من منا لا يتحدث يومياً عن التلوث في المرافق العامة التي تعد سبباً واسعاً للأمراض، بدءاً من تلوث المياه من مكبات القمامة، إلى تلوث الهواء من عوادم المعامل، وكذلك الطرقات من القمامة وغيرها.
لكن رغم الضرر الكبير الذي يخلفه التلوث البيئي وما يسببه من أضرار على الصحة العامة للأفراد والجماعات، يبقى هناك الأشد فتكاً، هو ذلك التلوث الفكري الذي يبدل المبادئ والأفكار والقيم والمعتقدات بصورة سلبية، فيؤثر في السلوك ومن ثم الإخلال بتماسك المجتمع وزيادة دوافع الظاهرة الإجرامية كما ونوعاً.
وللإشارة على هذا الموضوع التقت “الثورة” بمدربة الطاقة غالية المنجد، التي أوضحت أن هناك عوامل عدة للتلوث الفكري منها العوامل الدينية التي تدل على قصور في فهم النصوص ما يؤدي إلى حرف المفاهيم وتلوث الأفكار.
إضافة إلى العامل الاجتماعي الذي ينطلق من الأسرة، إذ تعمل الأسرة على غرس أسس الضبط الاجتماعي، وعندما تتم تربية الناشئين تربية روحية متكاملة تصفو أرواحهم، لذا فإن أي خلل في دور الأسرة يؤدي دون شك إلى تلوث أفكارها، ولا يمكن التغافل أيضاً عن الصحبة الفاسدة، فهناك تأثير متبادل بين الأصدقاء، فإذا كانت مجموعة أصدقاء تؤمن بأفكار منحرفة فإن انضمام الشخص إليها يترتب عليه تأثره بها وانحداره معها.
ولفتت المنجد إلى أن العوامل الثقافية من غزو ثقافي هو الأكثر خطراً اليوم وما نلاحظه من غزو فكري عالمي من مسلسلات وبرامج تعرض في أغلبها على المجتمع دون رقابة.
إضافة إلى عوامل عدة منها غياب وضعف برامج التثقيف، والانبهار بالحضارات التي تتزعم العالم اليوم، وكذلك عامل الاحتكاك بالجماعات والأشخاص المسيئين للحضارات الأخرى وعدم قيام المؤسسات التعليمية بمواكبة التطورات المتسارعة والتوعية بآليات التعامل الصحيح معها وسوء استخدام وسائل التواصل الحديثة وغيرها الكثير.
ومن جهة أخرى عندما نتحدث عن “التلوث الفكري” نجد أنه غالباً ما تكون هذه المشكلة عند الأشخاص الذين لا يملكون الثقة بأنفسهم ومعرفة قيمتها، لذا يحاولون ملء هذا الفراغ عن طريق محاولة إحباط وفشل الآخرين كي لا يشعرون بالنقص عند رؤية نجاح أو سعادة الآخرين، وبدلاً من التركيز وتوجيه طاقاتهم لأنفسهم يتم توجيهها للآخر ومحاولة التأثير عليه سلباً.
وأشارت المنجد إلى أن الوعي الجمعي في مجتمعنا أصبح أغلب تركيزه وتفكيره سلبياً، لأنه يوجه تركيزه وتفكيره فقط على ما هو سلبي، لأن تركيزه وتفكيره يهدر في الخارج بدلاً من استثمار طاقته وتركيزه على نفسه وكيفية تطويرها، والعمل من أجل تحقيق طموحه وأهدافه.. فلو أن كل إنسان منشغل في نفسه وفي حياته، لما كنا رأينا حجم السلبية التي تحيط بالأشخاص.
وبينت المنجد أن الوقت حان لنشر الوعي في المجتمع، وليبدأ كل إنسان بتغيير وتطوير نفسه بدلاً من فرض التغيير على الآخر، وانتقاد الآخر والحكم عليه.. لقد حان الوقت لنتقبل الآخر المختلف عنا، نتقبل الآخر الذي لا يفكر مثلنا، نتقبل الآخر ونبارك له وندعمه بأي إنجاز يفعله، لأن كل ما سبق سيعود ويرتد إلينا.
حان الوقت للتركيز على أنفسنا وعلى مهاراتنا وعلى نقاط قوتنا لنخدم بها مجتمعنا وننزع منه كمية السلبيات والتشاؤم الموجودة به، حان الوقت لنزرع المحبة والإيجابية في أطفالنا ليستطيعوا أن يبنوا المجتمع بالطريقة السليمة.
أخيراً.. لفتت المنجد إلى أنه يعتبر الفكر قوة وأساس وجوهر الوجود الإنساني الفاعل المبدع المنتج، ومثلما يتعرض جسم الإنسان إلى أنواع مختلفة من الملوثات الفيروسية والبكتيرية ويصاب بالعديد من الأمراض يمكن معالجتها بالتداوي والتطبيب.
كذلك الفكر الإنساني يتعرض للكثير من الملوثات البكتيرية الضارة التي تلوثه، والتلوث الفكري هو أخطر فتكاً، فمتى حصل تداويه تعطلت جميع أنواع الملوثات وهو ما نحتاجه ونفتقده في جميع المجتمعات، وهو بدوره ما يشكل دوراً هاماً في كل ما يحدث من حروب وتشوهات للأفكار اليوم.
سيرياهوم نيوز 2_الثورة