آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » التطبيع الجماعي مؤجّل: مأزق نتنياهو الغزّي يتعمّق

التطبيع الجماعي مؤجّل: مأزق نتنياهو الغزّي يتعمّق

 

حسين إبراهيم

 

أنْ يقوم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بجولة على دول الخليج، وفي مقدّمها السعودية، من دون أن يعلن تطبيع العلاقات بين الأخيرة وإسرائيل، يعني أن أوان الجائزة الكبرى التي لا تريدها تل أبيب، لم يأتِ بعد. لكن الرياض لا تفتأ تعطي إشارة تلو أخرى أنها تسير في هذا الاتجاه؛ وأحدثُها تمثّلت باستدعاء الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، إلى لقاء ترامب، في ظل تسريبات إسرائيلية عن موافقة مبدئية من الأخير على تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، تماماً كما حصل عام 2020، حين طبّعت الإمارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل، بدعم سعودي.

 

قد يكون ترامب فَهم أن نتيجة الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، لا تتيح عقد صفقة تطبيع جماعية بين عدد من الدول العربية وإسرائيل تقود قاطرتها السعودية. والخلاف في الرأي بينه وبين رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، هنا، هو أن الأول يرى أن ما لم يتحقّق بالقوة (الأميركية) لن يتحقّق بمزيد من القوة، بعكس اعتقاد الأخير وأقطاب حكومته، والذين يريدونها حرباً (أميركية) مستمرة حتى «الانتصار النهائي» الذي ينتهي بطرد الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، وتسلّم إسرائيل، لا أميركا، حُكم الشرق الأوسط.

 

مثل هذا التصوّر لدى اليمين الإسرائيلي المتطرّف من شأنه أن يُحدث خللاً كبيراً، ليس في أدوار حكام دول المنطقة فحسب، وإنما في الدور الأميركي نفسه، بما يمكن أن يكون وصفة لنزاعات لا تنتهي قد تمتد إلى دول غير مشمولة بها اليوم، مثل تركيا. وفي المقابل، فإن مشكلة دول الخليج التي دفعت تريليونات الدولارات لترامب، وبعض الدول الأخرى التي لا تملك ما تعطيه إياه، ليست في مبدأ التطبيع، وإنما في مستقبل حكّامها في حال تحقّق هكذا سيناريو.

 

إذ إن ما تراه هذه الأنظمة هو أن التطبيع الذي يريده العدو، يمكن أن يؤدّي إلى استبدال الرعاية الأميركية لها بأخرى إسرائيلية، وهي ليست جاهزة لذلك؛ كما أن التحكّم الإسرائيلي بالشرق الأوسط سيخلق لها مشكلة مع شعوبها التي لا تزال تتحسّس من التماس المباشر مع الإسرائيليين، في حين أنها معتادة على التعامل مع الأميركيين الذين لا يزالون يمثّلون بشكل أو بآخر ضمانة لحكام الخليج، حتى إذا اختلفوا مع هذا أو ذاك منهم في مرحلة معينة.

 

حتى الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، الذي وجد طريقة خاصة به للتعامل مع إسرائيل، من دون مخاطر داخلية كبيرة، كان محرجاً في أوقات معينة خلال حرب غزة، ومتوجّساً في أوقات أخرى؛ بفعل بعض تداعيات تلك الحرب، ولا سيما سيطرة «هيئة تحرير الشام» على الحكم في سوريا وتوسّع النفوذ التركي بشكل كبير هناك. ولربما جرت معالجة هذه المخاوف في ظل الترتيبات التي تواصل واشنطن إعدادها للمنطقة ككل، وهو ما يدرك الأميركيون أن إسرائيل لا تَصلح لفعله، وكل ما يمكنهم توفيره لها هو تعزيز مصالحها من دون المخاطرة بإحداث الفوضى التي يمكن أن يؤدي إليها تمكين نتنياهو من فعل ما يشاء.

 

هكذا، ورغم كلّ ما حصل خلال عام ونصف عام، لا يزال أي مشروع تطبيع عربي جماعي مع إسرائيل يحتاج إلى تنازلات إسرائيلية. وما دامت إسرائيل ليست مستعدّة لتقديم أي تنازل، حتى لِمن يمكن أن يكونوا حلفاءها، سيظلّ مشروع كهذا غير ممكن. ولعلّ هذا واحد من الأسباب التي جعلت ترامب يفكّ الارتباط بين الخليج وإسرائيل في جولته الشرق الأوسطية، والتي استهدفت تحقيق فائدة قصوى للولايات المتحدة، واتضحت في أعقابها بعض معالم الخلافات بين الرئيس الأميركي ونتنياهو.

 

إذ إن الأخير اضطر إلى الموافقة بمفرده على طلب أميركي بالسماح بإدخال مساعدات إلى غزة، من دون عرض الأمر على التصويت في حكومته خشية تفجيرها، بسبب معارضة عدد من الوزراء المتطرفين فيها لهذا القرار. وتبيّن أن مردّ الطلب المشار إليه، حقيقة أن ترامب لا يستطيع تغطية التناقض الصارخ الذي ظهر عبر زيارته للمنطقة، بين التريليونات التي أعلنت دول الخليج استثمارها في أميركا، وبين عجز كل العرب عن إدخال رغيف خبز إلى غزة التي يتضوّر سكانها جوعاً، ويُقتلون بقنابل الطائرات وهم جوعى.

 

على أيّ حال، الأفق في غزة يكاد يصبح مقفلاً أمام نتنياهو؛ فإضافة إلى الأزمات التي سبّبتها وحشيته في القطاع في علاقاته الخارجية، سيراكم فشله في استعادة الأسرى المشاكل الداخلية في وجهه أيضاً، وأي محاولة من قِبله للمساومة عليهم مع حركة «حماس» ستفجّر حكومته. كما أن التصعيد اليمني ضده في ظل التخلّي الأميركي عنه هناك، يزيد مشكلة كبيرة إلى مشاكله يُتوقّع أن تتفاقم خلال الأسابيع المقبلة، لا سيما أن صنعاء باتت تضرب إسرائيل بلا رادع ولا خوف من أي إجراء.

 

ومن هنا، تبدو الأزمة التي يعيشها نتنياهو حالياً أعمق مما سبق، والعزلة التي ظهر عليها أثناء جولة ترامب الخليجية، حقيقية وليست مصطنعة؛ إذ نقلت صحيفة «واشنطن بوست» أن الأخير وصل إلى حدّ تخيير الأول بين وقف الهجوم على غزة وبين خسارة الدعم الأميركي لإسرائيل. وذلك يعني ألّا سبيل إلى إطلاق الأسرى إلا بالتفاوض مع حركة «حماس» وإنهاء الحرب، وأن الحركة لن تكون مهزومة، وبالتالي فلا إمكانية لتطبيع جماعي مع العدو. كما يعتقد الأميركيون، بحسب ما ذكرت الصحيفة نفسها، أن نتنياهو يمكنه وقف الحرب والحصول على تأييد أغلبية كبيرة في الحكومة و«الكنيست»، إلا أنه هو من يفتقر إلى الإرادة السّياسية للقيام بذلك، ويختار البقاء في دائرة الخضوع لضغط المتطرفين.

 

ثمّة خلاف آخر ربما كان وراء «كسر الجرّة» بين الرجلين برز حين اشتكى ترامب من محاولات نتنياهو للتلاعب بإدارته، ويدور حول المفاوضات النووية مع إيران، تجلّى بإعراب نتنياهو عن مخاوفه بعد تصريح الرئيس الأميركي عن أنه لم يقرّر بعد بشأن السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم على المستوى المدني في ظلّ اتفاق محتمل، وهو الأمر الذي يرفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل قاطع.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رئيس الوزراء القطري: مفاوضات غزة فشلت والفجوة جوهرية بين الطرفين وسلوك إسرائيل العدواني يقوّض فرص السلام

اعتبر رئيس الوزراء القطري الثلاثاء أن تصعيد إسرائيل لعملياتها في غزة هو سلوك “عدواني” يؤدي الى تقويض جهود السلام في القطاع، بعد إفراج حركة حماس ...