اسماعيل مروة
كثير من الطلاب يحلو لهم السهر والدراسة في موعد الامتحانات، فقد يحالفهم الحظ، وقد يصل واحدهم إلى ما فوق أمنيته، وهذا الأمر ليس سيئاً، لكنه في الوقت نفسه ليس مثمراً، فقد يساعد بالحصول على درجات، ويحقق له أمنيات ولكنه لا يصنع إنساناً فاهماً وجديراً ومؤسساً تأسيساً صحيحاً، وهذا يدخل في إطار صنع الإنسان وتأهيله، والعملية التربوية التي يخضع لها في مسيرته، فإما أن تكون تراكمية مجدية، وإما مؤقتة فصلية، مجدية في الوصول وغير مجدية في بناء عقل الإنسان..! الدراسة الحقيقية تكون لحظية، بمناسبة وبغير مناسبة، بتكليف لمناهج وبرغبة اطلاع في قراءة صحافة متخصصة وغير متخصصة، بقراءة أشياء جادة وأخرى غير جادة لا تعني قارئها مباشرة، وذلك على طول الوقت، وفيما بينها تمر القضايا المطلوبة للتجاوز، ويخلص لها صاحبها في أوانها، وهذا حتماً سيتجاوز الأمور المطلوبة، ولكن قد لا يصل إلى مستوى الآخرين اللحظيين، ولكن بعد مدة يظهر الفرق البعيد بين النمطين ويكون صاحب الاطلاع الدائم هو الذي يشكل خميرة فكرية وعلمية ولو لم يكن صاحب درجات تامة.
بالأمس كنت أتحاور مع شخص ناجح جداً في مهنته، واسمه من ذهب، وببساطته قال: عندما كنا طلاباً حصلنا على معدلاتنا بشقّ الأنفس، وتابع: أنا أعجب من حصول الطالب على الدرجة التامة، بل أعجب من أن الطلاب يرون ذلك حقاً لهم، وأضاف: أنا واثق من أن أي أستاذ في أي مادة وخاصة اللغة العربية، لو تقدم إلى امتحان الثانوية فلن يحصل على الدرجة الأولى التامة بأعشار الدرجة.
ليس لدي جواب لهذا الصديق الذي قال لي: منذ أيام كان عندنا امتحان، وأنا في هذا العمر، وفي هذه الرتبة دخلت خائفاً، وعندما خرجت من الامتحان اكتشفت أن رهبة جعلتني أخطئ في مواقع كثيرة، فوافقته بأن أي شخص يمكن أن يحصل على مرتبة أولى، ولكن ليس شرطاً أن تكون الأولى هي التامة.
ضحك صديقي الخبير وقال: والله لو كان جبريل عليه السلام هو الذي يتقدم معهم في الامتحان، فلن يحصلوا على الدرجة التامة، فهناك مصحح قد لا يروقه ما قاله جبريل! ومن واقع التدريس ما بعد الثانوية أجد أن ما قاله الصديق في غاية الدقة، فكيف لطالب حصل على الدرجة التامة أن يخطئ بين الماضي والمضارع؟ وكيف يمكن أن يكون نجاحه فيما بعد بشقّ الأنفس؟
عبد السلام العجيلي ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، وبديع حقي وغيرهم كثير لم يكونوا من أصحاب الدرجات التامة، لكنهم كانوا من المتفوقين، أصحاب الدرجات التامة ذهبوا أدراج الرياح وبقوا هم بتفوقهم، أديسون طرد من المدرسة لعدم استجابته وأصحاب الدرجات التامة ذهبوا ولم يسمع بهم أحد، أما أحفادهم فها هم يعيشون النور والضوء بفضل أديسون المتفوق في ذاته، والذي جلس يراكم خبراته وطاقاته.
الأوائل غادروا أوطانهم، درسوا في أهم الأكاديميات، أكثرهم لم يعد إلى أرض بلاده التي أعطته الدرجات الأولى والمتفوقون هم الذين يحملون عبء العمل والجد.
جلّ الذين برعوا في الحياة العلمية والعملية هم أولئك الذين وهبوا أوقاتهم كلها للعلم، ومارسوا التحصيل العلمي على مدار العام والوقت، ونهلوا من كل ميدان، فبرعوا، وإلا بماذا نفسر تفوق الطبيب البارع عبد السلام العجيلي في الأدب واللغة؟ ولو تابعنا فسنجد أن هؤلاء لا يخطئون باللغة العربية، ومن أنيط بهم أمر اللغة يجهلونها، ويكابرون ويدّعون؟
فلنسل الأجيال عن الفهم لا عن الدرجة التامة، فالفهم هو الذي يقدم لنا ما نريد، ويفتح آفاق الوعي، أما التمام فنتركه للحاسوب وإن شئت بتعبير صديقي لجبريل عليه السلام.
سيرياهوم نيوز1-الوطن