لُجين سليمان
في منتدى جمع الجانب الصيني مع العربي في “شنغهاي” يوم 26 من الشهر الحالي أُقيمت الدورة الرابعة للمنتدى الصيني العربي للإصلاح والتنمية، إذ ضمّ الملتقى عددا من الباحثين من كلا الجانبين، وقد كان لمبادرتي “الحزام والطريق” و “مبادرة التنمية العالمية” النصيب الأكبر من النقاشات الدائرة في المؤتمر.
وعلى ما يبدو فإنّ المبادلات التجارية الصينية العربية والتي تتزايد عاما بعد عام لن تكون أكثر من نقطة ارتكاز للخروج إلى تعاون أوسع، إذ أجمع الجانبان على الحاجة المشتركة فكلّ طرف يحتاج الآخر لا سيما وأنّ العالم اليوم يعيش حالة مضطربة على مختلف الأصعدة ابتداء بالسياسية التي تتكرّس بانبثاق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وانتهاء بالتغيّر المناخي الذي باتت آثاره تهدد الجميع، ولذلك قد يكون العمل على إقامة تعاون شامل في مختلف المجالات بين الجانبين في إطار المباردتين سابقتي الذكر فرصة للجميع للذهاب نحو حال أفضل، هذا بالإضافة إلى مبادرات أخرى كانت قد أعلنت عنها الصين مرار مثل مبادرات: الأمن العالمي والحضارة العالمية.
الوزير المبعوث الخاص الصيني إلى الشرق الأوسط “تشاي جون” أكدّ أنّ “التعاون بين الجانبين الصيني والعربي يتقدّم بشكل كبير في مجال الحزام والطريق”. مشيرا إلى رمزية إقامة هذا المنتدى في “شنغهاي” التي تعدّ الجبهة الأمامية للإصلاح والانفتاح في الصين”. ولفت إلى المجالات التي تمّ التعاون خلالها بين الصين والدول العربية مثل: إنشاء 8 مراكز لنقل التكنولوجيا في الإمارات، والتعاون في المجال الرقمي من أجل إقامة تبادل تكنولوجي عالي الجودة. موضحا أنّ “العالم البشري اليوم يواجه خيارين: الأول هو الانقسام والانعزال والثاني هو التعاون، ولذلك لا بد من الابتعاد عن الطريق القديم المتمثّل بالصراع، والذهاب باتجاه الالتزام بالأمن المشترك” مؤكدا على ضرورة “العمل على بناء الحزام والطريق ليكون طريقا للانفتاح والتسامح”.
رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق”عادل عبد المهدي” لفت إلى أنه قد أُسيء استخدام مفردة “المجتمع الدولي” فباتت العلاقات الدولية تطبّق هذا المصطلح وفقا لمصالح الدول الكبرى المتقدّمة. مشيرا إلى أنه “مع زعامة أمريكا للعالم الغربي بدأ يوجد نوع من التصفيق للرجل الأبيض الذي يطارد العبيد السود الهاربين من جحيمه”. وقد أبدى “المهدي” تفاؤلا بالعلاقات مع الجانب الصيني، خاصة وأنّ هذه الشراكة تتعزز يوما بعد يوم، وذلك لعدة أسباب منها: “أولا: يهدف المجتمع العربي الصيني المشترك إلى إقامة علاقات تختلف في جوهرها عن علاقات المستعمِر لمستعمَر، فهي علاقات مدروسة وقائمة على تدعيم التنمية والأمن الغذائي والصحة والحوار. ثانيا: لم تضع الصين نفسها كدولة قوية تساعد الدول الضعيفة، بل أصرّت على أنها دولة نامية تنتمي لمعسكر الجنوب والشرق ولا تدعي أنها أعلى مكانة من أي دولة. ثالثا: على خلاف التجربة الاستعمارية فإنّ الصين لم تستخدم مبدأ فرّق تسد، بل تسعى إلى توحيد الصفوف، وتشهد على ذلك علاقات السعودية وإيران، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إذ تطرح الصين المبدأ الذي ينادي بأن تأخذ كلا من دول الجنوب والشرق حقوقهم بشكل متكافئ، فالشمال الغربي سيبقى قويا والحوار الحضاري سيستمر”.
أما “جيان فونغ” رئيس مجلس الإدارة لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، لفت إلى رمزية منطقة انعقاد المؤتمر التي تسمى بـ “سونغ جيانغ” والتي تحتوي على طريق سريع يسمى G60 وهو طريق يبدأ من شنغهاي وينتهي في “كومينغ” مارّا بتسع مدن رئيسية، وهو بذلك رمز للوصول والتواصل إذ ساهم في استكشاف التنمية المبتكرة والتمسك بالمبادئ عالية الجودة، وقد أصبح مبادرة تنفيذية لاستراتيجية وطنية لتكامل نهر اليانغستي من أجل تحقيق التكامل بين المدن والصناعات، وهو ما ترغب الصين في تحقيقه على مستوى العالم أيضا.
“جواد العناني” نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الخارجية الأسبق للأردن، ذكر المثل الصيني الذي يقول “أفضل وقت لغرس شجرة قبل عامين، وثاني أحسن وقت هو الآن”، معتبرا أنّ العرب يعملون مع الصين على إقامة علاقات راسخة، لافتا إلى أنّ الجغرافية العربية هي “حلقة وصل لا حلقة فصل، خاصة وأنّ العرب هم أكثر من ساهم في نقل الإنجازات العلمية من الشرق إلى الغرب”.
المبعوث الصيني الخاص الأسبق لشؤون الشرق الأوسط والسفير السابق لدى السعودية ومصر “وو سيكه”، أشار إلى أنّ:
“الصين قد حقّقت إنجازات كبيرة في استكشاف طريق التحديث ، وهذا العام يصادق الذكرى العاشرة لبناء الحزام والطريق، والصين دائما تلتزم بوضع مصالح الشعب فوق كل الاعتبارات، فالتحديث هو اتجاه حتمي لتقدّم البشرية، ولكن الطرق الواصلة إليه متعدد ومتنوعة، ولذلك يجب أن تتبع الظروف الوطنية للدول”
مؤكدا على فكرة مفادها أنّ “التحديث لا يعني التخريب، ولا يوجد نموذج ثابت لعملية التحديث، بل إنّ النموذج الذي يتناسب مع كل دولة هو في الغالب النموذج الأفضل، وقد أثبتت الصين انه لا يوجد تفوق لحضارة على أخرى، فالعالم يمرّ بمفترق طرق الآن، وأمام الصين والدول العربية مهام كبيرة متمثّلة بالنهضة الوطنية لكل جانب”.
“لي تشن ون” السفير السابق لشؤون منتدى التعاون الصيني العربي بوزارة الخارجية الصينيية والسفير الأسبق لدى السعودية والسودان، قال إنّ: “مبادرة الحزام والطريق قد حقّقت نتائج مثمرة ويرجع نجاحها إلى الابتكار، فقد خلقت هذه المبادرة نمطا جديدا في التنمية السلمية، وجمعت كل الدول التي ترغب في السلام والتنمية، سعيا وراء حماية السلام، ولذلك يمكن للدول كافة العمل على إيجاد طرق تنموية خاصة بها من خلال التعاون مع الدول الاخرى”. لافتا إلى أنه: “يجب التعاون على إيلاء اهتمام خاص من أجل فتح المزيد من البرامج بغية التعاون الشعبي، وكذلك إيلاء مزيد من الاهتمام في العمل الإعلامي الصيني العربي”.
السفير السابق لدى الاردن وتركيا “يو هونغيانع” أوضح أنه قد: “حان الوقت للعمل خاصة في ظل وجود خارطة الطريق لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك للبشربة، فقبل عشرة سنوات كانت البشرية أمام تغييرات غير مسبوقة، وحاليا تمرّ منطقة الشرق الاوسط بتغيرات تاريخية، ولكن ومع ذلك فإنه يجب العمل على إقامة التكاتف والتعاون لا سيما وأنّ الصين والدول العربية لم تزل تُصنّف على أنها دول نامية، وهو ما يُمهّد الطريق أمام التوجه نحو إجراءات مشتركة.”
عضو مجلس ادارة المركز الصيني العربي للإصلاح والتنمية “شو ويليه” أشار إلى القاعدة التي تقول بأنّ “البنى التحتية الاقتصادية تحدّد البنى الفوقية، وقد تنعكس البنى الفوقية على القاعدة الاقتصادية بشكل إيجابي أو سلبي” لافتا إلى أنّ “مبادرة التنمية العالمية تضمن وجود نوع من التكامل ما بين البنى الفوقية والتحتية، خاصة أنه لا يمكن الحديث عن الإصلاح والتنمية بدون وجود استقرار”
وحول آفاق التعاون الصيني العربي لفت الدكتور “وانغ غوانغدا” أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، إلى أنّ: “التعاون الصيني العربي سيكون نموذجا مثاليا للتعاون بين الدول، لا سيما وأنه يُبنى على حاجة كلّ دولة للأخرى” لافتا إلى أنّ: “مبادرة الحزام والطريق الصينية تشكّل نقطة البداية للانطلاق نحو عالم أفضل، لا سيما وأنها مبادرة تهدف بجزء كبير منها إلى إقامةٍ بنى تحتية في مختلف المناطق التي تمرّ من خلالها وتحديدا الدول العربية، وهو ما تحتاجه تلك الدول، هذا بالإضافة إلى انّ هذه المبادرة ستحقق الربط والتواصل بين مختلف الدول، وهو ما سينتج عنه تبادلات أكبر سواء كانت تبادلات تجارية أم ثقافية”
غالبا ما يستلزم إتمام التعاون الصيني العربي فهما لكيفية تحقيق عملية تنمية شاملة، ولذلك فإنّ جميع ما سبق من أفكار، قد يكون بمثابة نقطة انطلاق للتوجه نحو الإيمان بضرورة وجود حالة تنموية في أي دولة ترغب بالنهوض وتحقيق الفائدة لشعبها من خلال التعاون مع دولة كالصين، اختبرت الفقر وتخلّصت منه محقّقة عملية نهضة شاملة لم تزل مستمرّة إلى اليوم.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم