آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الجسد يُمَسْرح الـ”أوهام” في دمشق

الجسد يُمَسْرح الـ”أوهام” في دمشق

بديع صنيج

 

الرقص على حبال الوهم، جعل الطلاب الستة يختبرون الوقوع من أرضية مائلة، تاركين للجاذبية أن تفعل فعلها في أجسادهم التي تتدحرج بتسارع كبير، قبل أن ترتطم بأرض المسرح.

 

أن تعبّر بالجسد عن الوهم، وتصبح الحركة وحدها بكل ما تمتلكه من دراما هي المنبع الغزير للدلالات، هو التحدي الأكبر الذي واجه 6 طلاب يسعون لنيل درجة الإجازة في قسم الرقص التابع لــ “المعهد العالي للفنون المسرحية” في دمشق، وذلك في عرض “أوهام” الذي قُدِّم في الصالة متعددة الاستعمالات في “دار الأوبرا” السورية.

 

ولتحقيق تلك المعادلة كان عليهم تسخير طاقات أجسادهم وتوجيهها إلى المساحة الفاصلة بين الواقع والحلم، وتفعيل الصراع في المنطقة الواقعة بينهما، والتي تُنشئ أوهاماً عديدة، بحيث تتراكب الضَّياعات ويتعزز التَّوهان، فالأحلام لا تتحقّق، والواقع يستمر في غِيِّه وتَسلُّطه.

 

هنا كان على الطلاب بإشراف أستاذهم، معتز ملاطيه لي، أن يُهندسوا كل شيء، أفكارهم عن الوهم، وسقطاتهم المتكررة على أرض الواقع، واستغراقهم في الحلم، وأن يكتبوا نوتات أجسادهم في صراعها الدائم للفكاك من الأوهام، بحيث يخرجون من صيغة عرض راقص تقليدي باتجاه مسرح جسد يُعزّز دراما الحركة ويُطلِق معانيها إلى أبعد حد.

 

الرقص على حبال الوهم، جعل من الطلاب الستة (وجد منصور، الزهراء هابيل، سليم رضوان، كرم أبو قاسم، نجيب الحكيم، ويوسف إبراهيم)، بمساندة زملاء لهم من السنوات السابقة، يختبرون الوقوع من أرضية مائلة، تاركين للجاذبية أن تفعل فعلها في أجسادهم التي تتدحرج بتسارع كبير، قبل أن ترتطم بأرض المسرح.

وإلى جانب ذلك أن يحقّقوا التوازن الدقيق ضمن الصراع المفروض عليهم، بين رغباتهم الشخصية، وإملاءات المجتمع المحيط بهم، وما يستدعي ذلك من إبراز الفرادة على صعيد الحركة، وعدم الانجرار إلى التقليد الأعمى والانسياق نحو التكرار المُمِض والاستسهال في دوزنة انفعالات الجسد، ما شكَّل مشهديات غاية في الدِّقة والجمال لعمارة الأجساد المتصارعة، كثنائيات وكمجموعات، في سياق الحدث الدرامي المميز.

 

وبين أوهام السقوط، وأوهام الحب، وأوهام الشهرة، وأوهام الشراكات الزائفة، وغير ذلك، استطاع الطلاب أن يجعلوا من حركاتهم وارتطامات أجسادهم ببعضها وبخشبة المسرح، موسيقى موازية تنجدل مع المختارات الموسيقية الجاهزة، معززة إيقاعاتها بإيقاعات خاصة، وكأننا أمام صيغة تبادلية للأصوات تخرج من الجسد ثم لا تلبث أن تعود إليه، ضمن تبادل للأثر الدرامي، ما جعل نوتات الحركة تتفعَّل أكثر في تعبيراتها الآسرة، ويصبح لها صوتها الأعلى والأبلغ.

 

ومثلما لعبت الإضاءة لعبة الإخفاء والإظهار (تصميم جواد أبو كرم)، كذلك فعلت الأجساد في إضمارها وإبرازها سيرورة الفعل الدرامي، إذ كان الراقصون يؤدون حركاتهم في سياق من التناقضات التي تعيشها شخصياتهم، فيصطدمون دائماً بمعارضة أفكارهم وأفعالهم، ما يُنتج توتُّراً مستمراً في الحدث الدرامي، تظهر انعكاساته على الحركة، في التجاذبات والتنافرات، في القيود والحرية، في الرضوخ والتمرُّد، في الاستسلام ورفض الإملاءات، كل ذلك خلق متعة خاصة لمسرحة الأوهام وتجلياتها على الخشبة.

 

وتعززت جماليات العرض (11 – 12 – 13 تموز/يوليو الجاري)، بلوحاته الــ 12 من خلال التصعيد الدرامي المستمر، والذي دفع بكل شخصية لأن تثبت ذاتها، وفي طريقها لذلك كانت تسعى لإلغاء الآخر وتهميشه وتسخيف أفكاره ومنجزاته، لذلك كان التَّدافع على أشده والصِّراع بمستوياته العليا، أثناء محاولة الاستئثار بالمكانة الخاصة على قاعدة التمثال، فالكل راغب بأن يكون هو الأجمل والأكثر شهرة، لكن الصراع هشَّم كل ذلك، تاركاً قاعدة التمثال خالية من المُثَبَّتين عليها.

هنا كانت حركة الراقصين وتدافعاتهم مشحونة بالانفعال، ومدروسة بدقة، مع مساحة كافية للارتجال الذي يفرضه ظرف الحدث الخاص، لكن كانت للعرض طريقته في تدمير الأوهام من خلال كرة كبيرة تطيح بجميع الواقفين على منصّة الشهرة، وجاءت بمثابة صدمة للراقصين، وفي الوقت ذاته صدمة للمشاهدين، ولا سيما في ظل الأداء المتقن للطلاب الذين اختبروا آليات جديدة للسقوط، بعدما راقصوا تلك الكرة على أكتافهم.

 

السينوغرافيا التي صمّمها محمد الزهيري كانت على بساطتها سنداً درامياً حقيقياً للعرض ككل، إذ هيَّأت المناخ المناسب للأحداث وإبراز دراميتها، وعززت التصاعدية ومنحت الراقصين مساحة مهمة للظهور في فضاءات صراعاتهم المديدة.

 

في حديث خاص مع “الميادين الثقافية”، أوضح المشرف على العرض، معتز ملاطيه لي، أن “العرض صيغ بكلّيته خلال 21 يوماً، فبعد أن كان من المفترض على الطلاب أن يصمّموا كل شيء ضمن “مختبر التصميم” استعضنا عن ذلك بفرضيات، ثم قام الطلاب بمشاركتي في صياغتها الحركية، بعد اختيار موسيقى مناسبة”.

 

وأضاف: “دوري كان تصفية وتصويب واستبعاد جميع الحركات التقليدية والمكرّرة، بمعنى أنني صقلت وأعدت هيكلة العرض، ساعياً ألا يكون عرضاً تقليدياً راقصاً، بل دفعته باتجاه أن يكون مسرح جسد، لأننا نعاني ونظهر معاناتنا ليس فقط بوجوهنا وإنما بأجسادنا وتقلصاتها وانقباضاتها… فالجسد يتأثر بكل شيء وتعبيراته المختلفة تظهر للخارج وفق درامية خاصة”.

 

سيرياهوم نيوز 1_ الميادين

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...