نارام سرجون
لاشك أن أصعب شيء في التاريخ هو الدخول في التاريخ .. ولاشك أن أسهل شيء في التاريخ هو الخروج منه .. وهذا هو ديدن الوجود الانساني .. فالبشر يتصارعون من أجل البقاء في التاريخ .. أمم تدفع أمما لاخراجها من التاريخ وشطبها من ذاكرته .. فيما أمم تقاتل كي لاتخرج من التاريخ ..
الأمم تدخل التاريخ عنوة بالحرب .. وغير ذلك دخول باهت في التاريخ بلا قيمة ولا أثر .. العرب أمة دخلت التاريخ بفكر الاسلام الجهادي .. ولولا فكرة الاسلام والجهاد لبقوا في رمالهم يتداولون المعلقات ويتقاتلون ومناذرة وغساسنة .. ويندثرون تحت سنابك الغزاة .. سنابك تتداولهم.. وسنابك تتقاذفهم ..
واليوم يبدأ العرب رحلة الخروج من التاريخ بأقدامهم .. ومن يخرج من التاريخ لن يعود اليه .. فهذه البوابات العظيمة التي تشبه بوابات الكون تفتح واسعة لمن يغادرها ولاتفتح لمن يريد العودة من الندم والغياب ..
وحده يحي السنوار وقادة حزب الله هم من أوقف العرب من رحلة الخروج من التاريخ .. لكن البعض يريد تسويق عملية السنوار وقرار حزب الله بأنه انتحار وقرار خاطئ ..
وماذا لو لم يأت السنوار؟ .. ولم يكن حزب الله الان ؟؟ كيف سيكون شكل العرب والشرق؟؟
هناك أقلام وحناجر تستميت لتصوير مايفعله حزب الله انتحارا واختيارا خاطئا للمعركة والحرب وأنه على نفسها جنت براقش .. وانه حسابات خاطئة ورطت الشعوب في المنطقة في لبنان وفلسطين .. وان صورة جندي اسرائيلي على سياج لبنان يعني هزيمة حزب الله .. هذه الاقلام وهذه الحناجر مدفوعة الاجر ومحمية بقوة من قبل المخابرات الاعلامية الغربية والعربية بحجة حرية التعبير والرأي الآخر .. فالاعلام الغربي والعربي هو اعلام مخابرات .. سيمتشق السيف لتدمير كل من ينتقد هذه الحناجر او يسائلها .. حتى قضائيا .. وهو نفسه الاعلام الغربي الذي فتك بمسيرة جوليان اسانج في حرية التعبير والتوثيق .. وهو نفسه الذي صمت عن قتل كل صحفي وكل متحدث اعلامي وكل قلم ينتقد الغرب وينتقد الخيانات العربية ويدعو الى المقاومة .. اما بقتله كليا في غارات مباشرة او بتسليط داعش والاخوان المسلمين والقوى الظلامية لتصفيته .. كما فعلت المخابرات الاردنية مع الكاتب ناهض حتر .. وكما تمت تصفية كثير من المتنورين والكتاب والاعلاميين المقاومين بحجة ان التيار الظلامي قتلهم فيما الحقيقة ان من قتلهم هو انهم على قائمة تصفيات غربية لقتل كل الاراء الثورية والحرة والمتنورة للسماح لموجة الجهل بالعبور دون سدود .. انها عملية استئصال للعقل والتفكير .. هي عملية استئصال للأصوات الحرة واستبدالها بأصوات عميلة مرتزقة .. تبث أخبارا كاذبة .. وتنشر آراء مشوهة وتدمر المناعة العقلية لدى الانسان .. وتدمر المنطق والبدهية .. والحس الفطري السليم ..
فهناك من ينشر آراءه الشامتة ضد حزب الله ويلومه لأنه قاتل في سورية ولأنه يقاتل في فلسطين رغم ان من حق كل أمة وجماعة ان تدافع عن أمنها وجوارها الحيوي .. فالاميريكي والبريطاني والفرنسي يشن حربا على اي بقعة في العالم بحجة ان أمنه الوطني في ما وراء المحيطات مهدد .. أما حزب الله فلايجب ان يقاتل في سورية رغم ان داعش والقاعدة حطت رحالها في عرسال على عتبة بيت حزب الله وعلى بعد أمتار منه .. وأعلنت جهارا نهارا ان مشروعها دولة اسلامية تستأصل الروافض والكفار وستقدم رأس حزب الله ومحوره هدية للاميركييين .. وكان على حزب الله ان يقول لهم تفضلوا لجنوب لبنان والضاحية التي وصلت اليها طلائع الانتحاريين من القاعدة وداعش .. وكذلك كان على حزب الله ان ينتظر وصول الاسرائيليين اليه لا أن يبادر لايقافهم قبل ان يفكروا باجتياحه وهم الذين أقدموا على محاولتين سابقتين للاستيلاء على جنوب لبنان وفشلتا عام 2000 ثم عام 2006 .. وهاهي محاولتهم الثالثة .. ولايزال الاسرائيليون يدرّسون ابناءهم ان التوراة تعطيهم لبنان كملك لاسرائيل لانقاش فيه وان هذا الوعد يقترب .. ومع هذا يريد بعض المرتزقة العرب واللبنانيين ان يقولوا للبنانيين ان حزب الله اعتدى على اسرائيل .. وانه ورط نفسه وورط اللبنانيين ..
الافكار الحمقاء هي التي تقتل المجتمعات .. والافكار الحمقاء هي التي يجب ان تموت مع من يحملها .. فكل همّ العدو في أي مكان ان يوصل خصمه الى فكرة الاستسلام .. والغاية من سفك الدم البريء عبر المدني الضعيف في الحروب هي ان (الخوف يصنع العبيد وأن الخوف يخلع قلب المحارب) .. وتصبح العبودية تصبح نوعا من الاقدار التي لاترد ..
ونحن منذ ان عرفنا هذا الصراع مع الغرب في مطلع القرن العشرين كنا ضحايا افكارنا وآذاننا التي عرف الغرب انها نقطة ضعفنا ..
فالعربي شاعر وحساس ويقدر أثر الكلمة وهو مخترع للكلمة والحرف .. وأذنه كبيرة لأنه يفكر بأذنيه لابعقله .. أذنيه اللتين تعملان مثل القمعين الكبيرين ليسكب فيهما الكلام الكثير .. أما الغربي فهو فم كبير ولسان طويل .. يحدثك مثل الحكواتي عن الأوهام وعن الحرية والانسان والديمقراطية وعن حكايات المجتمع الدولي والتحضر وأساطير الاخلاق والقانون الدولي وجرائم الحرب التي صممها على مقاسه لتمنع عنه هو جرائم الحرب ولاتطبق عليه .. رغم انه لص ومجرم وقد سجلت باسمه كل جرائم العصر الحديث التي لم يعد أحد قادرا على احصائها .. وانتهت الاعداد ولم ينته احصاء المجازر .. وهنا كانت كارثتنا .. في آذاننا الكبيرة .. وفمهم الواسع ولسانهم الطويل ..
هذه هي مشكلتنا التي جعلتنا نصدق ان بريطانيا اسمه جون غلوب قاد الجيوش العربية عام 1948 ليمنع تسليم فلسطين للعصابات الصهيوينة رغم ان بريطانيا هي التي قدمت وعد بلفور وجاءت باليهود .. وآذاننا البريئة الساذجة هي التي جعلتنا نصدق ان بريطانيا انسحبت من الخليج العربي عندما تركت لنا عائلات خليجية صنعتها من فسيفساء الجهل والقراصنة وربطتها بالسلاسل الى قصر باكينغهام .. وجعلتنا نصدق ان لبنان يمكن أن يكون مستقلا وفيه مندوبون لكل اوروبة ومدراء طوائف تدير الطوائف على طريقة الشركات والحصص .. وهي التي جعلتنا نقول ان عبد الناصر كان ديكتاتورا .. وان السادات بطل رغم ان البطل صنعه كيسنجر مثلما يصنع صانع الالعاب دمية سمراء .. وأن حمد بن جاسم قائد التحرر العربي وغيفارا الشرق .. وأن اردوغان الناتو يريد ان يحرر فلسطين بعد ان يحرر سورية !!..
هذا العربي كانت آذناه مفتوحتين لاعلام النفط واعلام الشرق والغرب حتى انقلب على نفسه وجعل يقتل نفسه ويطعن نفسه بالسكين ويحاول اجراء جراحة بتر لأعضائه في الربيع العربي .. كان منظر العربي مثيرا للشفقة في الربيع العربي وهو يطعن نفسه أمام العالم ويتدفق دمه من جراحه وفمه فيما هو فخور بما فعل ويرفع شارة النصر وفمه يتدفق دما وأصابعه التي رفعها بشارة النصر تنزف .. فخور انه دمر بيته ودمر حقوله ومصانعه .. فخور انه ملأ الشواطئ بأبنائه اللاجئين .. وصنع جيلا كبيرا من الأميين .. ورغم انه كان يترنح الا ان أذنيه كانتا تصيخان السمع بتلذذ للفم الغربي ومديحه الذي كان يثني عليه أنه ضحى من أجل سحر الديمقراطية والحرية وصندوق الاقتراع .. فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق !! ..
أين أخطأ السنوار وحزب الله؟؟
اليوم ترتفع آذان العربي لتردد ماقيل عن خطأ السنوار وخطأ حزب الله .. وكأن أدبيات اسرائيل كانت تريد ترك غزة ولبنان خارج حدود من الفرات الى النيل ..
السنوار لم يخطئ بل أن عينه رأت المستقبل .. ومايحدث في غزة لم يكن بسبب السنوار ولا حماس بل كان بسبب العربي نفسه الذي لم يهب الى نجدة السنوار الذي فتح له بوابات التاريخ بكتفيه وبعصاه .. حيث يجلس العرب اليوم على الأرائك بتكاسل ويقولون ان السنوار قد أخطأ وجلب الكارثة على شعبه .. فيلتفت اليه عربي بليد كسول آخر ويقول وهذا ماأخطأ فيه حزب الله أيضا .. أما كيف تجرأ الاسرائيلي على شعب السنوار وعلى لبنان وعلى سورية وعلى اليمن .. فهو في رأي العربي لأن زعماء محور المقاومة ورطوه في الشعارات الفارغة .. والحقيقة هي ان السنوار ظن ان العربي عربي .. وأن المسلم مسلم .. ولم يدر ان العربي خرج من التاريخ ولم يبق في الشرق الا السنوار وحماس وحزب الله وبعض المقاومين ..
نعم .. السنوار أخطأ انه ظن ان العرب لايزالون معه في قلب التاريخ .. فيما ان العرب صاروا عراة ومعارض ازياء ومحنطات .. وراقصي ديسكو ولاعبي ورق وطبالين في الاعراس ومصابين بالشبق الجنسي وتقدر خلفية جينفر لوبيز ان تهز مآذنهم طربا وشبقا ولاتهتز مآذنهم من قصف أطفال غزة .. ملايين المآذن في العالم العربي والاسلامي اهتزت غضبا وتعرقت قباب مساجدهم حنقا من راية (ياحسين) وهو حفيد نبيهم .. ولكن المآذن نفسها تشرب اليوم الفياغرا لتنتصب لترى خلفية جينفر لوبيز تهتز بجانب الكعبة ..
لقد أنقذ السنوار وحزب الله الانسان العربي في آخر لحظة كان يموت فيها ويخرج من التاريخ .. فالكعبة أنقذها السنوار .. والصلوات أنقذها السنوار .. وطريق الحج أنقذه السنوار .. وآل البيت نصرهم نصرالله .. حتى في كربلاء كان نصرالله معهم .. لأنه لو لم يقف نصر الله مع أهل غزة فلا معنى لكل رحلة الحسين ودمائه لنصرة المستضعفين ورفض الذل والطغيان ولامعنى لكل المذهب الشيعي الذي كان سيتحول الى نسخة عن المذهب السني حيث المآذن السنية تراقص جينفر لوبيز .. فماكان يحدث قبل السنوار وحزب الله هو خروج عربي سريع من التاريخ .. أفواجا .. فقد خرج المصريون والخلايجة والليبيون والمغاربة من التاريخ وصاروا جميعا تحفا يعلقها الاوربيون في أعناقهم مثلما يعلق الصيادون أسنان الدببة والنمور في أعناقهم .. فما ظهر من بلادة شعبية ونخبوية ودينية ووطنية مصرية وخليجية لم يعرفها اي شعب ولم تعرفها قبيلة افريقية ضائعة في الادغال .. حتى أهل الكهف كانوا سيستيقظون من كهفهم مع كلبهم .. من شدة القصف على باب الكهف .. ولكن الكهوف العربية فاقت في موتها كل الكهوف ..
السنوار ثبّت شعبه في التاريخ .. بينما خرجت أمة عربية كاملة من التاريخ ومابقي منها ماهو الا حثالة .. تافهة مائعة رخوة تعيش عقدة النقص ورضى بالعبودية ..
العربي البليد الذي يجلس على أرائكه اليوم يقول ان غزة خرجت من التاريخ وتم محوها بخطأ قادتها .. ولكن أيها العربي الغبي .. التاريخ لاتخرج منه الامم بالحرب بل تدخله بالحرب .. والاسرائيليون يريدون ان يثبتوا أقدامهم في قلب التاريخ بالحرب .. ولذلك هم يحاربون .. وأنت من سيخرج على ظهر بغلة السلام والامم المتحدة والشرعية الدولية وسلام الشجعان .. المحارب هو الذي يبقى .. والبليد هم من يخرج ..
شعب غزة ثبت التاريخ العربي كله بالمسامير .. كل شهيد هو مسمار في بوابة التاريخ التي فتحت لأهل غزة ولشعب فلسطين .. اللبنانيون في الشمال فتحوا بوابة أخرى للتاريخ يتدفقون منها .. فيما جحافل العرب تخرج من بوابات التاريخ كما تخرج الماشية والجواميس والابقار من بوابات الحظائر وتضيع في البراري ..
أيها العرب خذوا مآذنكم وارحلوا .. واجمعوا قبابكم واجمعوا صلواتكم وارحلوا .. خذوا صيامكم وخذوا عباءاتكم وانصرفوا .. خذوا القرآن معكم في تغريبتكم فلا حاجة لنا به بعد اليوم .. خذوا معكم خلفاءكم الراشدين .. وخذوا معاوية وخيول بني أمية وارحلوا .. خذوا معكم في حقائبكم بني العباس وهارون الرشيد وانصرفوا .. خذوا أشعاركم وفخركم وعنترة وانصرفوا .. وخذوا كعبتكم على متن فرقاطة امريكية الى متاحف تكساس .. او اهدوا كعبتكم لفروع ماكدونالد تبيع فيها البطاطا المقلية .. وارحلوا ..
انا في الحقيقة لاأعرف لماذا يقرأ العربي القرآن اليوم ولايرى فيه شعارات فارغة تحضه على القتال والاعداد للحرب والجهاد؟؟ .. هذا أمر لاشك لن يسأل عنه الولي الفقيه بل سيسأل فيه العربي الموسوعة البريطانية وموسوعة الاخوان المسلمين وموسوعة الاسلام الخليجي التي ستقدم له حلا لهذه المعضلة كي يبقى في بيته على الارائك ينتظر ان تنتهي اسرائيل من مشروعها في تدمير محور ايران .. لأن الله رمى الظالمين بالظالمين .. وهاهم اعداؤه الشيعة واليهود يتقاتلون .. وكفى الله المؤمنين شر القتال ..
مآذننا هي التي كانت مسامير التاريخ .. واليوم مآذننا صارت ترقص على وقع هزات خلفية جينيفر لوبيز ؟؟ كلها تريد ان تدخل فيها ولكنها لاتريد دخول القدس .. فيما أجساد الشهداء في غزة ولبنان تتحول الى مآذن شاهقة .. والمآذن الشاهقة هي التي تتحول الى مسامير التاريخ وتثبته .. مئة الف مئذنة ارتفعت في غزة وجنوب لبنان .. اوقفت التاريخ كله على رجل ونصف .. تتحداه وتتحدى الناتو .. وتتحدى الزمن .. وتتحدى حثالات العرب .. وتبشر بزمن السوبرمان العربي ..
لم يبق لي أمل الا بأولئك الشباب الجبابرة في جنوب لبنان .. المعركة اليوم تظهر ان فلسفة جنوب لبنان هي من سيحكم الشرق لأن من يريد ان يحكم الشرق هو من يدفع ثمن هذا القرار الجريء .. وبعد الحرب ستعرف اسرائيل انها لن تقدر على حماية من استعان بها وانتظرها .. ومن استظل بظلها .. فهي تعرف انها لم تقدر ان تسيطر على قرية في جنوب لبنان لأن عماد مغنية تبين انه لم يمت .. وان السيد حسن نصرالله يسير بين البيوت الجنوبية بعباءته .. ويسلم على المقاتلين .. ويقبل رؤوسهم واحدا واحدا .. وسيكون كل من استظل بظل اسرائيل قد صار تحت حكم حزب الله الذي سيصير سيد المنطقة بسبب حماقة من راهن على سقوط المحاربين ..
وماسمعناه عن الانسان المتفوق (السوبرمان ) الذي كان فريدريك نيتشه يبشر به ظهر في جنوب لبنان … شباب لايمكن وصفهم الا بأنهم خارقون متفوقون ونموذج السوبرمان الذي تنتظره الامم .. تخيلوا ان كل حلف الناتو يقاتل الان ضد جنوب لبنان .. كل أوروبة واميريكا وكل العملاء العرب .. وهؤلاء الشباب اللبنانيون أبناء القرى البسطاء (السوبرمانات) كأنهم زوار من كوكب أخر .. منعوا حلف الناتو كله بكل تقنياته العسكرية من دخول قرية لبنانية والبقاء فيها آمنا .. شيء خارق .. أشبه بالمعجزات .. لايمكن ان تكون طاقة بشرية هذه التي تقاتل تحت هذا الكم من القنابل والغارات والتنصت والتجسس والاقمار الصناعية والخيانات والعملاء .. ولكن من يريد المعالي فلا بد من دفع الثمن .. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم ..
(اخبار سورية الوطن 1-مدونة نارام سرجون)