آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » التقاط قضايا المجتمع وتظهيرها

التقاط قضايا المجتمع وتظهيرها

إسماعيل مروة

 

 

استطاع الأدب السوري في مرحلة أولى أن يلتقط القضايا المجتمعية، وأن يصور الأمراض الاجتماعية، بغض النظر عن الانتماء المجتمعي الطبقي أو الانتماء الديني والطائفي، فالمرض هو هو في كل جانب من جوانب المجتمع، والرأي الصحيح كذلك في أي مكان أو فئة مهما كان انتماؤها، فرأينا الانتماء والخذلان والخيانة في مجتمع واحد، سواء كان فلاحياً أو مدينياً أو مختلطاً، وقرأنا الافتداء بالذات والمال وما يملك الإنسان في مجتمع بسيط، فكوليت خوري الكاتبة الكبيرة صوّرت في «أيام معه» صنوف المجتمع، وميزت بين الرؤية الأنثوية والذكورية، وبينت أن الانتماء الثقافي والأكاديمي لا يغير من واقع الانتماء العقلي، وهاني الراهب في أعماله وخاصة الأخيرة صوّر مجتمعاً مثقفاً، لكنه يعج بكل هذه التناقضات، ولم يستقدم مجتمعاً آخر ليقوم بإدانته، وعبد السلام العجيلي في «أرض السياد» لم ينسب الفساد الأخلاقي والقيمي والمادي للمجتمع المسحوق والفقير بحجة حاجته، بل كانت رؤيته واقعية حين تناول هذه القضايا بمجملها.. وبديع حقي في همسات العكازة المسكينة، وفي جفون تسحق الصور قدم النموذج المجتمعي الذي عايشه في أروقة المحاكم، فكان الاستيعاب والرحمة من صمود الجاهل الأعمى وكان الاستغلال من طبقات المجتمع الراقي، كما يصورها الكاتب، وحسيب كيالي، وإن نقل ما أراده بسخرية عالية، إلا أننا وقفنا أمام الباحث عن العلم، وإن كان بحاجة للقمة من طعام، وشرّح المجتمع والمفارقة بين المجتمعات الريفية والمدنية بقسوة ابتسامة ساخرة، حتى فارس زرزور الذي اعترض عليه من اعترض قدّم صوراً مهمة، واستطاع تشريح المجتمعات التي تنقل فيها وعمل بها خلال رحلته.. فالشرائح الاجتماعية، فقيرة وغنية، راقية ومن قاع المجتمع، سادة أو من العبيد بتعبير التقسيم تحتمل كل الإيجابيات والسلبيات التي تخطر ببال واحدنا، والمعادل الموضوعي في الأدب يفرز لنا الأمراض بشكل واضح، ويبين لنا الإيجابيات، لتبدأ رحلة التقويم أو التعزيز في القضايا التي تمّ عرضها.. حتى يوسف إدريس الكاتب الواخز في الفرافير ولحم رخيص، يعرض الواقع الاجتماعي بكل جوانبه، ربما يقرأ من بيده القرار، فيلجأ إلى معالجة أمر ما.. وهذا دور الأدب على الحقيقة، فليس من مهام الأدب أن يعالج الظواهر، وإنما من مهامه أن يعرض المجتمع كما هو، سواء كانت القضايا سلبية أم إيجابية، وأن يعرض للمجريات والتطورات، والأخطار الناجمة عن الأخطاء- كما يراها الكاتب- وعلى المتابع وصاحب القرار أن يضع الحلول لما تمّ عرضه، وفي مرحلة ما كان بعضهم يطالب الكتّاب بالحلول! وإلا فليصت هؤلاء الكتاب عن عرض القضايا، أو فضح المجتمع كما يرى المؤدلجون من أي نوع كان.. وكان بعضهم يقف ضد فضح الفساد من أي نوع كان بحجة أنه نشر للغسيل القذر! ومن أي كاتب كان الأمر مرفوضاً، والسبب الأساسي – عندما كانت القراءة شائعة- يتمثل في أن هذا عندما قرأ شعر بأن النقد موجه إليه تماماً، ويكاد المريب يقول خذوني! فالفاسد يؤلمه الحديث عن الفساد، واللص إذا سمع قصة جاهلية عن اللصوصية يظهر أنه المعني بها، والذي سردها أو كتبها لم يكن يقصد إلا إسقاطها عليه! ونذكر كيف تعامل الرقيب مع أعمال لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، لأنه يرى فيها إسقاطاً سياسياً أو فكرياً من نوع! وقد لا يكون ذلك في حسبان المؤلف، ولكن الإشارة هذه تحوّله إلى عمل طليعي!

 

الكاتب عين مجتمعه، والأدب مرآته، وما ملكه الكاتب من موهبة يؤهله للالتقاط والتصوير لمختلف شرائح المجتمع، وهذا ما يمكن أن يغير من رؤية المجتمع والناس تغييراً جذرياً، وهذا ما نقرؤه، وإن كان مبالغاً فيه في كتب الأدب والتاريخ من مواعظ توجهت للوزراء والحكام فكان فيها ما فيها من لفت الانتباه والعودة عن أمر ما قد يكون ضاراً، وتعزيز أمر ما قد يكون مفيداً.

 

إن من أولى مهام الأدب نقل المجتمع من خلال الكلمة والصورة، وبراعة الأديب وتفوقه يجعل هذه الظواهر محلّ اهتمام، وأعلى من الوصايا التي عهدناها، فبدل أن نتحدث عن الرجل واستبداده وأثره في أولاده، يكفي أن نقرأ السيد أحمد عبد الجواد لنجيب محفوظ الذي اختصر معلقات، وكان له أثره الكبير في المجتمع والأدب، ويكفي أن ننظر في الدراسات التي يصعب حصرها عن شخصية الرجل في هذا (السي سيد) وما تعاقب في الدراسات من علم نفس ومجتمع وبيئة، ولا يحتاج واحد لدليل على براعة نجيب محفوظ في عرض الشخصية بكل تقلباتها الإيجابية والسلبية.. إنه التقاط بارع للنموذج الذي يحتاج دراسة.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ضحك.. ولعب.. وحبّ.. وصفة دراما (لايت)..

لميس علي: على الرغم من الانتقادات التي طالت عمل (لعبة حبّ)، ولاسيما الصادرة عن الذين تابعوا النسخة الأصلية (حبّ للإيجار).. يحاول، أي العمل، الخوض في ...