أصيل منصور
على رغم المحاولات الأوروبية والأميركية لاجتذابها إلى صفّ المعسكر الغربي بوجه روسيا، من بوّابة ضخّ كميات مضاعفة من الغاز إلى القارّة العجوز، أظهرت الجزائر قدرة على الحفاظ على المبدأ الرئيس في سياساتها الخارجية، والمتمثّل في «عدم الانحياز»، وهو ما يلاقي ترحيباً وتقديراً روسيَّين، وفق ما أظهرته زيارة سيرغي لافروف الأخيرة إلى الجزائر
adالجزائر | من دون إعلان مسبق، قام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يوم الثلاثاء الماضي، بزيارة إلى الجزائر، بمناسبة الذكرى الستّين لتأسيس العلاقات الجزائرية – الروسية. زيارةٌ بدت محمّلة بالدلالات، خصوصاً أنها أعقبت أخرى قام بها إلى هذا البلد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في نهاية شهر آذار الفائت، وسرَت توقّعات في عقبها، بمفارقة الجزائر مربّع الحياد إزاء الحرب الروسية – الأوكرانية. لكن زيارة لافروف، ولقاءه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أنبآ بأن الجزائر ماضية في موقفها، الذي كان عزّزه انخراطها في ما سُمّيت «مبادرة مجموعة الاتصال العربية» (التي ضمّت وزراء خارجية الجزائر، مصر، السودان، العراق، والأردن، فضلاً عن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط)، بهدف السعي لتخفيف حدّة التوتّر بين طرفَي الحرب، وتقريب وجهات نظرهما، على طريق إيجاد حلّ سياسي «مرتكز على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة».
أمّا في ثاني دلالات الخطوة الروسية، فيَبرز التشديد على أن ملفّ الغاز الجزائري سيبقى ملفّاً اقتصادياً، تَحكمه الحسابات التجارية «البراغماتية» لا السياسية، بعدما طُرحت تساؤلات في شأن إمكانية قيام الجزائر بتعويض الغاز الروسي لأوروبا. إلّا أن الجزائر، وفضلاً عن كونها ملتزمة باتفاقيات مع زبائنها، غير قادرة، بحسب خبراء، على تعويض ذلك الغاز؛ كون الكمّيات التي تُصدّرها سنوياً إلى أوروبا تبلغ 42 مليار متر مكعّب، منها 20 إلى 30 ملياراً نحو إيطاليا، و12 ملياراً نحو كلّ من فرنسا والبرتغال، وهي أقلّ بكثير من الإنتاج الروسي. وظهر التوافق الروسي – الجزائري في هذا الشأن عبر تصريحات لافروف عقب لقائه تبون، حيث أكد أنه «في ما يخصّ المزيد من إمدادات الغاز، فنحن، كما هو حال الجزائر، نقف إلى جانب الموقف الموحّد في إطار منتدى الدول المصدِّرة للغاز، للوفاء بالاتفاقيات السابقة، وسوف يكون هذا هو الحال في المستقبل».
بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، في عام 2021، نحو 3 مليارات دولار
وفي الشقّ السياسي، يتقاطع الموقفان الجزائري والروسي في ملفّات عدّة، ولكن يختلفان في أخرى؛ إذ يملك البلدان الرؤية نفسها بخصوص قضية الصحراء الغربية، على عكس ما هو الحال بالنسبة للملفّ الليبي. وبخصوص الأزمة الروسية – الأوكرانية، أظهرت الجزائر اعتدالاً وتوازناً في موقفها، وهو ما ظهر في تصويتها ضدّ قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، كما في امتناعها عن التصويت على قرار أممي يدين روسيا بسبب شنّها الحرب على أوكرانيا. وشكّل هذا الموقف محطّ تقدير من لافروف، الذي وصفه بـ«المتّزن والموضوعي». وفي ما يتّصل بالعلاقات الثنائية، أكد الوزير الروسي أنها «قابلة للتوسّع»، مبدياً حرص بلاده «على تطويرها في المجال السياسي، وكذلك الاقتصادي والفني والثقافي والإنساني»، كاشفاً عن دعوة الرئيس الجزائري لزيارة موسكو، حيث سيجري «التوقيع على وثيقة مشتركة قد تكون أساساً لعلاقتنا الثنائية».
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، في عام 2021، نحو 3 مليارات دولار، في ظلّ «اهتمام الشركات الروسية بتطوير علاقتها مع الشركاء الجزائريين في مختلف المجالات، ومن بينها الطاقة والاستكشاف والصيدلة» بحسب لافروف، الذي أعلن أيضاً أن هذه الفرص «ستكون جوهر المناقشة في الجلسة القادمة للجنة الحكومية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفنّي، المزمع عقدها في القريب العاجل في الجزائر». وفي إشارة إضافية إلى تعمُّق العلاقات بين البلدين، أعلن الوزير الروسي عن نيّة «تمكين الجزائريين من الحصول على المزيد من المنح الدراسية للدراسة في الجامعات الروسية».
سيرياهوم نيوز3 -الأخبار