الرئيسية » كتاب وآراء » التغريبة السورية ….. (4)….

التغريبة السورية ….. (4)….

 

باسل علي الخطيب

طرحنا في نهاية الجزء السابق السؤال التالي: ما الذي تريده الولايات المتحدة حقاً من سوريا ؟….

يطلق ذاك الموروث – موروثنا – على المعارك التي شارك فيها السيد الرسول عليه و آله الصلاة و السلام مسمى الغزوات، و هذا تجنٍ كبير على السيد الرسول، فكلمة غزوة و مشتقاتها تحمل معاني مذمومة، و هي قد ذكرت في القرآن الكريم مرة واحدة في سورة آل عمران و جاءت في موضع الذم، يكتمل هذا التجني عندما تسمى المعركة التي لا يشارك فيها الرسول بالسرية، و حتى تكتمل سيريالية المشهد و فوضويته، تسمى الحروب التي هاجم فيها المسلمين البلدان الآخرى بالفتوحات…
على كل الاحوال، لست في موضع نقاش هذه المسميات، و قد ناقشتها في مقالات سابقة، و يكفي ما نوهت إليه أعلاه للدلالة على القصد….

حديثي سيكون عن معركة بدر، قد تكون هذه المعركة هي أكبر المعارك الفاصلة في التاريخ العربي و الاسلامي، و هي وبغض النظر عن وجهة نظر البعض جزء من تاريخ سورية، لأنها حددت حقبة طويلة من هذا التاريخ….

يصور ذاك الموروث الرسول و أصحابه قطاع طرق حاولوا اعتراض أحد قوافل أبو سفيان التجارية بحجة استرداد ما تركه المسلمون من أموال و أملاك في مكة عند الهجرة، هذا تجن آخر على الدعوة المحمدية، الرسول و أصحابه ليسوا قطاع طرق، معركة بدر كانت ستحدث آجلاً أم عاجلاً، بغض النظر عن السبب المباشر لحدوثها، قريش كانت تترصد المسلمين، و تعد العدة للقضاء على دولتهم الناشئة….

أريد أن أشير إلى نقطة مهمة، أنه قبيل معركة بدر كان المسلمون في المدينة مهاجرين و أنصار في ضنك من العيش، بسبب الحصار الذي فرضته عليهم قريش وبقية القبائل على المدينة، وبسبب تآمر القبائل اليهودية داخل المدينة مع قريش، ومساهمتهم في هذا الحصار…

هل يذكركم هذا بشيء؟….

يقال أن المسلمين عندما كانوا يبنون المسجد النبوي و لفقر حالهم، كانوا يربطون الحجارة على بطونهم من شدة الجوع، و مع هذا يضعون اللبنة فوق اللبنة، لأنهم كانوا يعرفون أنهم يبنون المستقبل…

ذاك الجيش – جيش المسلمين – الذي واجه قريش في بدر، كان تعدادهم مئة و نيف، أغلبهم ضعاف البنية، متعبون، لا يكاد أحدهم يجد كفاف يومه…. ومع هذا تمكنوا من إلحاق هزيمة نكراء بجيش قريش الذي يفوقه عديداً بثلاثة أضعاف، و يفوقه عدة بعشرة أضعاف…
قلبت هذه المعركة الموازين من كل النواحي حتى من الناحية الاقتصادية، حيث ساعدت الغنائم التي غنمها المسلمون في تحسين وضعهم الاقتصادي، كما أدت إلى فك الحصار الاقتصادي المفروض على المدينة….
هذه المعركة من حيث المعايير العسكرية و اللوجستية معركة صغيرة جداً، و لا تكاد تستحق تسمية حرب، و لكنها كانت حاسمة لدرجة أنها رسمت تاريخ أجزاء كبيرة من العالم لقرون عديدة متتالية حتى تاريخه….

أعود إلى السؤال أعلاه، ماذا تريد أمريكا حقاً من سوريا؟….

أمريكا تريد نظاماً سياسياً في سوريا، نظام حكم في سوريا يقوم على أساس المحاصصة، يرتكز إلى دستور محاصصة، يشبه نظام الحكم الحالي في العراق الذي هو نسخة طبق الأصل عن نظام الحكم في لبنان، نظام محاصصة سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يقوم على أساس مذهبي طائفي….

نظام المحاصصة هذا يعني بكل بساطة دولة لا مركزية، دولة ضعيفة، أو بالأحرى العودة إلى ما قبل الدولة، حيث تسود المرجعيات الطائفية و المذهبية و العشائرية القبلية و الاثنية لتحديد السياسات، توزيع المناصب، توزيع الثروات، توزيع مراكز القوى حيث لكل منها زعيمه و مرجعيته….
تأملوا حال لبنان والعراق، هكذا سيكون حالنا، دول هشة أبداً، هذا نظام يسمح للكل بالتدخل، سيصير تعيين وزير ما – على سبيل المثال – يخضع لكل أشكال الحسابات والتوازنات والتدخلات، ستجد مختلف الدول طريقها إلى البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدولة وليس هذا فحسب بل البنية السياسية، وتديرها وفق مصالحها……..

هذا هو نظام الحكم الذي تريده امريكا لسوريا، و هذا ما تطلبه أمريكا من القيادة السورية، و القيادة السورية ترفضه بشدة….

لماذا ذكرت معركة بدر في هذا السياق؟….
ذاك الحل الذي يحاول الامريكان فرضه على سورية، لم يكن ليقبل به السوريون قولاً واحداً في الاحوال العادية، وكانوا سيقاومونه خلف دولتهم بكل ما اوتوا من قوة وروح وثقافة….
الآن تضعنا امريكا أمام خيارين، إما القبول بهذا الحل، أو الموت جوعاـ والفناء شعباً وجغرافية…
نعم، قبول الحل أعلاه سيترافق بسلة من المساعدات الاقتصادية الكبيرة، وانفتاح سياسي واقتصادي وثقافي واعلامي، وسينعكس ذلك انفراجات على كل الأصعدة، ولكن….
لكن – وهذه تبقى قناعتي ووجهة نظري – ذاك الحل المطروح أسوأ بكثير من الوضع الحالي على المدى المتوسط والبعيد، هذا الحل المطروح اسميه ( مشاكل الألف عام ) وقد يصير ( حرب الألف عام )……

على كل الاحوال، يبدو أنه بعد أن أسقط في يد الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني و تركيا و بقية العربان، أنهم لم يقدروا بالضغط الاقتصادي الرهيب تحقيق هذا الهدف، بدأوا بقرع طبول الحرب و على أكثر من جبهة….
يبدو أن رائحة البارود تعبق في كل المنطقة، وقد نكون أمام معركة لا تقل مفصلية و أهمية عن معركة بدر، لذلك أسميتها معركة بدر الثانية، ندخلها كما دخلها المسلمون الأوائل، متعبون، منهكون، جائعون، و ليس لنا منها أي مفر، و ذاك العدو بكل وحشيته أمامنا، و تلك البحار بكل لجاتها خلفنا….

يقال أن الأغنياء هم أكثر من يتغنى بالوطن، و لكنهم أول من يهرب عند لحظة الحقيقة، و هكذا هم مترفونا، و مثل كل مرة ستكون هذه الحرب على عاتقنا، هل تعرفون السبب؟ لأننا نحن البؤساء الفقراء، معذبو هذه الأرض، الوحيدون الذين نملك كرامة في هذا الوطن، حتى و لو طحنتنا الطوابير و البطاقة الذكية، حتى لو طحننا الفقر و الجوع، و تلك الكرامة الباقية فينا، تشبه ذاك الخير الباقي في تلك البطون، ألم يقل أمير المؤمنين ” خذوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير باق فيها، و لا تاخذوه من بطون جاعت ثم شبعت، لأن الشح باق فيها” ….

أنا هنا أتحدث أبعد من الأمعاء الخاوية، أبعد من التقنين، أبعد من الراتب، أبعد من الطوابير، أبعد من كل هذا الفقر وضنك العيش، واعرف ان أغلبية مترفينا يستغلون هذا الوضع، يستغلون كلا النارين اللتين تحيطان بنا…
نعم، لن يعجب كلامي الكثيرون، ولكني لم ولن اكتب كي اوافق الاهواء، أنا عن نفسي لن أبادل عكاز ابي بعكال خليجي أو طربوش تركي أو قبعة الكاوبوي، حتى ولو أتى كل هذا على طبق من فضة….

نحن عمود سورية، و سوريا عمود السماء و ويل لهذه الأرض إن وقع هذا العمود….

وللحديث بقية…..
(سيرياهوم نيوز ٤-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رئيسي وصورة الوداع الأخير

  رأي حسين إبراهيم شمس الدين   منذ بضعة أيام، كنت أستقلّ سيارة أجرة في إيران، يقودها جريح فقد قدمه في الحرب – بحسب الظاهر ...