في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سقوط سلطة بشار الأسد، وصل وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، حيث أجرى لقاءً مع قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، حضره وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، العائد من جولة تسويق واسعة لحكومته في منتدى «دافوس» في سويسرا. وتتّسق زيارة ابن فرحان، التي تأتي بعد زيارتين أجراهما الشيباني إلى الرياض، ولم يتم الكشف عن معظم ما تمت مناقشته خلالهما، مع توجهات السعودية لاحتضان عمل عربي – إقليمي – دولي مشترك حول سوريا، في إطار الصراع غير المعلن في الوقت الحالي بين محورين رئيسيين: الأول تقوده تركيا ويضم قطر؛ والثاني تقوده السعودية، التي لعبت دوراً حاسماً خلال العامين الماضيين في تغيير وضع سوريا بالنسبة إلى محيطها العربي، بعد عزلة استمرت 10 سنوات. وفي مؤتمر صحافي عقب اللقاء، أشار ابن فرحان إلى أن زيارته الحالية تهدف بشكل أساسي إلى الاطلاع المباشر على احتياجات الشعب السوري، مطالباً برفع العقوبات المفروضة على سوريا، قائلاً إن «المملكة منخرطة في حوار فاعل مع كل الدول ذات العلاقة ونسمع رسائل إيجابية»، حول رفع العقوبات.
وإلى جانب محاولتها الانخراط بشكل أكبر في الملف السوري، تنصبّ مساعي السعودية بشكل رئيسيّ على ملفات متعلقة بالإرهاب وتهريب المخدرات، في ظل المخاوف المتزايدة لدى بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر، من تحوّل سوريا إلى بؤرة للإرهاب، جراء وجود مقاتلين غير سوريين ضمن مجموعات متشددة، بعضها مرتبط بتنظيم «القاعدة». من جهته، دعا الشيباني، الذي تغنّى خلال زيارته لـ«دافوس» بالنموذج الاقتصادي السعودي، إلى العمل لأن تكون سوريا «جزءاً من مشروع عربي شامل يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة». وأضاف أن «سوريا جزء من جامعة الدول العربية، وننتظر عقد أول اجتماع للجامعة للمشاركة فيه»، مطالباً، في الوقت نفسه، برفع العقوبات، وهو ما اعتبره «الخطوة الأساسية نحو تمكين الشعب السوري وتحسين أوضاعه».
في غضون ذلك، كثّفت تركيا من تحركاتها السياسية حول سوريا، التي باتت تملك فيها سطوة غير مسبوقة؛ إذ أجرى وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، سلسلة اتصالات شملت نظراءه في الولايات المتحدة وروسيا وإيران. وخلال اتصال فيدان بنظيره الأميركي، ماركو روبيو، والذي يتزامن مع مساعي أنقرة لتكثيف الضغوط على «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة أميركياً، دعا روبيو إلى عملية انتقالية شاملة في سوريا، في ما يمثل أول موقف للإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب مما يجري في هذا البلد. وشدد روبيو على «الحاجة إلى انتقال شامل في سوريا، مع ضرورة أن تضمن الحكومة الجديدة عدم تحول البلاد إلى مصدر للإرهاب الدولي».
أما حول اتصال فيدان بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، فذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن الجانبين أكدا خلاله «أهمية توحيد جهود جميع اللاعبين الخارجيين القادرين على المساهمة بشكل حقيقي في التوصل إلى حل شامل للوضع في سوريا، وضمان الحقوق المشروعة لجميع المواطنين السوريين». وأضاف البيان أن الوزيرين «تبادلا خلال محادثاتهما وجهات النظر حول تطورات الوضع في سوريا وما حولها»، وشددا على «ضرورة الاحترام غير المشروط لسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها وسلامة أراضيها». وفي اتصال ثالث، ناقش فيدان مع نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مستجدات الأوضاع في سوريا. وذكرت «وكالة الأنباء الإيرانية» (إرنا) أن عراقجي شدد على «ضرورة حماية حقوق الأقليات في سوريا في ظل الحكام الجدد للبلاد»، مؤكداً أن «دعم سيادة سوريا ووحدة أراضيها يظلّ سياسة إيران المبدئية». كما دعا إلى «تشكيل حكومة سورية شاملة تضم كل المجموعات السياسية والعرقية والدينية»، وإلى «إنهاء الصراعات المستمرة بين مختلف المجموعات في سوريا».
خرجت من محافظة اللاذقية بعض الجماعات غير السورية «التي ارتكب عناصرها انتهاكات»
وفي وقت أعلنت فيه ألمانيا عن مساعٍ حثيثة لرفع العقوبات عن سوريا بموجب رخصة مؤقتة، على غرار ما قامت به واشنطن، ربطت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، التي تزور تركيا، بين تخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا، والإجراءات التي تتخذها الحكومة المؤقتة في دمشق. وفي لقاء مع وكالة «الأناضول» التركية، قالت كالاس إن الاتحاد الأوروبي يرغب في تحقيق توافق بين الأطراف الدولية والإقليمية، بما يشمل الدول العربية وتركيا، متابعة «(أننا) نريد أن نرى حكومة شاملة في سوريا (…) لا نريد أي شكل من أشكال التطرف (…) استقرار سوريا يصب في مصلحة الجميع، ولذلك نحن متفائلون بحذر».
أما على الصعيد الداخلي، فلا تزال حمص وريفها الغربي بشكل خاص، تعاني من استمرار عمليات القتل والخطف على خلفية طائفية، خلال حملات تنفذها فصائل تابعة لإدارة العمليات العسكرية، التي تقودها «هيئة تحرير الشام»، الأمر الذي ينذر بانفجار الأوضاع، وسط تعتيم وصمت مطبق من الإدارة السورية الجديدة. وفي هذا السياق، أطلق ناشطون قاموا بإنشاء تجمع حمل اسم «مجموعة السلم الأهلي في حمص»، بياناً تضمّن توثيقاً لـ 13 انتهاكاً في قرى ريف حمص الغربية، بينها عملية إعدام ميداني لشابين في قرية خربة الحمام، واعتداءات لفظية وجسدية، وتعمداً لإهانة المواطنين، وعمليات سرقة للمصاغ الذهبي والمواشي في قرية مريمين.
وذكر البيان أن مناشدات وصلت إلى المجموعة من أهالي قرى عرقايا، والشنية، وحداثة، والهرقل، تفيد بوجود إصابات بين المدنيين نتيجة استهدافهم بأسلحة خفيفة ومتوسطة، مضيفاً أن هؤلاء لم يتلقّوا، حتى لحظة نشر البيان، أي إسعافات بالرغم من إبلاغ «الهلال الأحمر» ومنظمة «الدفاع المدني» (الخوذ البيضاء). وفيما دعا البيان إلى تحمل السلطات السورية الجديدة المسؤولية ووقف هذه الانتهاكات، وإلى السماح للإعلام بدخول تلك المناطق وتغطية ما يجري فيها، أعلن مسؤولون في الإدارة الجديدة أن محافظ حمص المكلف، عبد الرحمن الأعمى، التقى أهالي قرية مريمين ومحيطها بعد الأحداث التي شهدتها خلال الأيام الماضية، من دون الإدلاء بأي تفاصيل إضافية.
في سياق متصل، نفذ مئات المعلمين في محافظات سورية عديدة اعتصامات أمام مقارّ تابعة لوزارة التربية، للاعتراض على قرار صدر أخيراً، يعيد المعلمين إلى المحافظات التي توظفوا فيها، الأمر الذي اعتبره المعلمون بمثابة تهديد مباشر لاستقرارهم العائلي، في ظل الظروف الحالية، مطالبين بتأجيل اتخاذ مثل هذه القرارات إلى حين استقرار الأوضاع في سوريا.
وفي اللاذقية، تناقلت وسائل إعلام أنباء عن انسحاب لفصائل «هيئة تحرير الشام» من المحافظة بشكل كامل، الأمر الذي نفته مصادر ميدانية تحدثت إلى «الأخبار»، موضحة أن بعض الفصائل انسحبت بالفعل، في حين بقيت أخرى لمؤازرة جهاز الأمن الذي تقوم الحكومة المؤقتة بتشكيله. وفي وقت أثارت فيه هذه الأنباء ضجّة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تكهنات حول سبب انسحاب تلك الفصائل، وربط ذلك بزيارة وزير الخارجية السعودي، أشارت المصادر إلى أن بعض الجماعات غير السورية، والتي ارتكب عناصرها انتهاكات، هي التي خرجت من المحافظة، ومن بينها كتيبة أوزبكية كانت تتمركز في مقر «اللواء 107» في بلدة بزاما، وهو ما أكده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي ينشط من لندن. ورجّحت المصادر انسحاب فصائل أخرى خلال الأيام المقبلة في سياق عمليات هيكلة وزارة الدفاع، وتعهُّد الشرع، خلال وقت سابق، بسحب المقاتلين من المدن، وهو ما ستتضح حقيقته مستقبلاً.
أخبار سورية الوطن١ الاخبار