- محمد العيد
- الجمعة 2 تموز 2021
لم يمرّ أسبوعان على الانتخابات البرلمانية في الجزائر، حتى ظهر اسم الوزير الأوّل الجديد، من دون أن يفاجئ كثيرين مِن الذين توقّعوا أن يستعين الرئيس عبد المجيد تبون بواحدٍ من رجالاته في الحكومة. فوقع الاختيار، وفق ما ورد في بيان الرئاسة، على أيمن بن عبد الرحمن، الذي كان يشغل منصب وزير المالية في حكومة المستقيل عبد العزيز جرادالجزائر | قبل نحو سنتين، كان أيمن بن عبد الرحمن مجهولاً لدى الرأي العام الجزائري، إذ لم يكن سوى إطار في المصرف المركزي الجزائري، ثم قذفت به الأحداث، فجأةً، إلى الواجهة، بعد تعيينه محافظاً لـ«بنك الجزائر» في تشرين الثاني عام 2019، قبل حتى وصول عبد المجيد تبون إلى الحُكم. وفي حزيران 2020، استعان به الرئيس لتسيير وزارة المالية، والتي منها شقَّ طريقه نحو الوزارة الأولى، مستفيداً من الظرف العام الذي جعل السلطة بحاجة إلى «بروفايل» من هذا النوع، في ظلّ صعوبة الوضع المالي الذي تمرّ به البلاد، وحاجتها إلى تنويع الاقتصاد المعتمِد أساساً على صادرات النفط والغاز.
وفي أوّل تصريح له بعد استلام مهماته، حدَّد الوافد الجديد على قصر الدكتور سعدان (مقرّ الحكومة الجزائرية)، بدقّة، أولوياته التي ستكون اقتصادية – اجتماعية، بعيداً ممّا تراه المعارضة أزمةً سياسية تعصف بالبلاد. وقال بن عبد الرحمن إنه يهدف إلى «العمل بكلّ جهد وتفانٍ من أجل تطبيق فعّال للبرنامج النهضوي لرئيس الجمهورية»، مضيفاً أن هذا البرنامج «سوف يسمح للجزائر بتحقيق انطلاقتها الاقتصادية المنشودة التي بدأت معالمها تظهر في الأفق». وتابع يقول إن طاقمه الحكومي، سيعمل كرجل واحد، من أجل المُضي قُدُماً في تكريس معالم «الجزائر الجديدة»، وهو الشعار الذي يرفعه الرئيس لتمييز فترته عمَّا سبقها. وسيكون على الوزير الأوّل التعامل مع ظرف اقتصادي شديد التعقيد، بفعل تبعات الأزمة الصحيّة التي أثّرت في مداخيل البلاد في السنتَيْن الماضيتَيْن، ما أدّى إلى تآكل احتياطي النقد الأجنبي إلى ما دون الأربعين مليار دولار، بحسب أرقام الحكومة، فيما يُتوقَّع أن يبلغ عجز الموازنة العامة، نحو 25 ملياراً مع نهاية عام 2021. وتضمن الجزائر عائداتها من العملة الصعبة، بنسبة 98 في المئة، من صادرات النفط والغاز، ما جعلها رهينةً لاقتصاد النفط. ولم تنتبه السلطات إلى هذا الواقع إلّا في السنوات الأخيرة، حيث عملت على إعادة هيكلة البلاد، والاهتمام بقطاع الفلاحة والمناجم، لكن ذلك لم يغيّر من معادلة الاقتصاد الجزائري القائمة على الريع.
حدّد الوزير الأوّل، بدقّة، أولوياته التي ستكون اقتصادية – اجتماعية
وانعكس هذا الواقع على الوضع الاجتماعي، الذي يصفه مراقبون بـ«القنبلة الموقوتة»، والذي سيكون من أبرز تحديات الحكومة المقبلة، إذ تواجه الجزائر ازدياداً في معدلات البطالة تفوق الـ20 في المئة، بخاصّة في صفوف الشباب، إضافة إلى انهيار القدرة الشرائية وتراجع قيمة الدينار الذي فقد نحو 30 في المئة من قيمته خلال السنوات الأخيرة. كما تشهد البلاد احتجاجات دورية، بدوافع اجتماعية، خصوصاً في القطاعات التي تضمّ العدد الأكبر من العمالة الحكومية، مثل التعليم والبريد وغيرها. وساءت ظروف أصحاب المهن والحرف والشركات الصغيرة والمتوسطة، بفعل الحجر الصحي العام الماضي، ما أدّى إلى إغلاق الكثير من الشركات. يضاف إلى ذلك، فقدان الآلاف أشغالهم في المؤسسات التي كانت مملوكة لرجال أعمال مساندين للرئيس السابق، والذين تم إيداعهم السجن في قضايا فساد، مما أثّر بصورة خاصة في مؤسساتهم.
ومن الناحية السياسية، لن يكون الوزير الأوّل الجديد في خطر، نظراً إلى امتلاك حكومته – التي لم يُعلن عن تشكيلتها بعد – قاعدةً قوية داخل البرلمان، بعدما اتّضحت معالم الغالبية الرئاسية التي تدعمها. وستضمّ الحكومة على الأرجح وزراء من أحزاب «جبهة التحرير الوطني»، و«التجمّع الوطني الديموقراطي»، والمستقلين، و«جبهة المستقبل»، و«حركة البناء الوطني»، وهؤلاء يشكلون معاً الغالبية الساحقة في البرلمان الجديد الذي أسفرت عنه الانتخابات التشريعية. أما الحزب الوحيد الذي أعلن معارضته للمشاركة في الحكومة، فهو «حركة مجتمع السلم» التي تَعدّ 68 نائباً، وذلك بمبرّر استمرار نفس المنطق القديم في تعيين الحكومة، بعيداً من مراعاة ما أفرزه البرلمان. وذكر رئيس هذا الحزب، عبد الرزاق مقري، أن الرئاسة عرضت عليهم دخول الحكومة، من دون أن تكون لهم سلطة على الحقائب التي يحصلون عليها أو أسماء الوزراء الذين يمثّلونهم، وهو ما قال إن حزبه يرفضه.
وثارت عدّة أسئلة عقب تعيين الوزير الأوّل الجديد، عن تفضيل الرئيس شخصية تكنوقراطية ذات مسار إداري صرف، في وقت تحتاج البلاد، وفق كثير من المتابعين، إلى حكومة سياسية قويّة تكون قادرة على التواصل مع الأحزاب وبدء حوار وطني، في ظلّ جوّ عدم الثقة الموجود بين السلطة والمواطنين، والذي ظهر في نسبة المقاطعة القياسية التي بلغت 77 في المئة، فضلاً عن حالة الغلق الإعلامي، كما تقول المعارضة، واستمرار الاعتقالات في صفوف النشطاء والسياسيين، والتي كان آخرها فتحي غراس، منسّق «الحركة الديموقراطية الاجتماعية» ذات التوجّه الشيوعي. ومن بين الانتقادات الموجّهة إلى طريقة التعيين، عدم انتظار تنصيب البرلمان في تعيين الحكومة وعدم تصريح الأحزاب الفائزة صراحة بالانخراط في غالبية رئاسية. وينص الدستور الجديد في الجزائر، على حالتَي غالبية رئاسية يقود فيها الحكومة وزير أوّل يطبّق برنامج رئيس الجمهورية، وغالبية برلمانية يعيَّن فيها رئيس حكومة من قِبَل هذه الغالبية ويطبِّق برنامجها. لكن بالنسبة إلى الموالاة، يبدو واضحاً أن الغلبة تميل إلى حالة غالبية رئاسية، تعطي الحقّ للرئيس في تعيين وزير أوّل، وهو ما ظهر في التهنئة التي وصلت أيمن بن عبد الرحمن من عدّة شخصيات في الأحزاب الكبيرة في البرلمان.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)