أسماء الفريح
تشكل محافظات دير الزور والحسكة والرقة أساس منطقة الجزيرة السورية، التي تمتد على مساحة 76 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نسبة 41 بالمئة من مساحة سوريا الإجمالية، وتتوسع بمحاذاة الحدود الدولية للبلاد مع العراق شرقا وتركيا شمالا، وتقع بين نهري دجلة غربا والفرات شرقا، ما يمنحها موقعا استراتيجيا مهما.
تعرف منطقة الجزيرة بأرض الخير لما تتمتع به من غنى وتنوع في الثروات والموارد وخصوبة الأرض، فمن المنتجات الزراعية الأساسية مثل القمح والشعير والقطن والنخيل والخضار وفي مقدمتها الذرة، إلى الثروات الحيوانية، وصولا إلى حقول وآبار النفط والغاز، إضافة إلى الموارد المائية الغنية رغم الجفاف الذي سيطر على سوريا خلال السنوات الأخيرة.
كل هذه الوفرة في الخيرات والمقدرات لم تشفع لهذه المنطقة في الحصول ولو على القليل من الاهتمام الحكومي على زمن حقبتي الأسد الأب والابن المخلوعتين، فظلت الجزيرة لأكثر من خمسة عقود مهمشة، لا يتم تخصيصها بمشاريع استراتيجية تنهض بمحافظاتها التي يطلق عليها اسم “النامية”، مثل محطات لتوليد الكهرباء أو الطاقة، ولا مصانع لاستيعاب الكميات الكبيرة من المحاصيل الزراعية أو المنتجات الحيوانية ليشمل النفع كل السوريين.
ويقول الصحفي والناشط إبراهيم الحلبي في حديث لصحيفة “الثورة السورية”: إن منطقة الجزيرة تعد ثالث أكبر “خزان بشري” في سوريا بعد دمشق وحلب، وتبرز أهميتها أنها محاذية لدولتين مهمتين هما العراق وتركيا وترتبط معهما بمعابر برية.
وأضاف أن نهري الفرات ودجلة يمران بالجزيرة السورية، الأول بمسافة نحو 610 كيلومترات والثاني على مسافة خمسين كيلومترا، ما يمثل خزانا مائيا يؤمن السلة الغذائية لسوريا، إلى جانب ثرواتها الباطنية كالنفط في حقول مثل الرميلان والجبسة والعمر وغيرها، ووفق ما ذكرت إحصاءات فإن إنتاج سوريا من النفط وصل من قرابة ثمانمئة ألف إلى مليون برميل نفط قبل الثورة السورية.
وأوضح أن إهمال وحرب وتدمير النظام المخلوع للمنطقة، إلى جانب ما طالها من تخريب على أيدي ميليشيا “داعش” وبعد ذلك سيطرة قوات “قسد” على المنطقة، أثر كل ذلك على إنتاج هذا القطاع المهم، وخاصة أنه يعتبر العمود الفقري للاقتصاد في سوريا بشكل كبير، مشيرا أيضا إلى حقول الغاز الموجودة في الشدادي والطبقة.
الجزيرة أولوية للدولة السورية
أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي هاكان فيدان في دمشق الاثنين، بخصوص رؤية الحكومة لمنطقة الجزيرة السورية، أنها جزء أساسي من سوريا ولا يمكن تجاهلها، وشدد على أن الدولة تولي هذا الملف اهتماما بارزا.
وحول ذلك، يقول الصحافي الحلبي إن الجزيرة أولوية للحكومة السورية وللشعب السوري ككل، كما أنها تشكل صورة مصغرة عن سوريا لوجود مختلف مكونات المجتمع السوري فيها من عرب وأكراد ومسيحيين وآشوريين وإيزيديين وشركس وأرمن، مشددا على أنه بغض النظر عما تمتلكه هذه المنطقة من ثروات، فكل حبة تراب من سوريا ذات أهمية كبيرة، لكن الأهم من ذلك كله أن منطقة الجزيرة جزء لا يتجزأ من النسيج السوري ومن الجغرافيا السورية.
بدوره، يقول المحلل السياسي فراس رضوان أوغلو في حديث مماثل لـ”الثورة السورية”: “طبعا بكل تأكيد الجزيرة جزء لا يتجزأ من سوريا، ونحن نتكلم هنا عن ثلث مساحة سوريا تقريبا، فكيف لا يمكن لأي عاقل إلا أن يفكر بهذه الطريقة”.
وأضاف أنه “ثانيا نحن نتكلم عن مناطق النفط والقمح والقطن والفرات ودجلة.. أي جزء مهم جدا، ولذلك لا بد من تثبيت أنها جزء تابع للدولة السورية وليس لإنشاء دولة ثانية فيها، وشدد على أن الجزيرة ليست فقط جزءا مهما من سوريا بل هي نصف سوريا في كل شيء، وينبغي أن ينطلق الموضوع من هنا”.
ويتابع الصحفي الحلبي أن الدولة السورية اتخذت قرارا منذ التحرير بفتح قنوات التواصل مع كل الفرقاء الموجودين على الأرض السورية، مشيرا إلى أنه كان هناك بداية تواصل مع السوريين الدروز في السويداء، ومن ثم كان هناك تواصل أيضا مع كل مكونات الشعب السوري، وكان هناك خصوصية لأبناء الجزيرة السورية جميعا باللقاء معهم، عربا وأكرادا وغيرهم، ومع بعض العشائر العربية من أجل وضع رؤية شاملة.
وبين أن رؤية الدولة السورية لحلحلة كل الأزمات الداخلية كانت بالطرق السلمية، فكان التوصل لاتفاق العاشر من آذار الماضي، القاضي بدمج “قوات سوريا الديمقراطية” “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية بحلول نهاية العام الجاري 2025، ترجمة لهذه الرؤية رغم إصرار “قسد” على أن يكون هناك مسار أطول للتنفيذ.
وتابع الحلبي أن الحكومة السورية أرادت من هذا الاتفاق ليس إعطاء الشرعية لـ”قسد”، التي كانت حليفة لنظام الأسد المخلوع ولطالما كانت أيضا سببا في تعطيل مسار الثورة السورية ونجاحها، ولكن دمشق أرادت من الاتفاق تجنيب المنطقة الحرب وتجنيب أهاليها الويلات التي كان يمكن أن تؤدي إلى زيادة التهجير وحصول انتهاكات بحق المدنيين من قبل قوات “قسد”.
تأخير إنجاز اتفاق آذار وانعكاساته
يقول الباحث بسام حاج مصطفى لصحيفة “الثورة السورية”: يبدو أن التاريخ مصرّ على تكرار نفسه بشكل مهازل وكوارث، فقد سعت فرنسا إلى تقسيم سوريا في النصف الأول من القرن الماضي وفشلت، وها هي “إسرائيل” تعيد التجربة ذاتها بعد عقود من العزلة والاستبداد، وبعد حرب أعلنها الوريث المخلوع بشار الأسد لمدة أربعة عشر عاما على الشعب السوري دمرت كل شيء.
وأضاف أن ولادة سوريا ما زالت تتعثر بمساع من كان حليفا للمخلوع بشار وأصبح وريثا وحليفا لإسرائيل، حيث أدت ظروف هذه الحرب إلى ظهور ما يسمى “بقوات سوريا الديمقراطية”، وهي الاسم الجديد لـ “حزب العمال الكردستاني” في سوريا الذي بدأ بإلقاء السلاح وحل نفسه في بلده الأم، وانتقل ليبني أوهامه في الجزيرة السورية بأسماء متعددة آخرها “الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا”.
واعتبر أنه في الوقت الذي مكن التحالف الدولي من نمو هذه القوات خلال استخدامها عسكريا في الحرب ضد “داعش”، فإنه نظم بقاءها سياسيا بحيث تظل تحت السيطرة كي لا تتحول إلى مشروع انفصالي قوي يؤثر على المنطقة، لذلك عمد كوادر “حزب العمال الكردستاني” إلى بناء نظرية الوهم التي يحاولون فرضها بالقوة على الشعب السوري حاليا بدعم إسرائيلي بعد خسارة الدعم الروسي والأميركي وتراجع الدور الإيراني في سوريا.
ويتابع أنه يبدو أن زعماء وكوادر “حزب العمال الكردستاني” وفرعه السوري بدؤوا محاولة انتزاع الجزيرة السورية من سوريا قبل قراءة اتجاه الأحداث وقبل بدء معركة ردع العدوان، التي شكلت انعطافا حادا في المواقف الدولية تجاه كل سلطات الأمر الواقع التي شكلتها القوى الدولية مرحليا بسبب تنازع المصالح قبل سقوط نظام الأسد.
وأضاف أن الدول العربية تحولت إلى دعم وحدة الأراضي السورية ومعها بقية الدول، سعيا لإطفاء نقطة عدم الاستقرار وبؤرة الفوضى التي سمحت للنظام المخلوع وإيران بتحويل سوريا إلى مصنع مخدرات وجريمة وإرهاب، مبينا أن السوريين بعمومهم وبعد هروب بشار الأسد انتهت الحرب بالنسبة إليهم وينتظرون إعادة إعمار بلادهم، باستثناء “قسد” التي تقصف وتقتل وتعتقل وتهدد بالانفصال وتتبعها سلطة الأمر الواقع في السويداء.
ويقول إنه بنهاية العام الحالي تنتهي المدة المنصوص عليها لإنجاز الاندماج، ومع ذلك لم يحدث شيء، سنة ضاعت من السوريين، وما يزال يرزح أبناء الجزيرة السورية تحت نير التهجير والنزوح واللجوء والتشرد، أملاكهم مستباحة وأبناؤهم في المعتقلات والقمع سيف على رقابهم، فكل من يعترض على سياسات “قسد” من أي مكون كان، عربي أم كردي أم سرياني أم آشوري، معرض للقمع، في الوقت الذي تذهب فيه خيرات الجزيرة إلى جيوب زعامات “بي كي كي” ويظل السكان يتألمون من وجع ظروف معيشية سيئة جدا، فالخدمات معدومة والتعليم استبدل “تقديس” حافظ الأسد بعبد الله أوجلان.
من جانبه، يقول الصحافي الحلبي إن طلب “قسد” المزيد من الوقت لتنفيذ الاتفاق ما هو إلا مراهنة منها على الوقت، مذكرا بأن خطابها طائفي وهي تثير النعرات الطائفية وتؤجج الوضع في سوريا، كما فعلت عندما أيدت تحركات فلول النظام المخلوع في الساحل السوري، ودعمت الجماعات الخارجة عن القانون في السويداء، وفتحت قنوات تواصل مع قيادات إسرائيلية، مشيرا إلى أنها تسعى من كل هذه التصرفات لزعزعة الأمن والاستقرار في سوريا حتى تحافظ على كينونتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في الجزيرة السورية.
ويؤكد أن “قسد” رغبتها وهواها انفصالي، فقد طالبت بلا مركزية سياسية لكي تتمكن من تشكيل حكومة وإدارة المنطقة هناك بنفسها وفرض سياسة الأمر الواقع على أبناء الجزيرة السورية.
وأوضح أنه، وكما هو معلوم، فإن “قسد” تطبق نظاما ديكتاتوريا وتفرض أيديولوجيتها على المجتمع، مع أن أغلبية سكان المنطقة، سواء في الحسكة أم الرقة أم دير الزور، هم من العرب، وفي الدرجة الثانية من السوريين الأكراد، ولكن حتى هؤلاء الأكثرية تمارس عليهم أيديولوجية من خلال مناهجها، مما يزيد من الاحتقان الطائفي جراء السياسات التي تتبعها ضدهم.
وأشار إلى أن لدى “قسد” أكثر من خمسة إلى ستة أجهزة أمنية، وهناك محاكم “إرهاب”، وكل من يعارضها توجه له الاتهامات بالانتماء إلى “داعش”، مبينا أن ذات السياسة طبقها النظام المخلوع، حيث إن حافظ الأسد كان يتهم معارضيه بالانتماء للإخوان المسلمين والسلفية والقاعدة من أجل التخلص منهم، لافتا إلى أن “قسد” تطبق ذات الممارسات بحق كل من يعارضها وفي قرى يشكل الأكراد أغلبية فيها.
يعود الباحث رضوان أوغلو ليؤكد أن منطقة الجزيرة بخيراتها وبكل ما فيها جعلت “قسد” تفكر بإنشاء حكم ذاتي “دولة مستقلة”، لكن ذلك غير ممكن بكل الأحوال، فهي محاصرة من العراق وتركيا والدولة السورية فلا تستطيع ذلك.
ويذكر رضوان أوغلو، أن “قسد ما تزال تتصرف بطريقة ميليشياوية، وثانيا ما يزال حزب العمال الكردستاني يسيطر على القرار فيها، وثالثا طالما أن بيدها السلاح ستظل تظن أن لديها القدرة على التحكم بالقرار، وهذا خطأ كبير لأن الدول لن تسمح بذلك”.
هل ما زال تنفيذ الاتفاق ممكنا؟
يقول الباحث الحاج مصطفى إن مقومات الاستمرار السياسي معدومة، فالكرد السوريون احتفلوا بعيد النوروز وبيوم العلم الكردي في باقي مناطق سوريا وفي العاصمة دمشق بحماية الأمن العام السوري، في الوقت الذي منعت فيه “قسد” رفع العلم الوطني في الجزيرة في احتفالات عيد التحرير.
ويوضح أنه إقليميا لا أحد يدعم أي مشروع سياسي يذهب نحو الانفصال، أو تشكيل مقدمات هذا الانفصال في أي مكان من سوريا، ناهيك عن المعارضة التركية لوجود وسيطرة بقايا حزب العمال الكردستاني في سوريا أو على الحدود السورية- التركية، حيث دأبت “قسد” على إخراج جماعاتها للتجمع هناك والمطالبة بإطلاق سراح أوجلان الذي دعا إلى حل حزب العمال الكردستاني وأعلن إلقاء السلاح.
ويضيف أنه دوليا تشدد دبلوماسيات كل الدول على ضرورة التمسك بوحدة الأراضي السورية والشعب السوري، ولم يبق إلا إسرائيل التي تدعم الفوضى والاقتتال في سوريا للضغط على دمشق وانتزاع تنازل منها باتفاقيات جديدة ترفضها الدولة السورية ومعها كل الدول الإقليمية، مبينا أنه إذا بقي مظلوم عبدي صديقا وأداة لنتنياهو في سوريا، فكل المسارات السياسية ستغلق وستكون الأيام القادمة حاسمة وستضطر “قسد” لمواجهة السوريين في الجزيرة أولا.
ويؤكد أن الجزيرة السورية التي عانت من إهمال وإقصاء ونهب نظام الأسد لخيراتها تنتظر عودة أبنائها لإنصافها والمساهمة في رحيل من يسلب قرارهم لتشارك في بناء سوريا الجديدة وطنا لكل السوريين.
وختم بالقول إن حقوق السوريين الكرد والسريان والآشوريين والتركمان والعرب مؤجلة إلى حين عودة روح سوريا الجديدة إلى الجسد السوري، ولا عزاء للمجرمين.
بدوره، يعرب الباحث رضوان أوغلو عن اعتقاده بأن تأخير تنفيذ اتفاق العاشر من آذار يعني أن هناك حربا قادمة ضد “قسد”، مشيرا إلى أن كيفية إدارة هذه الحرب ومدتها ترتبط بنقطتين أساسيتين: تركيا، ومعروف موقفها، لكن سنرى كيف ستتصرف دمشق وواشنطن حيال ذلك.
من ناحيته، يرى الصحافي الحلبي أن هناك إمكانية كبيرة لإنجاز اتفاق آذار، وأشار إلى أن “قسد” ظهرت بعد “داعش” وهي تدير سجونا ومخيمات معظم من فيها يتبعون للميليشيا المذكورة، ولذلك من أجل الحد من خطر “داعش” ينبغي انتقال هذه السيطرة إلى أجهزة الدولة السورية، كون معظم الموجودين فيها من العناصر الأجنبية (تسوية أوضاعهم.. ترحيلهم إلى بلدانهم لمحاكمتهم فيها).
وبيّن أن هناك مسألة مهمة وهي الولايات المتحدة، موضحا أنه بعد أن رفعت العقوبات عن سوريا وباتت حليفا وداعما للدولة السورية، وهي أيضا تتمتع بنفوذ قوي على “قسد”، فبإمكانها أيضا الضغط عليها لتسريع تنفيذ الاتفاق، خاصة أن استقرار سوريا لا يصب في مصلحة الشعب السوري فحسب، بل أيضا سينعكس على دول الجوار.
وتابع أنه ينبغي أيضا تجفيف منابع الإرهاب في سوريا، وللوصول إلى ذلك ينبغي أن تبسط الدولة السورية سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية، كما أن دمشق أصبحت شريكا في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، لذلك فإن تعنت “قسد” وتأخيرها عملية الدمج سيزيد من تنشيط الخلايا الإرهابية الموجودة في البلاد.
ويعتبر الحلبي أن واشنطن ستدعم عملية تنفيذ الاتفاق، مشيرا إلى أنه لا يمكن هنا إغفال الدور التركي والسعودي والأردني، وهم أيضا جزء أساسي من التحالف الدولي ولهم مواقف واضحة وداعمة للدولة السورية، وهم مع رؤية سوريا واحدة موحدة ويعارضون أي حركات انفصالية داخلها.
أخبار سوريا الوطن١-الثورة
syriahomenews أخبار سورية الوطن
