مالك صقور
“التوازن الاستراتيجي المفقود في القرن الحادي والعشرين” عنوان كتاب آلكسندر بانارين الباحث الروسي ، الذي أصدر كتابه هذا في مطلع القرن الواحد والعشرين..
يقول في المقدمة :القرن الواحد والعشرون بدأ لتوه ، لكنه عمد كله بقرن عدم الاستقرار الاستراتيجي – إن صورة القرن تتكون، عادة، بعد انقضائه. فما الذي يختفي وراء الجرأة على توصيف “سيرة” القرن في لحظة
ولادته؟ ”
• تساؤل الباحث في مكانه، وفي الوقت نفسه، يشد القارئ أيضا ويجعله يتأمل في التحليل الاجتماعي الحضاري، والسياسي، والتاريخي، والنفسي، والعسكري الذي يقدمه الكاتب استنادا إلى تراجيدي القرن العشرين، منذ الحرب العالمية الأولى.. ففي رأيه ،أن القرارات التراجيدية بعواقبها، بحسب كل الدلائل، قد اتخذت فإن السؤال التالي يتناول بالبحث :”من اتخذ تلك القرارات ولماذا؟ يجيب قائلا :” إن التناقض الأكبر في السر الوجودي هو كون القرارات الأكثر تدميرا والأقل عقلانية، لاتنجم عن الحاجة، ولا تمليها ضرورة صارمة ، بل تنجم عن الحرية.. الأقوياء هم أكثر حرية من الضعفاء، والأغنياء أكثر حرية من الفقراء، والمنتصرون أكثر حرية من المهزومين. ومع ذلك فإن الذاكرة التاريخية الجماعية للبشرية يشوهها شاغل الطرف الأول في هذه الثنائيات، قراراتهم هي التي سببت أكثر الاحداث تراجيدي في تاريخ البشرية “. وفي رأيه ،أن هؤلاء الذين يلعبون بحماسة أكبر هم عادة أولئك الذين يحصلون على مرابحة كبيرة، يقومون خلافا لما يمليه العقل من أجل المزيد من الربح. ينطلق هؤلاء من مبدأ خطر :
• المنتصر يأخذ كل شيء” وبالتالي :
• غدا سيكون الوقت قد فات ”
إن عدم الاستقرار الاستراتيجي هو نتيجة اللعبة الاستراتيجية التي يشترك فيها طرفان : طرف قوي وطرف ضعيف . وكلما بدأ الضعفاء
أكثر استعدادا للتنازل في هذه اللعبة،
كلما ازداد جموح القوي الذي يعتبر نفسه بأنه قادر على كل شئ.
يستند آلكسندر بانارين في تحليله على انتصار الولايات المتحدة الأمريكية على الاتحاد السوفيتي في نهاية الحرب الباردة.. فيقول :لم تكتف الدولة المنتصرة في هذه الحرب الباردة بهذا النصر، فواصلت هجومها على جميع الدول المستقلة، باسم تحقيق برنامج الهيمنة والسيطرة الكاملة على العالم . فإن ذلك يعني أنها تخوض حربا عالمية. لقد كانت نهاية الحرب الباردة تعني الاستقرار لو إن أمريكا اقتنعت بهذا النصر. لكنها لم تفعل.، بل قامت بخرق غادر للشروط التي استسلم على أساسها الاتحاد السوفيتي العدو السابق.. وراحت أمريكا بكل تبجح وغرور تنظم وترسم استراتيجية.( لا حدود للمنتصر)..
ويستطرد الباحث قائلا :إن زحف الحلف الأطلسي إلى الشرق حتى الدخول المباشر إلى المجال الذي كان سوفيتيا حتى بعد إلغاء حلف وارسو، وإعلان أوكرانيا وما وراء القفقاز وآسيا الوسطى منطقة مصالح أمريكية – كل ذلك هو تحطيم للسلم والاستقرار..
ومن ثم جاء دور يوغوسلافيا بتفكيكها وتدميرها.
إن الحالة الثقيلة الوطأة هي أن الدولة “العظمى” الوحيدة المتبقية – امريكا حصلت على ما يفوق كل التوقعات السابقة .لان الخصم المرعب السابق الاتحاد السوفيتي، لم يكتف بالاستسلام من دون إن يطلق رصاصة واحدة، بل أعلن كذلك عن حل نفسه.. فكك الاتحاد ، وحل الجيش ، وألغى المجمع الصناعي الحربي.
وحل تحالفاته في العالم كله… ومع ذلك ، لم تكتف أمريكا بهذا.
بعبارة أخرى.، يقول بانارين : إن الأيديولوجيا الليبرالية الجديدة لم تكتف بمجرد احتلال ساحة الشيوعية العلمية بل طهرت هذه الساحة من التفكير السليم ، والقيم والأخلاق والمبادئ وطيبة القلب.
ونتيجة لذلك ظهر ” حليب الذئبة”، ذلك الذي يستطيع من يرضعه فعل الكثير..
ولكن ، إن العالم أكبر بكثير من أن يديره بلد واحد. ولا بد من تعدد الاقطاب.. وقد بدأت بالظهور.
(موقع سيرياهوم نيوز)