آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » التعليم الرقمي بين الواقع والوهم.. هل يُطور «الفضاء الأزرق» مهاراتنا حقاً؟

التعليم الرقمي بين الواقع والوهم.. هل يُطور «الفضاء الأزرق» مهاراتنا حقاً؟

تتزاحم عبر شاشاتنا الصغيرة أعداد لا تُحصى من الصفحات والمنصات التي تعرض برامج تعليمية وتثقيفية بشتى أشكالها، لتتدفق عبر شبكات التواصل الاجتماعي كتيارٍ معرفيٍ لا ينقطع، بدءاً من تعلم اللغات مروراً ببرامج تعليمية ومهنية إلى فنون تطوير المهارات الذاتية، بحيث أصبحت هذه المنصات وجهةً لا غنى عنها للكثيرين من الباحثين عن نور المعرفة.

ولكن، في خضم هذا الفيض الرقمي، يبرز سؤال جوهري يتردد صداه في أذهاننا: ما الأثر الحقيقي لهذه البرامج على مسيرتنا نحو التطور؟ وهل هي حقاً بوصلة تُوجهنا نحو صقل مهاراتنا الذاتية، أم إنها مجرد سراب رقمي يتبدد مع أول لمسة؟ وكيف تبدو هذه الظاهرة اليوم مقارنةً بما كانت عليه قبل أن يفتح لنا “الفضاء الأزرق” أبوابه الواسعة؟

ثورة رقمية.. أم بريق زائف؟

أم رافي تُبين من خلال تجربتها الشخصية أنها تتابع مع طفلها ذي العشر سنوات المنصات والصفحات التي تعلم اللغة الإنكليزية بطريقة شيقة وسهلة، وقد وجدت أن اللغة عند طفلها قد تحسنت بشكل ملحوظ.

المراد: فقد يكون بعضها سطحياً أو غير دقيق أو يفتقر إلى المنهجية العلمية السليمة

وهنا نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي تقدم لنا عبر تطبيقاتها المتنوعة وعوداً براقة بتطوير مهاراتنا، فنجد برامج تُبهرنا بـ “تمارين تفاعلية وألعاب مسلية” لتعلم اللغات، مع محتوى شاملٍ يشمل القواعد والمفردات والمحادثات اليومية، والتحدث بثقة وطلاقة. هذه البرامج، التي أصبحت في متناول يد الجميع، تثير تساؤلاتٍ حول مدى فعاليتها الحقيقية في بناء مهاراتٍ مستدامة.

بين الفرص والتحديات

ترى الخبيرة التربوية سليمة المراد من خلال حديث مع صحيفتنا «الحرية» أن انتشار البرامج التعليمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمثل «سيفاً ذا حدين»، فمن ناحية، تقدم هذه المنصات فرصاً استثنائية هائلة للتعلم الذاتي، وتتيح الوصول إلى مصادر معرفية متنوعة بتكلفةٍ أقل، ما يشجع على التعلم التفاعلي والممتع، لتصبح المعرفة في متناول الجميع، وهذا بحد ذاته ثورة حقيقية.

المراد: لا بد من التنويع في المصادر وعدم الاعتماد على مصدرٍ واحدٍ فقط

ولكن من ناحية أخرى، تحذر المراد من بعض التحديات مثل جودة المحتوى، إذ إنه ليس كل البرامج التعليمية على وسائل التواصل الاجتماعي ذات جودةٍ عالية، فقد يكون بعضها سطحياً أو غير دقيق أو يفتقر إلى المنهجية العلمية السليمة، وقد تؤدي إلى فقدان التركيز، لا سيما أن شبكات التواصل تعتمد على التحديثات المستمرة والمحتوى القصير، ما يتسبب في تشتيت انتباه المتعلم ويضعف قدرته على التركيز العميق.

إضافةً إلى غياب التفاعل المباشر وعلى الرغم من وجود التفاعلية في بعض البرامج، إلا أنها لا تعوض التفاعل المباشر مع المعلم أو الزملاء، والذي يعد عنصراً هاماً في عملية التعلم. كما أن البعض قد يصبح معتمداً بشكلٍ مفرط على هذه البرامج، ما يُضعف لديهم القدرة على البحث الذاتي والتعلم من مصادرٍ متنوعة.

ماذا عن الماضي؟

وبينت المراد أنه قبل انتشار «الفضاء الأزرق»، كان التعلم يعتمد بشكلٍ أكبر على المصادر التقليدية من كتب ومحاضرات ودورات تدريبية مباشرة، وكان هذا النوع من التعلم يتطلب جهداً أكبر في الوصول إلى المعلومة، ولكنه غالباً ما كان يقدم منهجيةً أكثر تنظيماً وعمقاً، مضيفةً أن التفاعل المباشر مع المعلم والزملاء كان يُعزز الفهم ويُشجع على النقاش وتبادل الخبرات.

تعظيم الفائدة

وعن كيفية الاستفادة من التعليم الرقمي بذكاء؟ أشارت المراد إلى أنه لتحقيق أقصى استفادة من البرامج التعليمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمصداقية، وقبل الانخراط في أي برنامج، يجب أولاً التحقق من مصداقية المصدر، وخبرة مقدم المحتوى، وتقييمات المستخدمين الآخرين. مضيفةً أنه لا بد من التنويع في المصادر وعدم الاعتماد على مصدرٍ واحدٍ فقط، ناهيك بإمكانية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمكملٍ للمصادر التقليدية وليس كبديلٍ كامل، ووضع أهدافٍ واضحةٍ تحدد ما نريد تعلمه، ووضع خطة زمنية لتحقيق الأهداف والالتزام بها.

عبودي: تُعد أداةً مساعدةً قيّمةً للطالب في رحلته لصقل مهاراته، وهي نافذةٌ فريدةٌ يطل منها الخبير على العالم

ولفتت المراد إلى أن الخطوة الأهم هي التطبيق العملي، وعدم الاكتفاء بالمشاهدة والاستماع فقط، وتطبيق ما نتعلمه من خلال التمارين والممارسة الفعلية. أيضاً لا بد من المشاركة في النقاشات الهادفة، وطرح الأسئلة، والتفاعل مع المحتوى بشكلٍ بناء. إضافةً إلى ضرورة إدارة الوقت، بتخصيص وقت محدد للتعلم عبر الإنترنت، وتجنب التشتت مع الحفاظ على التركيز.

عبودي: المنصات التعليمية الرقمية تُقدم فرصاً هائلةً لتوسيع الآفاق وتنمية الذات

في السياق ذاته، يقدم مروان عبودي، الخبير الاجتماعي، رؤيته الثاقبة مؤكداً أن هذه البرامج التعليمية الرقمية تُعد بالفعل أداةً مساعدةً قيّمةً للطالب في رحلته لصقل مهاراته، ويرى أنها بمثابة نافذةٍ فريدةٍ يطل منها الخبير على العالم، ليبثّ معرفته ومهاراته للمتابعين عبر هذه المنصات الرقمية، ومع ذلك، يحذر عبودي من الانجراف وراء البريق السطحي، مشيراً إلى أن الفائدة الحقيقية تكمن في الاستخدام الواعي والمنهجي لهذه الأدوات، والقدرة على التمييز بين المحتوى الهادف والمحتوى الذي يقدم مجرد وهم رقمي، فالتفاعل النشط، والتطبيق العملي، والبحث عن مصادر موثوقة، هي مفاتيح تحويل هذه البرامج من مجرد مشاهدةٍ سلبيةٍ إلى تجربةٍ تعليميةٍ مثمرة تساهم في بناء قدرات حقيقية.

كبسة زر

كما أوضح عبودي أن «الفضاء الأزرق» غيّر بشكلٍ جذريٍ مفهوم التعلم وتطوير الذات، موضحاً أنه في الماضي، كان الوصول إلى المعرفة والخبراء يتطلب جهداً أكبر، وحضوراً جسدياً، وموارد قد لا تكون متاحةً للجميع، أما اليوم، فقد أصبحت المعرفة في متناول اليد «بكبسة زر»، وأن هذا الانفتاح الرقمي يُتيح فرصاً لا تحصى للأفراد، وخاصةً الشباب، لاكتشاف اهتماماتهم، وتنمية مهاراتهم، والتواصل مع خبراء من مختلف أنحاء العالم.

وهنا حذر عبودي من أن هذه المنصات التعليمية الرقمية تُقدم فرصاً هائلةً لتوسيع الآفاق وتنمية الذات، لكنها في الوقت ذاته تتطلب من المتعلم أن يكون أكثر استباقيةً ومسؤوليةً، فبدلاً من الاكتفاء بالمشاهدة السلبية، يجب على الأفراد أن يسعوا للتفاعل مع المحتوى بطرح الأسئلة وتطبيق ما يتعلمونه عملياً.

نحو تعلم رقمي واع

وختم عبودي: إن البرامج التعليمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أداةٌ قويةٌ يمكن أن تُثري حياتنا المعرفية، ولكن يتطلب الأمر منا استخدامها بوعي وذكاء، مع إدراكٍ لفوائدها وتحدياتها، والاستفادة من خبرات الخبراء لتعظيم أثرها الإيجابي على تطوير مهاراتنا الذاتية.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

من 60 إلى 600 علامة رياضيات تعيد الأمل.. قصة تفوق طالب ثانوي في طرطوس

بعد تقديم اعتراض، وبفضل تصحيح دقيق في دائرة امتحانات طرطوس، انضم الطالب علي أسامة حيدر من ثانوية السودا إلى قائمة المتفوقين الذين حصدوا العلامات التامة. ...