ريم هاني
يتّضح، يوماً بعد يوم، أنّ العدوان الأميركي – الإسرائيلي المشترك على إيران في حزيران الماضي، أعاد تشكيل وضع الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج على حدٍّ سواء، وجعلها أكثر تصميماً على المواجهة وعدم تقديم تنازلات للغرب، وسط التفاف شعبي غير مسبوق حول القيادة الحالية. ورغم توجيه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال الأيام الماضية، أحد أشدّ «تهديداته» لطهران، بإعلانه أنّ إصرارها على تخصيب اليورانيوم هو «موقف غبي»، وتعهّده بـ«وقف البرنامج بشكل كامل»، فقد جاء الردّ الإيراني، أمس، على لسان وزير الخارجية، عباس عراقجي، ليجزم بعدم وجود أي نيّة إيرانية لاستئناف المباحثات كما كانت قبل العدوان، لا سيّما في ظلّ غياب أي «تنازلات» أميركية.
وأكّد عراقجي، في حديث إلى صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، أنّ بلاده لن توافق على «العمل كالمعتاد» في أعقاب مواجهة الـ12 يوماً، مشدّداً على أنّ «عليهم أن يشرحوا سبب مهاجمتهم لنا في منتصف المفاوضات، وعلينا التأكّد من أنهم لن يكرّروا ذلك، أثناء المحادثات المستقبلية مع طهران»، كما عليهم «تعويض إيران عن الضرر الذي أحدثوه». ولفت عراقجي، كذلك، إلى أنّه والمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، تبادلا الرسائل أثناء الحرب وبعدها، معتبراً أنّ «الطريق إلى التفاوض ضيّق لكنه ليس مستحيلاً». وقال: «أحتاج إلى إقناع قيادتي بأنه إذا ذهبنا إلى المفاوضات، فإنّ الجانب الآخر سيأتي بتصميم حقيقي على التوصل إلى اتفاق مربح للجانبين»، «ونحن بحاجة إلى إجراءات حقيقية لبناء الثقة من جانبهم».
ولربما يمكن فهم الموقف الإيراني الأخير عبر جملة من المتغيرات الداخلية في إيران، التي تلت الهجمات الإسرائيلية – الأميركية. وفي هذا السياق، يردّ في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أنّه هذه المرة، عندما سقطت القنابل في داخل إيران، لم تعد الحرب بعيدة (عن الإيرانيين)، بل عادت إلى المنزل، وتغيّر معها «الحديث»؛ إذ إنّ الجيل الذي سخر ذات يوم من خطاب النظام، يتعلّم الآن —وبعضهم للمرة الأولى— لماذا أنشأت الحكومة «سردية المقاومة» في المقام الأول. وبين عشية وضحاها، وعبر الاتصالات التي أجراها معدّ المقال، في مختلف أنحاء المجتمع الإيراني، اتّضح أنّ الإيرانيين الذين كانوا يرفضون، ذات يوم، الشعارات الرسمية للمرشد الأعلى السيد علي خامنئي، بدأوا يردّدونها. ولم تؤدِّ الهجمات إلى إثارة «الحماسة الوطنية» فحسب، بل أشعلت شعوراً بأنّ القوى الأجنبية قد تجاوزت حدودها. وحتى بين بعض أشدّ منتقدي النظام، لم يتحوّل الغضب إلى الداخل، «بل إلى الخارج». وفي غضون أسبوعين فقط، استوعب الإيرانيون واقعاً جيوسياسياً جديداً، «وبدأت الشعارات تكتسب معنى أكبر».
وبعدما لم تكن النخب العسكرية موحّدة في شأن أفضل السبل لحماية إيران، فقد أصبح أولئك الذين يحثّون على الدبلوماسية «غارقين» في محيط مَن يطالبون بموقف دفاعي متشدّد. كما بات البعض يناقش علناً الحاجة إلى سلاح نووي: «نحن بحاجة إلى شيء يجعلهم يفكرون مرّتين، وإلا فإنّهم سيكونون قادرين على استهدافنا كل بضع سنوات»، وفق ما نقلته المجلة عن أحد الصحافيين في أصفهان. كذلك، أكّد أحد الفنانين في طهران، في حديث إلى المجلة نفسها، «(أنني) كنت من الذين يهتفون أثناء الاحتجاجات ضدّ إرسال أموال إيرانية إلى لبنان أو فلسطين. لكنني الآن أفهم أنّ القنابل التي نواجهها جميعاً هي واحدة، وإذا لم تكن لدينا دفاعات قوية في جميع أنحاء المنطقة، فإنّ الحرب ستأتي إلينا».
ولم يقتصر هذا «الوعي» الجديد، والذي انتشر بسرعة، على إيران فقط؛ إذ إنّ الكثير من المحتوى الإلكتروني الذي يشرح تاريخ التدخّل الغربي في إيران، من انقلاب عام 1953 إلى اغتيال العلماء الإيرانيين، لم يتمّ إنتاجه في طهران، بل جاء من الغرب، وكان موجّهاً إلى الجمهور الغربي.
يحاول أبناء جيل الألفية «والجيل Z» فهم أسباب الحروب الأبدية التي شكلت حياتهم
وعلى «تيك توك» و«إنستغرام» و«إكس»، بدأ الشباب، من اليسار السياسي وصولاً إلى اليمين، يتساءلون عن سبب تصوير إيران لعقود من الزمن على أنها الفزّاعة الدائمة في السياسة الخارجية الأميركية. وليس أصحاب تلك الآراء موالين للنظام؛ بل كانوا في الغالب أميركيين، من جيل الألفية و«الجيل Z»، يحاولون فهم الحروب الأبدية التي شكّلت حياتهم. وأكّدت المجلة أنّ ذلك التحوّل أصبح يعيد، بالفعل، «تشكيل وضع إيران داخلياً وإقليمياً وعالمياً».
وفي ما يتعلّق بـ«الحرس الثوري» تحديداً، فإنّ الأخير كان، طبقاً للمصدر نفسه، منقسماً داخلياً بشكل عميق في ظلّ وجود فصائل متنافسة فيه. وعلى مدى العقد الماضي، كانت القيادات الأقدم، التي صعدت نتيجة لصدمة الحرب الإيرانية – العراقية ما بين 1980 و1988، تحثّ في كثير من الأحيان على ضبط النفس. ورغم التزامهم بالردع الإقليمي والتوسّع العسكري، فإنّ العديد من هؤلاء القادة رأَوا في الصراع المفتوح مع إسرائيل أو الولايات المتحدة خطراً وجودياً، وليس مواجهة ضرورية. ولكن تحتهم مباشرةً، نشأ جيل أصغر سنّاً داخل «الحرس»، يضمّ المقاتلين الذين أصبحوا الآن في الأربعينيات من عمرهم وهم مستعدّون لتولّي القيادة، وقد تدرّبوا على استخدام الطائرات من دون طيار والصواريخ والحرب السيبرانية، «وقاتلوا شخصياً في سوريا وساعدوا في تنظيم الميليشيات في العراق». واليوم، يرى الأعضاء الصاعدون أنّ المواجهة ليست حتمية فحسب، بل مثمرة. وبطبيعة الحال، شجّعت ضربات حزيران، موقف هذا الجيل، الذي يرى أنّ ضبط النفس الذي مارسته الدولة على مدى العقدين الماضيين، لم يؤدِّ إلا إلى المزيد من الهجمات عليها، وهي تحتاج، بالتالي، «إلى رادع جدير بالثقة، وفوراً».
إلى ذلك، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً جاء فيه أنّ الولايات المتحدة تمتلك سبعة أنظمة دفاع صاروخي متطورة من طراز «ثاد»، مشيرةً إلى أنّه أثناء الحرب مع إيران، تمّ نشر اثنين من تلك المنظومات في إسرائيل، «ولم يكن ذلك كافياً». ويتابع التقرير: «عملت أنظمة (ثاد) جنباً إلى جنب الأنظمة الإسرائيلية، وأحرقت الذخائر بوتيرة جنونية، مطلقةً أكثر من 150 صاروخاً لإسقاط موجات الصواريخ الباليستية الإيرانية»، وفقاً لمسؤولين أميركيين، تابعوا أنّ هذا العدد يمثّل ما يقرب من ربع كافة الصواريخ الاعتراضية التي اشتراها البنتاغون.
وطبقاً لأحد المسؤولين، فقد كان الطلب كبيراً إلى درجة أنّ البنتاغون نظر، في مرحلة ما، في خطة لتحويل الصواريخ الاعتراضية التي اشترتها السعودية إلى الأنظمة الموجودة في إسرائيل، وهو ما مثّل محلّ نقاش بالغ الحساسية، بالنظر إلى أنّ مدن السعودية ومنشآتها النفطية كانت تعتبر أيضاً معرّضة للخطر أثناء الصراع. وفي حين أشاد المسؤولون الإسرائيليون بالأنظمة الأميركية لمساهمتها «في إنقاذ آلاف الأرواح»، فقد كشفت الحرب عن فجوة مثيرة للقلق في الإمدادات الأميركية. كما اكتشفت الولايات المتحدة أيضاً عدم كفاءة في الطريقة التي اشتغلت بها أنظمتها الاعتراضية، وهو ما يجري فحصه حالياً.
من جهتهم، يقول بعض مخطّطي البنتاغون إنّ الدفاعات الصاروخية الأميركية، المصمّمة لحماية القوات والأصول الأميركية من الهجمات المستهدفة من قبل روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية، «غير كافية لعالم أصبحت فيه الصواريخ الباليستية الرخيصة والضخمة هي السلاح الجوي المفضل»، لا سيّما وأنّ الصين استثمرت بمبالغ ضخمة في تطوير الصواريخ، وتقوم بسرعة ببناء أسلحة يمكنها استخدامها لإبقاء الولايات المتحدة بعيدة في أي صراع مستقبلي حول تايوان.
وطقباً للمجلة نفسها، من المرجح أن يستغرق تجديد صواريخ «ثاد» التي أطلقت أثناء الحرب مع إيران أكثر من عام، وأن يكلّف ما بين 1.5 مليار دولار و2 مليار دولار، بحسب ويس رامبو، وهو زميل في مركز «الدراسات الإستراتيجية والدولية».
يُشار إلى أنّه من بين تشكيلات الدفاع السبعة العاملة التابعة للولايات المتحدة، يوجد اثنان حالياً على الخطوط الأمامية في إسرائيل، فيما تم التعهّد بإرسال اثنين آخرين على المدى الطويل إلى غوام وكوريا الجنوبية، وتم نشر آخر في السعودية، ليبقى اثنان منهما فقط في الولايات المتحدة القاريّة. وفي حين تم تصنيع النظام الثامن، إلا أنّه لا يعمل بكامل طاقته حالياً.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار