية مع ساعات صباح أمس الخميس على أحياء “درعا البلد”، حيث نفّذت قواته أولا قصفا بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، ومن ثم حاولت الاقتحام من ثلاثة محاور.
وبدأت الفصائل والمجموعات المسلحة من ناحيتها سلسلة هجمات بقذائف الهاون استهدفت حواجز تابعة للجيش السوري، وقامت بإعلان السيطرة على عدد من الحواجز حول مدن وقرى رئيسية بدءا من نوى شمال المحافظة وصولا إلى المزيريب قرب الحدود مع الأردن وهو ما نفته مصادر سورية معتبرة أن ما يتم تداوله عن سيطرة على حواجز الجيش عار عن الصحة.
كما شنّت المجموعات هجمات قرب الطريق السريع (دمشق- درعا) المودي إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، أدت إلى عرقلة حركة الركاب والبضائع عبر المنفذ الرئيسي للسلع من لبنان وسوريا إلى دول الخليج عبر الأردن.
وفي حال إحكام الجيش السوري سيطرته على درعا البلد، لن يبقى أمامه من مناطق “ساخنة” سوى بلدة طفس في الريف الغربي، ومدينة بصرى الشام ومحيطها التي تنتشر فيها قوات القيادي السابق في الفصائل المسلحة، أحمد العودة.
وتقود روسيا اتصالات ومفاوضات بين الحكومة السورية واللجنة المركزية للمصالحة في درعا لإبرام اتفاق يؤدي الى الاستقرار في المنطقة، إلا أن الرأي الحاسم هو للفصائل المسلحة في درعا البلد وليس للجان. وتقول مصادر معارضة بهذا الصدد ان اللجنة الأمنية التابعة للحكومة في مدينة درعا، طالبت اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس واللجنة المركزية في درعا، خروج عدد من المقاتلين إلى الشمال السوري، مقابل وقف القصف والتصعيد.
ومن المؤكد أن الجيش السوري عازم على تغيير قواعد اللعبة في درعا، ولن يقبل أقل من استقرار تام في المنطقة ووقف كافة مظاهر الفلتان الأمني والاغتيالات وتوغل المجموعات المسلحة وقدرتها على ضرب الاستقرار والتصعيد متى شاءت ذلك. سورية دخلت مرحلة جديدة، وستمهد لها بما يناسبها من تحركات ميدانية وسياسية واقتصادية.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم