عبدالله سليمان علي
وقع المحذور في الساحل السوري حيث يقيم غالبية أبناء الطائفة العلوية. حملات التطهير التي شهدتها المنطقة خلال اليومين الماضيين، وضعت البلاد أمام مفترق جدي وخطير للغاية، الأمر الذي يفجر العديد من التناقضات والصراعات الخفية ليس بين الطوائف بعضها بعضاَ، ولا مع فلول النظام وحسب، بل حتى بين الفصائل المسلحة التي تنتمي كلها إلى المكوّن السني، كما مع بعض المكونات الأخرى مثل الدروز في السويداء والأكراد في شرق الفرات.
في المجزرة
لا كلام يمكنه وصف المجزرة التي حدثت في مناطق العلويين والتي تخطى عدد ضحاياها الألف، في رقم غير مسبوق خلال أقل من 48 ساعة بتاريخ الحرب السورية منذ عام 2011. ما أطلق عليه البعض “الجمعة السوداء” شمل معظم مناطق العلويين سواء في أرياف اللاذقية حيث كانت مجزرة المختارية، أو في أرياف طرطوس (مجزرة حي القنيطرة في كرتو كمثال) وحماة في أرزة، لكن بانياس استحقت بجدارة لقب عاصمة هذه المجازر حيث شهدت أفظعها وأشدها إيلاماً وتدميراً.
وشهد بعض هذه المجازر عودة الذبح إلى قائمة طرق موت السوريين، كما شهد العديد منها عمليات الإعدام الميداني والتصفية بدم بارد. والمفارقة أن بعض المجازر وقع في حق معارضين سابقين لنظام بشار الأسد مثل الشاعر عبداللطيف علي، وفي حق عائلات بعضهم الآخر مثل الكاتبة هنادي زحلوط.
وإلى جانب القتل، شهدت مناطق العلويين حملة تعفيش وسرقة واسعة جداً خصوصاً للهواتف واللابتوبات والأجهزة الكهربائية إلى جانب الذهب والنقود. وكذلك شهد العديد من المناطق هتافات طائفية حاقدة وعبارات شماتة بالعلويين وإهانات لفظية جارحة.
وشهدت مناطق عدة عمليات تدمير أو إحراق للمنازل والمحلات التجارية، وهو ما حدث بشكل مركّز في بلدة بارمايا بريف بانياس. وليست هناك حتى الآن إحصاءات دقيقة لقيمة الأضرار المادية التي تسببت بها هذه العمليات.
ومنع الأمن العام في حالات عدة الأهالي من دفن جثامين الضحايا. وفي حالات أخرى طلب منهم دفن الجثامين في قرى أخرى حيث دفن ضحايا حي القنيطرة بريف طرطوس في قرية زاهد. كما لا تزال مئات الجثامين غير معروفة المصير، وما إذا كانت في المستشفيات أم سيتم التخلص منها بطريقة ما، وهو ما أكدته مصادر محلية لـ”النهار”، مشيرة إلى أنّ مجموعات دخلت إلى أحياء بانياس وبدأت بسحب الجثث من الشوارع من دون معرفة وجهتها.
الرتل الغامض
ومما لا شك فيه أن عدداً من المجازر حصلت من جنود وعناصر منتسبين للجيش وجهاز الأمن العام، وهذا ما أثبتته مقاطع الفيديو التي نشرها هؤلاء للتفاخر بها. وكانت وزارة الدفاع السورية أعلنت بعد ساعات من هجوم “المجلس العسكري لتحرير سوريا” بقيادة العميد غياث دلا عن وصول أرتال التعزيزات إلى طرطوس واللاذقية، ما يدلّ الى تبعية الأرتال لها.
لكن مع توارد المعلومات عن وقوع مجازر بعد ظهر الجمعة، جرى الحديث عن مجموعات شعبية غير منضبطة شاركت في التصدي لهجوم “المجلس العسكري” وأنها هي التي ارتكبت ما أطلق عليه في حينه “الانتهاكات الفردية”.
ومع انتشار أخبار المجازر، خرج رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع بخطاب تلفز يوني تحدث في خلاله بنبرة عالية عن النجاح في دحر فلول النظام، ولكنه لم يتطرق إلى موضوع المجازر بل اكتفى بالإشارة إلى عدم الاعتداء على الأسرى.
وقد ظنّ البعض أنه رغم عدم الإشارة إلى المجازر ، قد يشكّل خطاب الشرع رسالة غير مباشرة لضباط الجيش والأمن وعناصرهما بضرورة التوقف عن فعل ذلك، غير أن ما حدث هو أنه منذ صبيحة السبت، لوحظ وجود مساع إعلامية لتحميل مسؤولية المجازر لبعض الفصائل، رغم التصريحات عن تأسيس جيش واحد واندماج جميع الفصائل فيه وفق تصريحات لوزير الدفاع نفسه.
ثم انتقلت المحاولات إلى اتهام رتل بتنفيذ المجازر وهو الذي دخل إلى بلدة بارمايا وأحرقها، ثم انتقل ليرتكب مجزرة صغيرة في قرية عنازة بحنين في ريف طرطوس، قبل أن يذهب على طريق مصياف. ومع تركيز الاتهامات على هذا الرتل، فإن كل المصادر التي تحدثت معها “النهار” كانت تنفي علمها بهوية الجهة التي يتبع لها.
وثمة مخاوف من أن يجري التلاعب بالوقائع والعمل على نسب المجازر إلى فصائل معينة تنتمي إلى الجيش الوطني السوري لتبرئة مسؤولي الجيش والأمن من المسؤولية أولاً، وثانياً لاستخدام هذه الاتهامات للحد من نفوذ بعض الفصائل في الجيش ووزارة الدفاع.
في التداعيات
ومن شأن المجازر التي جددت مخاوف العلويين وطوائف ومكونات أخرى من احتمال تعرضها لعمليات إلغاء الهوية الدينية والعزل السياسي والاجتماعي، أن تضع السلطة الانتقالية أمام أخطر اختبار تتعرض له منذ تسلمها للحكم، إذ بات مطلوباً منها أن تبرهن عن رغبتها الحقيقية في التشارك في بناء الدولة مع باقي المكونات.
هذه الوقائع الدموية التي جرت في الساحل، راقبتها عن كثب أعين الدروز في الجنوب والأكراد في الشرق مع إيماءة توحي تحقق ما كانت تتخوف منه، وهو ما من شأنه أن يدفعها إلى التشدد في شروطها من أجل الانضمام إلى الحكم الانتقالي الجديد.
ومن المتوقع ألا تتوقف أصداء المجازر التي شهدها الساحل على داخل البلاد، بل أن تمتد إلى الخارج حيث ما زالت حكومة الشرع تخضع لمراقبة حثيثة من دول عدة عربية وغربية بشأن التزامها الشروط المطلوبة منها للاعتراف بشرعيتها. كما قد يكون لهذه المجازر دور في عرقلة خطوات رفع العقوبات عن سوريا، خصوصاً أن بعض الفصائل التي يراد تحميلها تبعة المجازر كالحمزات والعمشات هي أصلاً معاقبة من الولايات المتحدة منذ سنوات بسبب انتهاكها حقوق الإنسان.
وقد يستغل بعض الدول والجهات الآثار الناجمة عن أعمال القتل في الساحل من أجل العمل على تنفيذ أجندات وخطط تتعلق بزعزعة الاستقرار في سوريا أو العمل على تقسيمها أو التدخل في هندسة بناء الدولة الجديدة، لتحقيق مكاسب جيوسياسية في المنطقة وكي لا تخسر نفوذها في البلاد، ومن أبرز هذه الدول بطبيعة الحال إيران وروسيا وإسرائيل.
أخبار سوريا الوطن١_النهار