يوسف فارس
منذ 17 يوماً، يتوغّل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأطراف الجنوبية من حي الزيتون، حيث يواصل تدمير المزيد من المنازل ونسْف البنى التحتية في تلك المنطقة المتاخمة لحاجز «نتساريم» المستحدث، وذلك في إطار المساعي المستمرّة لتوسيع هامش الأمان المحيط بجانبَي الحاجز من جهتَي الجنوب والشمال. وفي الوقت نفسه، ترتفع حدّة التهويل في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وعلى ألسنة المحلّلين العسكريين، مما يسمى «المرحلة الرابعة» من الحرب، والتي تتضمّن الإخلاء الكامل لمناطق شمال وادي غزة، من 500 ألف لا يزالون يسكنونها. وبعدما رفض هؤلاء الخروج من منازلهم منذ بداية الحرب، وقاسوا، طوال خمسة أشهر، أهوال مجاعة اضطروا فيها لأكل حشائش الأرض وجمْع مياه الأمطار وطحن أعلاف الدواب، وقد مات نحو 25 منهم جوعاً، واستشهد المئات خلال محاولتهم الحصول على الطحين في مجازر متكرّرة ارتكبها جيش العدو عند مفترق النابلسي، تسوق الصحف الإسرائيلية ما مفاده أن في وسع أيّ خطة عسكرية إخلاءهم من منازلهم. غير أن الوقائع على الأرض لا تشير فقط إلى أن تلك الخطّة عصيّة على التطبيق، إنّما باتت وراء ظهور حتى قادة جيش الاحتلال، الذين فرض صمود أهالي شمال القطاع عليهم، إتلاف خطط وإحلال أخرى أقلّ طموحاً مكانها، ومن بينها البحث عن تأمين القوات التي تتعرّض للاستنزاف المستمر عند حاجز «نتساريم»، ومحاولة صناعة بدائل لتوزيع المساعدات الإنسانية من خلال المؤسسات الدولية، وليس أخيراً السماح بترميم عدد من مستشفيات شمال غزة، والتي كان جيش العدو قد دمّرها، ظانّاً أنه لن يتبقّى أحد في شمال القطاع سيكون محتاجاً إلى العلاج أصلاً، بعد أن يهاجر الجميع إلى الجنوب، ثم إلى سيناء.
رصدت «الأخبار»، الانطلاق الفعلي لترميم مستشفيَي «العيون» و»الرنتيسي»، و»عيادة مسقط»
ورصدت «الأخبار» الانطلاق الفعلي لترميم مستشفيَي «العيون» و»الرنتيسي» و»عيادة مسقط»، وبدء المؤسسات الدولية في بناء مخيّمات لسكان مناطق مخيم جباليا وبيت حانون المدمّرتَين. وإذ لا يمكن البدء في مثل تلك المشاريع خلال الحرب، إلا من خلال تنسيق مسبق مع جيش الاحتلال، بوصف مَن يقوم ببنائها مؤسسات دولية، فمن الجيد الإشارة هنا إلى أن واحداً من المشاريع الطموحة التي وردت على ألسنة قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين في بداية الحرب، هو تهجير كل أهالي القطاع إلى شبه جزيرة سيناء، وليس فقط أهالي الشمال. ولكن ما حدث بعد عامٍ كامل من الحرب، أن كل المشاريع المتطرّفة لم تخالف فقط إرادة الفلسطينيين الذين يرفضون التهجير، إنّما إرادة الدول الإقليمية، التي لا تُسجّل لها حسنة خلال هذه الحرب إلّا أنها لم تكن جزءاً من مشروع التهجير. وفي سياق ما تقدَّم، لا بد من الإشارة إلى الآتي:
– لم يعلن جيش الاحتلال عن شيء اسمه «المرحلة الرابعة» من الحرب، بل أعادت الصحف الإسرائيلية نَشْر ما سُمّي بـ»خطّة الأبطال» التي قدّمها منتدى كبار متقاعدي جيش الاحتياط قبل أيام، على أنها خطّة جديدة ومرحلة رابعة من الحرب.
– انضمّ عدد كبير من الصحف العربية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، قصداً أو عن غباء، إلى جوقة التهويل وتهبيط المعنويات، وأعادوا نشر ما سمّي «المرحلة الرابعة»، وربطوا بينها وبين الإجراءات الميدانية لجيش الاحتلال في جنوب حي الزيتون.
– يغلب على مَن أعاد الترويج لـ»المرحلة الرابعة»، القيام بالدور نفسه خلال الشهر الماضي، إذ نشر هؤلاء، زيفاً، أن جيش الاحتلال يخطّط لإعادة إقامة حاجز «أبو هولي» الذي يفصل مدينة دير البلح عن جنوب القطاع، وقد بنوا مزاعمهم وتحليلاتهم على وقائع ميدانية آنية ذات صلة بعمليات برية مؤقّتة وليس أكثر من ذلك.
في خلاصة الأمر، يبدو واضحاً أن مرحلة الفراغ الحالية، دفعت بمراسلي الصحف والمواقع الإسرائيلية إلى محاولة إقناع جمهور المستوطنين بأن جيشهم يفعل شيئاً مهمّاً، وقد ساعدته في ذلك جوقة من الموتورين واللاهثين وراء جمع المشاهدات في مواقع التواصل، فيما يقول الواقع إن ثمّة جيشاً في غزة لا يجد ما يفعله، وإعلاماً إسرائيلياً لا يجد ما يقوله.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار