آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » التنوع الديموغرافي السوري.. كيف يعالج السوريون إرث التلاعب الذي خلّفه النظام؟

التنوع الديموغرافي السوري.. كيف يعالج السوريون إرث التلاعب الذي خلّفه النظام؟

عاصم الزعبي

 

تُعتبر سوريا من أقدم المناطق أو الدول المأهولة في التاريخ، وقد تعاقبت عليها الحضارات المختلفة منذ آلاف السنين، حيث عرفت الأرض السورية مملكتي ماري وإيبلا، ومملكة تدمر، وممالك ودولاً أخرى، حتى استقلت عن الانتداب الفرنسي عام 1946.

 

هذه الحضارات المتعاقبة جعلت من سوريا نموذجاً فريداً ومهماً للتنوّع السكاني من نواحٍ مختلفة: عرقية، ودينية، وثقافية، واجتماعية، شكّلت مع الزمن الدولة السورية التي تمتلك هوية متميزة ومختلفة عن العديد من الدول في المنطقة.

 

هذه الفسيفساء السورية لطالما شكّلت نقطة قوة بالنسبة لسوريا في العديد من المجالات، خاصة في المجال الاقتصادي وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية، لكنها تحوّلت إلى نقطة ضعف سياسية خلال فترة حكم نظام الأسد المخلوع الذي جعل من هذا التنوّع تنوّعاً شكلياً لا يمتلك أي قرار سياسي على مستوى الدولة السورية.

 

التنوّع قوة

 

لم يكن التنوّع يوماً مصدراً لضعف الدولة التي تبني نفسها وأنظمتها ودساتيرها على أن فكرة الوطن والمواطنة هي الأساس، دون النظر إلى العرق أو الدين أو الثقافة، كما في الدول الأوروبية. فبعد الحرب العالمية الثانية تحديداً، فتحت الدول الأوروبية أبوابها لمختلف القادمين إليها من جميع دول العالم بعد أن أيقنت أنها بحاجة إلى كل العقول والأفكار والأشخاص القادرين على البناء.

 

Copilot 20251224 190100 التنوع الديموغرافي السوري.. كيف يعالج السوريون إرث التلاعب الذي خلّفه النظام؟

المجتمع الأوروبي اليوم يحوي الكثير من الأصول؛ فهناك الآسيوي، والإفريقي، والأميركي، وهناك أديان مختلفة: المسيحية، والإسلام، واليهودية، والهندوسية، وغيرهم، لكن ما يجمع هؤلاء جميعاً هو الوطن وجنسية الدولة التي يحملونها، إذ لا أحد منهم يمكن أن يكون فوق القانون.

 

كما أن سيادة القانون والمواطنة التي فرضتها الدساتير في أوروبا جعلت القادمين من خارجها يتمتعون بمكانة كبيرة في العديد من الحالات، ووصل العديد منهم إلى أعلى المناصب السياسية، كما في بريطانيا وألمانيا والسويد وغيرها، إضافة إلى المكانة العلمية والثقافية التي توليها هذه الدول أهمية كبيرة بصرف النظر عن أصل الشخص ودينه ومعتقداته. وهذا ما أسهم بشكل كبير في نمو الدول الأوروبية وازدهارها وتطورها سياسياً وقانونياً واجتماعياً واقتصادياً.

 

في سوريا لا يختلف الأمر عن أوروبا من حيث التنوّع؛ فهناك العديد من الأعراق والأديان والمذاهب، ولطالما أغنى كلٌّ منها الآخر، حتى جاء حكم آل الأسد البائد، وكان أول ما قام به العمل على زرع التفرقة بين السوريين بحسب أصولهم ودينهم ومذاهبهم، فتمكّن من البقاء في الحكم 54 عاماً.

 

سقوط الأسد وفكرة تهديد التنوّع

عمد نظام الأسد على مدى 54 عاماً إلى زرع فكرة لدى الفئات السورية أن كلاً منها يهدد الآخر، وخاصة الأقليات العرقية والدينية. وخلال العقود الماضية كانت الفكرة السائدة التي أسسها النظام المخلوع أن هذه الفئات سيتم استهدافها في حال زوال هذا النظام. ولتعزيز الفكرة أكثر، عمد إلى توريط بعض الأطراف في انتهاكات وجرائم بحق السوريين بشكل عام، ولم يدّخر جهداً لإشراك جميع السوريين في هذه الجرائم، وهو ما أدى إلى وجود عداء لدى بعض الفئات ضد أخرى.

 

كما عمد نظام الأسد إلى تغيير التركيبة السكانية في المدن الكبيرة، وخاصة العاصمة دمشق. فمنذ سيطرة الأسد الأب البائد على الحكم في سوريا، بدأ بإنشاء أحياء سكنية عشوائية دون أي تراخيص نظامية، من خلال الاستيلاء على أراضي المواطنين في محيط العاصمة، وعمد إلى جلب أتباعه من قيادات وعناصر الجيش والأجهزة الأمنية من جميع المناطق بهدف منع وجود أي صوت معارض لسنوات طويلة قادمة، مستخدماً في سبيل تحقيق ذلك كل أساليب الترهيب والاعتقال والقتل.

 

كما قام النظام المخلوع بتنفيذ مخططات تهدف إلى طمس هوية المدن الكبرى في سوريا، من خلال إنشاء مخططات تنظيمية عمرانية في ظاهرها تطوير المدن، وفي باطنها طمس هويتها بهدف تفكيكها وجعل سكانها عبارة عن أعداء يمكن لنظامه وحده أن يمنع تصاعد العداء وبالتالي الصدام. وكان مشروع “حلم حمص” أحد هذه المشاريع التي حاول من خلالها طمس معالم أحياء كاملة من المدينة وإزالتها مثل أحياء باب هود والحميدية.

 

مع سقوط نظام الأسد بدأت أطراف كانت ترتبط بالنظام بالبروز في معاداتها لانتصار الثورة السورية، ولثوار سوريا، وللحكومة السورية الجديدة، وصدرت العديد من البيانات من هذه الأطراف تدّعي فيها الخصوصية والتلميح بالخوف من الآخر. ومن هنا بدأت المطالبات باللامركزية السياسية والفيدرالية، حتى وصل الأمر لدى بعضها إلى المطالبة بالانسلاخ عن الدولة السورية والاستقلال في دويلات ليست أكثر من كنتونات صغيرة تابعة للخارج.

 

هذا ما يؤكد أن آثار السياسات الديموغرافية للنظام المخلوع لا تزال موجودة، وتشكل تهديداً حالياً ومستقبلياً ما لم تتم معالجتها بشكل يطمئن جميع السوريين.

 

أتباع الخارج وتهديد السلم الأهلي السوري

لم يكد يسقط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول 2024 حتى بدأت الأصوات الرافضة للثوار المنتصرين والحكومة الجديدة بالظهور، سواء من فلول نظام الأسد في الساحل، أو في السويداء من قبل حكمت الهجري.

 

الهجري، ومنذ الأيام الأولى، أبدى العديد من الآراء المتقلبة والمتدرجة في العداء للدولة السورية والحكومة السورية الجديدة؛ بدءاً من اعتباره أن السويداء تتمتع بخصوصية ديموغرافية سكانية ومذهبية، على الرغم من أن التركيبة السكانية للمحافظة متنوعة كبقية المناطق السورية، ثم انتقل إلى التحريض التدريجي على الدولة واتهامها بالإرهاب، حتى أوصل الأمور إلى أحداث تموز الفائت التي راح ضحيتها العديد من أبناء السويداء من الدروز والبدو ومن محافظات أخرى.

 

لكن مؤخراً بدأت الحقائق حول ما قام به الهجري وأتباعه بالظهور، وأن ما حاول الهجري إشاعته بين الأهالي في السويداء وحتى بين أتباعه لم يكن سوى للتغطية على اتفاقات سابقة مع إسرائيل لتشكيل قوات للسيطرة على سوريا في حال سقوط نظام الأسد.

 

تقرير صحيفة “واشنطن بوست”، الذي صدر يوم الثلاثاء 23 كانون الأول، كشف كامل الحقائق حول مخططات الهجري مع إسرائيل و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

 

وأوضح التقرير أن إسرائيل قررت قبل سقوط الأسد اعتماد العقيد طارق الشوفي، الضابط في جيش الأسد والمنحدر من السويداء، ليكون قائداً لقوات كبيرة تسيطر على سوريا حال سقوط الأسد، وأرسلت مبلغ 24 ألف دولار للشوفي للتجهيز لما عُرف لاحقاً باسم “المجلس العسكري” ليكون بديلاً لنظام الأسد، وأن المبلغ تم تحويله للشوفي عن طريق “قسد”.

 

بعد سقوط نظام الأسد أعلن الشوفي خلال أيام تشكيل “المجلس العسكري” المتفق عليه سابقاً، والذي ضم عدداً من ضباط النظام البائد بينهم ضباط من الساحل، وأعلن المجلس عداءه الصريح للحكومة السورية، متهماً إياها بأنها حكومة إرهابية. ومع الإعلان لم يصدر موقف عن الهجري، لكنه عاد وبارك إعلان المجلس لاحقاً واعتبره يمثل محافظة السويداء، قبل أن يتم الانقلاب على المجلس لاحقاً بتشكيل ما سمي “الحرس الوطني” بقيادة ضابط آخر يُدعى “جمال الغوطاني”، وهو عميد في الفرقة الرابعة سابقاً التي ارتكبت أكبر الجرائم والانتهاكات بحق الشعب السوري.

 

كما كشف التقرير عن الدور الذي لعبته “قسد” بدعم الهجري، من خلال إرسال نحو نصف مليون دولار له لدعم قواته ضد الحكومة، ووجود عناصر خارجة عن القانون من السويداء بينهم نساء في مناطق “قسد” يخضعون لتدريبات عسكرية.

 

وأكد التقرير أيضاً أن إسرائيل بدأت بإرسال السلاح للهجري بعد سقوط النظام البائد بأيام قليلة، وقيامها بتزويد عناصره بالرواتب التي يتم دفعها لحوالي 3000 عنصر بشكل شهري، إضافة إلى قيام الهجري بإعداد خريطة لدولة تمتد من السويداء حتى العراق. وهذا بمجمله يؤكد أن هناك اتفاقات مسبقة لضرب الاستقرار في سوريا.

 

“قسد”.. صراع داخلي وارتباط بالخارج

في العاشر من آذار الماضي تم توقيع اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع، رئيس الجمهورية العربية السورية، ومظلوم عبدي، قائد قوات “قسد”. وكان أبرز ما نص عليه دمج القوات العسكرية والأمنية التابعة لـ”قسد” بالجيش السوري، وإنهاء فكرة خروج شمال شرق سوريا عن الدولة السورية.

 

الاتفاق نص من الناحية الزمنية على أن يتم إنجازه مع نهاية العام الحالي 2025، لكن حتى الآن لم يحصل أي اندماج من جهة “قسد”، التي لا تزال تماطل وتتهرب من تنفيذ الاتفاق تحت ذرائع مختلفة، على الرغم من وضوح اتفاق آذار.

 

مصادر مطلعة أكدت لصحيفة “الثورة السورية” أن هناك صراعاً داخلياً في “قسد” نفسها، حيث يحكمها جناحان بدأ التنافر يبرز بينهما مع اقتراب مهلة تطبيق اتفاق آذار: أحدهما يرغب بالاندماج في الدولة السورية مع كسب بعض الامتيازات، وجناح يرفض فكرة الاندماج من الأصل، ويسعى للسيطرة على شمال شرق سوريا تحت مسميات مختلفة لدولة مستقلة.

 

الجناح غير المنتمي لسوريا والذي يقوده جميل بايك والمدعوم من أطراف خارجية مختلفة من بينها إيران وإسرائيل معاً، هو الذي يعمل على تعطيل اتفاق آذار، ويسعى لجرّ الدولة السورية إلى حرب مع “قسد” لاستنزافها وخلق حالة من “المظلومية” لطلب تدخل خارجي لاحق. وكانت المحاولة الأخيرة لهذا الجناح إشعال اقتتال في مدينة حلب قبل أيام، إلا أن الحكومة السورية اكتفت بالرد المحدود على المهاجمين من “قسد” دون الوصول إلى حرب شاملة.

 

تقرير “واشنطن بوست”، الذي نشر المعلومات حول الهجري وارتباطه بإسرائيل، كشف العلاقة الثلاثية بين “قسد” والهجري وإسرائيل، والدعم الذي تقدمه “قسد” لميليشيات الهجري؛ مادياً وتدريبياً وتزويداً بالأسلحة، ومن بينها الصواريخ المضادة للدروع، إضافة إلى كونها وسيطاً مع إسرائيل بإيصال الأموال للهجري.

 

هذه العلاقة جعلت الكرة في ملعب “قسد” في علاقتها مع الدولة السورية وإتمام اتفاق آذار أو عدم إتمامه، وما إذا كانت قيادة “قسد” ستكون قادرة على نبذ الجناح غير السوري وخلق فرصة لإحلال السلام والسلم الأهلي أم لا.

 

طمأنة السوريين

على الرغم من العقود التي حكم فيها نظام الأسد البائد، والتي عمل خلالها على إفساد علاقة السوريين ببعضهم، وما جرى بعد سقوطه من ظهور أطراف حاولت إكمال عملية الإفساد وضرب النسيج المجتمعي السوري، إلا أن السوريين لا يزالون قادرين على إثبات قدرتهم على التعايش والتغلب على الأزمات التي يمرون بها، وأنه لا يزال بإمكانهم البناء لتأسيس دولتهم القادرة على استيعاب الجميع دون أي تفرقة، من خلال نبذ أي طرف يحاول تنفيذ مشاريع خارجية تهدف إلى تهديد البلاد وسلمها الأهلي.

 

السوريون بعد مرور عام على سقوط الأسد يدركون اليوم أكثر من أي وقت أن التنوع العرقي والاجتماعي والديني والثقافي مصدر قوة وليس نقطة ضعف، وأن هناك مصلحة مشتركة لديهم جميعاً للتخلص من إرث نظام الأسد البائد، ونبذ أطراف التفرقة والعمل معاً على بناء سوريا للجميع.

 

كما لا بد للسوريين من استغلال الخبرات التي حصلوا عليها داخلياً وخارجياً وتسخيرها في سبيل بناء وطن موحد قائم على العدالة والمساواة بين الجميع، من خلال تنفيذ أفكار ومشاريع ناجحة في الإدارة والعمل وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، بالتعاون مع الدولة السورية التي يقع على عاتقها توفير الظروف الملائمة لكل السوريين للعمل معاً، وحماية المجتمع السوري من خلال سن تشريعات وقوانين يمكن من خلالها المحافظة على النسيج الاجتماعي السوري، وجعل الجميع تحت سيادة القانون فقط.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المتطرف “بن غفير” في تصريح صادم: 100 طبيب إسرائيلي تطوعوا لإعدام أسرى فلسطينيين ولا يوجد عذر لعدم تطبيق العقوبة

قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الثلاثاء، إن 100 طبيب تطوعوا لتنفيذ عقوبة إعدام أسرى فلسطينيين حال إقرار مشروع القانون. جاء ذلك وفق ...