محمد راكان مصطفى
عادت أزمة الأدوية بقوة إلى الواجهة من جديد بعد رفع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أسعار المحروقات، ورفع مصرف المركزي سعر صرف الدولار أمام الليرة، متجلية بانقطاع عدد كبير من الأدوية، ليتحمل من لم يغلق من الصيدليات خطر تآكل رأس المال، أو بلجوء البعض إلى رفع سعر الدواء بشكل مبالغ به تحت حجة شرائه بسعر أعلى من السعر الرسمي أو بسبب تحميل مواد على بعض الأصناف.
الدكتور علاء صاحب صيدلية في إحدى المناطق الشعبية أكد لـ«الوطن» توقف كل مستودعات الأدوية عن تزويد الصيدليات بالأدوية، والمعامل التي لم تتوقف عن التوزيع عبر مندوبيها لجأت إلى تخفيض التوزيع إلى علبة من كل صنف ناهيك عن تحميل الصيدلي لأدوية أو مستحضرات تعقيم ومنتجات غير مطلوبة على أدوية الصادات الحيوية وأدوية الأمراض المزمنة، موضحاً لجوء من بقي يعمل من صيدليات إلى تقنين المبيع إلى حد كبير بحيث يتم البيع بالظرف في بعض الحالات بهدف تخديم أكبر عدد من المراجعين، إضافة لمحاولتهم حماية ما بقي من رأس مال الصيدلية من الاستنزاف حيث إن ما يتم بيعه حالياً سيتم شراؤه بسعر أعلى من سعر المبيع الحالي.
تكاليف مرتفعة
عضو في المجلس العلمي للصناعات الدوائية، فضل عدم ذكر اسمه، وصف الصناعة الدوائية في سورية بأسوأ أيامها، موضحاً أن تكاليف إنتاجها مرتفعة جداً ولا تتناسب مع التسعيرة المعمول بها حالياً.
وبين في حديثه لـ«الوطن» أن تمويل «المركزي» للمواد الأولية الداخلة في الصناعات الأدوية يشمل أقل من 10 بالمئة من مدخلات الإنتاج في أفضل الأحوال، لكون أغلب المستلزمات لا تقوم معامل الأدوية باستيرادها من كرتون وعبوات… إلخ وتضطر لشرائها من مستوردين للسوق المحلية وبأسعار مضاعفة عن أسعار دول المصدر بسبب صعوبات الاستيراد بفعل العقوبات والحصار المفروض على البلاد، وإجراءات التسجيل على المنصة للحصول على التمويل، ويمكن التأكيد على ذلك بالنظر إلى قيمة المستوردات الممولة من المركزي لمعامل الأدوية.
ولفت إلى انعكاس ارتفاع الكلف وسعر الصرف على جميع السلع والمواد عدا الأدوية، معتبراً أنه في ظل ارتفاع التكاليف ومدخلات الإنتاج بشكل كبير فإن زيادة الأسعار الموجودة حالياً في الأسواق بنسبة 100 بالمئة لن تفي بالاحتياج لاستمرار العمل.
وعما يشاع عن لجوء بعض المعامل إلى تخفيض التركيز على المنتجات الدوائية حتى تستطيع الاستمرار في الإنتاج أكد عدم ضبط أي حالة بهذا الصدد، مستبعداً هذا الأمر وواصفاً مثل عمل كهذا في حال وقع بالسرقة.
ولفت إلى تأثير عدم وجود أسواق تصدير مجدية بسبب صعوبات الشحن والحصار والعمولات والسماسرة، ما جعله صعباً، موضحاً أن التصدير يتم بكميات قليلة لا تغطي خسائر المعامل نتيجة انخفاض أسعار المنتج في السوق المحلية.
وعن الحلول المطروحة من البعض باستيراد الأدوية من الدول الصديقة بهدف التدخل في السوق المحلية رأى عضو المجلس أن أي منتج سيتم استيراده سيكون بأضعاف أسعار المنتجات المحلية عدا أنه لن يكون بالجودة نفسها للأدوية المصنعة محلية.
وبالنسبة لتوقف بعض المعامل عن العمل كشف عن وجود نحو 15 معملاً توقفت عن العمل وإن لم تعلن عن ذلك صراحة، واصفاً توقفها بالمستتر بذريعة إعطاء عطلة سنوية للعمال والموظفين، وكذلك الحال بالنسبة للمستودعات التي توقفت بحجة الجرد.
نقيب الصيادلة توضح
بدورها أكدت نقيب الصيادلة في سورية وفاء كيشي وجود نقص كبير في الأدوية في السوق المحلية، مشيرة إلى أن المستودعات تورد الأدوية للصيدليات بكميات قليلة جداً بسبب تقليل المعامل توريدها من الأدوية لها حتى إن هناك بعض الأدوية يتم بيعها بالظرف للصيدليات لتأمينها للمواطنين وخصوصاً ما يتعلق بالأدوية النوعية والتي تدخل في علاج الأمراض المزمنة، معتبرة أن الحل الوحيد حالياً هو إصدار تسعيرة جديدة للأدوية بما يتناسب مع سعر الصرف الرسمي الجديد.
وفي تصريح لـ«الوطن» أشارت كيشي إلى أنه تم رفع دراسة إلى وزارة الصحة حول موضوع الأدوية وأن الوزير وعد بدراسة الموضوع، معربة عن تفاؤلها بأن يكون هناك تجاوب في الفترة القادمة، ومشيرة إلى أن تأمين الدواء مسؤولية الوزارة والنقابة.
ولفتت إلى أن الدواء حالياً مسعر على سعر الصرف الرسمي القديم وبالتالي فإن تعديل سعر الدواء أصبح ضرورة ملحة لتأمين الدواء في الأسواق وعدم استنزاف الدواء الوطني، مضيفة: كما أن تكاليف إنتاج الأدوية أصبحت مرتفعة جداً سواء تأمين المواد الأولية الداخلة في إنتاج الدواء والتي ارتفع سعرها عالمياً أو التكاليف الأخرى مثل المحروقات وغيرها من التكاليف.
ورأت أنه في حال استمر تسعير الدواء على سعر الصرف الرسمي القديم فإن المعامل مهددة بالإغلاق ثم يتبعها المستودعات، معتبرة أن توافر الدواء الوطني حتى لو أصبح سعره أغلى من السعر الحالي يبقى أفضل بكثير وأوفر على المواطن من الدواء الأجنبي وكذلك المهرب كما أنه يبقى أرخص من الأدوية المتوافرة في الدول المجاورة.
مواطنون يشتكون
بدوره رئيس فرع نقابة الصيادلة في دمشق حسن ديروان بين أنه تم التواصل مع وزارة الصحة لتعديل تسعير الدواء بما يتوافق مع سعر الصرف الرسمي وفق النشرة الرسمية لمصرف سورية المركزي لتفادي أي أزمة من الممكن أن تحدث خلال الفترة القادمة وخصوصاً أن هناك نقصاً في الأدوية حالياً في الأسواق وكذلك لتفادي بيع الأدوية في السوق السوداء، لافتاً إلى أنه تم الاقتراح على الوزارة التسريع في إصدار التسعيرة الجديدة بما يتوافق مع تكلفة الإنتاج.
وفي تصريح لـ«الوطن» بين ديروان أنه مع ارتفاع سعر الصرف في النشرة الرسمية إلى 4522 قللت المعامل من توريدها الأدوية إلى المستودعات وأصبحت توزع عليها على شكل حصص وبالتالي فإن الأدوية التي توردها لا تغطي حاجة السوق، وذلك بسبب أن سعر تكلفة إنتاج الدواء أصبح أعلى من سعره المطروح في السوق.
وأشار إلى أن الصيادلة حالياً يعانون من صعوبة تأمين الأدوية، موضحاً أن الصيدلي يضطر للتواصل مع أكثر من مستودع لتأمين الزمرة الدوائية التي يحتاجها لصيدليته، ومؤكداً أنه ورد العديد من الشكاوى لمواطنين بأنهم يضطرون للبحث في عدد من الصيدليات لتأمين الدواء الذي يحتاجون إليه.
وبين ديروان أنه تم التعميم على المستودعات بالاستمرار في بيع الأدوية وعدم إغلاق مستودعاتهم، مشيراً إلى أن هناك متابعة مستمرة مع المستودعات والصيدليات حتى لا يكون هناك إغلاق لأي مستودع أو صيدلية.
وتوقع الأستاذ في كلية الصيدلة في جامعة دمشق لؤي العلان أن إصدار تسعيرة جديدة للأدوية من الممكن أن يحتاج إلى بعض الوقت وذلك لإصدار تسعيرة مرضية للمعامل وكذلك غير مكلفة للمواطنين على الرغم من أن هناك أحاديث عن إمكانية صدور التسعيرة خلال اليومين القادمين.
وفي تصريح لـ«الوطن» لفت العلان إلى أن المطالبات هي رفع أسعار الأدوية بالنسبة ذاتها لنسبة رفع سعر الصرف الرسمي الجديد وفق نشرة «المركزي»، لافتاً إلى أن من الحلول التي يمكن طرحها لحل مشكلة أسعار الأدوية هو التأمين الصحي بأن يكون التأمين لكل المواطنين وإلزام الشركات في القطاع الخاص بإلزام موظفيها كما هو الحال في القطاع العام.
تسعيرة جديدة
واقع حليب الأطفال ليس بأفضل حال حيث تفقد فقدانه بكل أنواعه من الصيدليات، لتتحول رحلة البحث عن علبة حليب إلى معاناة للأهل والصيدلي بذات الوقت، ناهيك عن خلق سوق سوداء بأسعار مبالغ فيها يتكبد نارها المضطر من الأهالي.
«الوطن» تابعت موضوع استيراد المادة للوقوف على أسباب عدم التوافر، حيث أوضح مصدر في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أن استيراد حليب الأطفال يتم عن طريق شركات خاصة ودور مؤسسة التجارة الخارجية إشرافي يقتصر على إرسال العينات قبل التصريح بدخول المستوردات من الموانئ إلى مخابر وزارتي الصحة والزراعة ومخابر الطاقة الذرية للتأكد من توافقها والمواصفات القياسية.
ونفى المصدر احتكار القلة للمادة منوهاً بوجود نحو 11 شركة مستوردة للمادة.
وبمتابعة «الوطن» للموضوع مع وزارة التجارة الداخلية كشفت مصادر خاصة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن عقد لجنة تسعير الدواء اجتماعاً اعتمدت فيه تسعيرة جديدة لحليب الأطفال، مع التأكيد على تبليغ التسعيرة بشكل فوري على نقاية الصيادلة ليصار تعميمها على المستودعات وبما يسهم في توفير المادة في الصيدليات.
وحدد قرار الوزارة تسعيرة حليب الأطفال الجديدة (ماركة نستله) لحليب أطفال نان (1-2) 400 غ/ للصيدلي 17050 ل. س/، /وللمستهلك 18800 ل. س/، وحليب كيكوز (1- 2) 400 غ/ 13909 للصيدلي/ و/15300 للمستهلك/.
ضخ كميات
أكدت نقيب الصيادلة أن هناك توريداً لكميات ولو بسيطة سيتم ضخها في الأسواق ومن المتوقع أن تشكل إنقاذاً مبدئياً في توافر الحليب للأطفال على أمل أن تكون هناك توريدات أخرى في الفترة القادمة، مشيرة إلى المعاناة في استيراد الأدوية بسبب العقوبات الاقتصادية الجائرة على سورية إضافة إلى صعوبات في التمويل وكمذلك بالتحويل وهذا ما أدى إلى انقطاع حليب الأطفال.
سيرياهوم نيوز1-الوطن