تهديد بيئي يحدق ليس فقط بسوريا بل بالعالم بأسره، فأزمة الجفاف التي تشهدها سوريا هذا العام وتعد الأكثر حدة منذ منتصف الثمانينيات لا يمكن أن تُصنف على أنها محلية أو منفصلة عن كارثة أوسع نطاقاً تطال العديد من الدول، وهي تتطلب تدخلات سريعة وآليات حماية في ظل تغيرات مناخية غير مسبوقة.
أزمة محلية – إقليمية
في وقت تشهد فيه سوريا ودول المنطقة بما فيها تركيا واليونان موجة حرائق واسعة مرتبطة بالصيف والجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، تواجه بلدان أخرى انخفاضاً تاريخياً في معدلات الأمطار، أدى إلى تراجع منسوب الأنهار مثل دجلة والفرات اللذين يغذيان سوريا والعراق، بالإضافة إلى تفاقم الضغط على الموارد المحدودة أصلاً.
استجابة حكومية
بمواجهة التحديات المترتبة على أزمة الجفاف غير المسبوقة في سوريا، وضعت الحكومة سلسلة إجراءات وخطط إسعافية، متوجهة بذلك نحو استراتيجية شاملة تجمع بين التشريع والدعم المادي والتقنيات والتوعية، للحد من آثار الجفاف بشكل فوري ومستدام.
وهو ما تمت بلورته اليوم بانطلاق أعمال الاجتماع التنسيقي للاستجابة الوطنية لأزمة الجفاف بمشاركة منظمات ومؤسسات دولية وحكومية، وبهدف تعزيز الجهود المشتركة، لمواجهة التداعيات السلبية لهذه الأزمة.
شهور من العمل الحثيث منذ شهور
في أيار الماضي، أعلنت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي أن انخفاض الموارد المائية دفع لتعديل الخطة الصيفية بتخفيض المساحات المزروعة بحوالي 21 ألف هكتار ورصد وضبط آبار الري المخالفة لمعالجة الاستنزاف الجوفي.
وفي حزيران الماضي اجتمع وزير الزراعة السوري الدكتور أمجد بدر مع الجهات المعنية لاتخاذ عدة إجراءات عاجلة، منها: سنّ تشريعات لتنظيم استخدام المياه، وتفعيل منظومة الإنذار المبكر لرصد الجفاف، واعتماد أصناف زراعية مقاومة للجفاف ونقل تقنيات حديثة للمزارعين، إضافة إلى دراسة إعادة تدوير المياه واستخدامها الآمن.
أما بالنسبة لخطة الطوارئ لصيف 2025، فقد عملت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث السورية على تجهيز إجراءات استباقية لمواجهة حرائق الغابات والمزروعات، تضمنت إنشاء غرف قيادة، وفرق سريعة، وحملات توعية وتنسيق دؤوب.
منظمات دولية تدق ناقوس الخطر
مع ارتفاع درجات حرارة الأرض وتزايد مظاهر الاحتباس الحراري، دقّت منظمات دولية ناقوس الخطر تحسباً لتداعيات الجفاف وموجات الحر على الأمن الغذائي العالمي، ما يؤكد أن أزمة الجفاف في سوريا ليست محلية بشكل حصري أو ظاهرة معزولة بل هي جزء من كارثة تهدد العالم.
وكان البنك الدولي كشف في وقت سابق أن الجفاف الحاد ارتفع بنسبة 233 بالمئة خلال 50 عاماً الأخيرة، محذراً من أن تأثير ذلك لا يقتصر على الموارد المائية، بل يسبب أيضاً نقصاً في رأس المال البشري، ويؤدي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد.
دعم دولي لمواجهة أزمة الجفاف
بدأت الولايات المتحدة وأوروبا تخفيف القيود عن سوريا بعد رفع العقوبات للسماح باستيراد الأسمدة وتقنيات الري، ما يعزز الإمكانيات التمويلية والزراعية، في حين أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قبل أيام أنه حصل على مدفوعات بقيمة 7.9 ملايين دولار عن وثيقة تأمين ضد الجفاف في سوريا طُورت بالتعاون مع شركات هاودن وهيسكوكس وسويس ري.
القاتل الصامت
موجات الجفاف في جميع أنحاء العالم تحولت إلى قاتل صامت، ما يشدّد على ضرورة استجابة دولية واسعة لا تقتصر على استيراد الغذاء فحسب، بل تتطلب تكاملاً بين دعم الزراعة، وإدارة المياه، والاستثمارات المناخية، والحماية المجتمعية لضمان الأمن الغذائي والمائي على المدى الطويل، مع ضرورة إشراك المجتمع المدني ورفع الوعي المجتمعي.