آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » التقليد.. فوضى أم موضة

التقليد.. فوضى أم موضة

لطالما الأبناء يحبون تقليد الآباء، فالصغار عادة ما يحبون تقليد الكبار، والمجتمعات النامية أيضاً تقوم بتقليد المجتمعات المتحضرة والمتقدمة، فنحن كأفراد من هذا المجتمع نحب تقليد كل الأمور التي تحاكي خيالنا وتداعب مشاعرنا ونعتقد أنها جميلة وتعني لنا ما تعنيه.
وبالتالي فإن التقليد- إن لم يكن منضبطاً بضوابط البيئة الاجتماعية التي ننتمي إليها- لاشك يخلق فوضى، والذي يناسب الفرد في المجتمعات الغربية قد لا يناسب الفرد في مجتمعاتنا، وأي مسألة نريد أن نقلدها عن أي مجتمع آخر- إن لم تحاك أفكارنا وعاداتنا وإمكانياتنا لن تنجح، وأن المقلد هو الخاسر.
من هنا ماذا يترتب علينا من مسؤولية حيال أطفالنا ومجتمعنا كي لا يكون التقليد أعمى، ولا يوصلنا إلى نتائج عكسية تقوض المجتمع وتشغله بترهات لا تناسبنا ولا تناسب بيئتنا الاجتماعية التي تربينا وترعرعنا فيها.
دور الأسرة
نعتقد أن دور الأسرة هو الالتزام بالحرية الفردية وعدم الفرض وتهيئة الجو النفسي لانضباط الفرد في انتقاء ما يناسب ميوله من تلك الأفكار التي يريد تقليدها، وذلك بأساليب شتى غير إسداء النصائح والتعنيف بل جعل الأبوين قدوة للأبناء في التصرفات وحتى الميول الجيدة التي يحبون تنشئة الأطفال عليها.
فالطفل يرى والديه ويقلدهما، لذا فوجود عادة مثل القراءة لدى الأبوين حالة إيجابية بدل قضاء الوقت بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ومثيلاتها، ما يحفز الطفل على الاقتداء والتقليد لأنه كائن فطر على حب التقليد، ومن هنا نقطة البداية لكل التصرفات المحببة والعادات الجيدة التي نحب ونرغب بنقلها لأبنائنا.. وبالتالي كون الأسرة هي البنية الأولى في المجتمع، فيتحول المجتمع إلى مجتمع قارئ وهي الحجر الأساس لتأسيس مجتمع قوي متماسك، مثقف، يستطيع انتقاء خياراته بقوة وحكمة وثقة، فيما بعد ويحصن نفسه من الانجراف وراء ما هو دون ذلك.
وهذا يمنع الفرد من أن يعيش حالة طوارئ نفسية أمام نداءاته الداخلية، وجميع الإغراءات التي يتعرض لها، عندئذ يأخذ الفرد موقعه الصحيح ويكون انضباطه بمبادئ وعادات مجتمعه أمراً واقعياً وممكناً، وكل التأثيرات الخارجية تبقى على حالها بالنسبة إليه.
فالأسرة هي اللاعب الأساس في هذا الميدان، وهي التي تهيئ الجو النفسي الذي يعتبر الأهم في تحصين أفرادها، في مقاومة التأثيرات الجانبية والجاذبة أمام مغريات التقليد، وإيجاد كاتم شهية داخلية ضد التقليد الأعمى.
من هنا فإن ترك الفرد وشأنه في أن يقلد ما لا يناسب أفكارنا وبيئتنا الاجتماعية وعاداتنا يهدد قيمنا الاجتماعية لاعتبارات شتى، منها أن التقليد الأعمى يهيئ لتصدير الأفكار المبتذلة، وإضعاف بنية المجتمع، ثم انحرافة وتهشيمه، لهذا فالتقليد الأعمى لأفكار الغرب لا تعود مسألة فردية فحسب، وإنما مسألة اجتماعية أخلاقية بالتالي ما يحفظ الفرد من السقوط والانجرار وراء الأفكار البالية يحفظ المجتمع ككل أيضاً، وفي النهاية الأسرة أو المجتمع هو مجموعة أفراد، وسلامة الفرد هو سلامة المجتمع.
وفي هذا السياق فقد تكلم ابن خلدون عن التقليد في عدة فصول من المقدمة، وأسماه أحياناً بأسماء أخرى، مثل: المحاكاة، والتشبه، والاقتداء وغيره.
وتحدث عن تقليد الأخلاف للأسلاف، تقليد المغلوب للغالب.
وأفرد فصلاً خاصّاً لشرح تقليد المغلوب للغالب، فيقول في عنوان الفصل:
«إن المغلوب مولَع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده».
كما يذكر: «ترى المغلوب أبداً يتشبَّه بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه وفي سائر أحواله.»
وأمَّا أسباب هذا التقليد فيردها ابن خلدون إلى تأثير «نزعة نفسية» يعبِّر عنها بقوله: «إن النفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه.

 

 

سيرياهوم نيوز 2_الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...