د. علي جابر الطائي
يتخطى الكثير من الكتاب المسرحيين في نصوصهم المسرحية حدود المتوقع، فيعلن البعض عن مرحلة جديدة في الكتابة تعتمد أعلى درجات التشفير، والاختزال، وقد يبرر الكاتب ذلك بخوفه من الرقيب، سواء كان الرقيب موظفاً يتبع الحكومة أو كان رقيباً بلسان حال مجتمعه، وللوصول إلى المتلقي أصبح الاعتماد على المخرج مؤكداً لفك الشفرات وتبسيط الدلالات، ويكون ذلك بربط الكلمات بعناصر خارج النص كعناصر العرض، والجو العام الذي يُؤسس مع الجمهور، ويكون العرض جزء منه، وللعودة إلى مكنونات النص وجعل ما يحمله من دلالات ناقلة للمعنى، فقد اجتهد (حميد عقبي) في نصه (ليلة ممطرة) للكتابة بالكيفية التعبيرية، اذ نجدها واضحة منذ بدأ النص إلى نهايته، أنه يتناغم مع كتابات كبار المسرحين التعبيرين في أضفاء الوصف الصوري على النص، وقد تصل في أحيان من هذا النص المسرحي إلى غلبت وصف فعل الشخصيات على الحوار، وليس ذلك غريباً على هذا المؤلف فهو كاتب روائي، وسيناريست، وشاعر نشر في هذه المجالات الإبداعية مجموعة من الأعمال التي لاقت أستحسان المتلقي.
فيما يتعلق بموضوع النص فأنه يدور في فحواه حول المعاناة من ويلات الحروب والسياسة المتخبطة للحكومات، وقد وصف الكاتب حالة التخبط حين ذكر مذيعات ومقدمات نشرات أخبار الطقس، وهذه المقاربة بين حالة السياسية المتقلبة وحالة الطقس المتقلب لها بالغ الدلالة على الفوضى التي يعيشها العالم في زمن كتابة هذا النص، ثم تتحرك الأحداث في تنامي يتضح معه أننا نرى الأحداث بعين الجمهور الغائب عن قاعة العرض، فلا جمهور يصل إلى هذا المكان الذي جرت فيه الأحداث وكان أبطالها كل شخصيات المسرحية، وفي جعل البطولة جماعية شاهد آخر على تعبيرية النص فكل الشخصيات تتكلم عن ذواتها، ولها كامل الحرية في البوح أمام المتلقي.
أختار الكاتب لنصه المسرحي مكاناً يعرف الجميع تفاصيله، ومكوناته، وما يجري فيه وهو خشبة المسرح، اذ دارت الأحداث في أحد المسارح حينما كان الممثلون يستعدون لليلة العرض امام الجمهور، وتلك الليلة هي زمن العرض، وذاتها زمن النص ووقوع أحداثه، وفي هذا التوحيد للمكان والزمان تأكيد على وضوح الدلالات وتعبيرها عن موقف الشخصيات والتركيز على الحاضر، أي التركيز على زمن النص وما يجري في هذا المكان دون النظر للأسباب السابقة قبل تلك الليلة، فلربما سنختلف أن عرفنا سبب الحروب ومن أشعلها، لكننا نتفق حتماً على أن الضحايا دائماً من الشعب المغلوب على أمره.
يتكون نص ليلية ممطرة من خمس أجزاء أشار الكاتب في مقدمة كل جزء منها إلى ساعة من زمن الأحداث، وهي تبدأ بصوت رعد قوي وتنتهي بعتمة، وفي هذا التوظيف للصوت والضوء داخل النص أهمية تعبيرية يراد منها للمتلقي أن يتذوق الفن بحواسه، ولا يكتفي بالتأمل لمعاني الكلمات، فكل واحد منا سمع الرعد وعاش لحظات العتمة، وبذلك سنشعر بما يجري على شخصيات المسرحية، وهم يسمعون ويعشون هذه الظروف المعقدة، ولأن الكاتب منح شخصيات نصه سمات تعبيرية فهي تتكلم عن معاناتها مع كل تلك الظروف، ولا تستثني في كلامها وتوجيه نقدها حتى كاتب النص نفسه، وهذا جزء مما قالته في هذا السياق:
( لماذا لم ينتهِ العرض ونحن في حالة رقصٍ وصلاةٍ؟ ربما يخشى الكاتبُ أن يقالَ إنه قتلَ شخصياته وهم يرقصون ويتضرعون.. في هذا العالم تُزهَقُ الكثيرُ من الأنفسِ وهي تصلي، وهي صائمة، الحروبُ لا تفرقُ بين المصلي والراقص، بين ذلك الذي يشربُ الخمرَ أو الماءَ…).
وفي جوانب هذا النص المسرحي سيجد المتلقي حالات كثيرة مما يعرفها في حياته اليومية، قد وضعها الكاتب ليعيد خيال المتلقي إلى واقع الحياة، فكم ممن يحلم بعالم مثالي يتغنى بحقوق الإنسان والديمقراطية، لكن في الواقع تدور رحى الحروب لتطحن الحب والسعادة وتحيلها رماداً تعصف به الرياح، ويتصاعد كالزفرات مع أرواح القتلى الذين لم تسعفهم الليلة الممطرة لحميد عقبي ليصرحوا بمشاعرهم أو حتى يتعرفوا على جماجمهم المعتقة في برميل صدئ.
نص ليلة ممطرة، صدر في كتاب بالعاصمة المغربية، عن دار أطياف الثقافية، بدعم من الناشر والشاعر اليمني د. أحمد الفلاحي .
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم