عدنان كامل الشمالي
*مقدمة
تواجه سوريا في عام 2025 أزمة مائية غير مسبوقة بفعل الجفاف المستمر، حيث انخفضت معدلات الأمطار بنسبة تُقدّر بين 30 إلى 45٪ عن المعدلات الطبيعية، وفق بيانات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). انعكست هذه الظاهرة على الموارد المائية السطحية والجوفية، وعلى القطاع الزراعي، وأثرت بشكل مباشر على سبل عيش ملايين السوريين في مختلف المحافظات. تأتي هذه الأزمة في سياق مناخي متقلب، وسط تحذيرات من أن استمرار الهبوط في معدلات الأمطار خلال عام 2026 سيؤدي إلى تفاقم الوضع المائي والغذائي بشكل كارثي، ما لم تُعتمد خطة استباقية شاملة.
*أثر الجفاف على الموارد المائية
أدى الجفاف المتواصل إلى انخفاض كبير في منسوب المياه في الأنهار والسدود الرئيسية، خاصة في حوض نهر الفرات، حيث سجّل سد الفرات في محافظة الرقة منسوبًا يقارب 298.3 متر فوق سطح البحر حتى منتصف عام 2025، مقارنة بالمستوى الطبيعي البالغ 304 متر، ما يعكس تراجعًا في حجم التخزين المائي. كما تراجعت مستويات مياه الشرب في العديد من المناطق، وأصبحت بعض المحافظات تعتمد على مصادر ملوثة أو غير آمنة. في محافظتي القنيطرة والسويداء، على سبيل المثال، سجلت السدود نسب تخزين ميتة أو شبه معطّلة، وفق بيانات مديريات الموارد المائية المحلية وتقارير إعلامية محلية.
*التأثير على الزراعة والأمن الغذائي
تأثرت الزراعة بشكل مباشر نتيجة قلة الأمطار ونضوب مصادر الري، خاصة في المناطق التي تعتمد على الزراعة البعلية. وانخفض إنتاج القمح، المحصول الاستراتيجي، إلى مستويات تُقدّر بأقل من 800 ألف طن عام 2025، بينما تحتاج البلاد لأكثر من 4 ملايين طن لتأمين حاجاتها السنوية. كما شمل التأثير محاصيل الزيتون والخضروات والحبوب الأخرى.
*التداعيات الصحية والاجتماعية
نقص المياه النظيفة أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالمياه، لا سيما في المناطق الريفية والمخيمات التي تفتقر إلى البنية التحتية. كما فاقم الجفاف من معدلات النزوح الداخلي، وازداد الضغط على الخدمات العامة في المدن. وقد أشار تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن أكثر من 12 مليون سوري باتوا يعانون من صعوبات في الوصول إلى مصادر مياه آمنة.
*ضرورة خطة استباقية للعام القادم
إن استمرار معدلات الهطول المتدنية خلال عام 2026 قد يؤدي إلى جفاف بعض الأحواض بشكل كامل، ويهدد المخزون الجوفي في مناطق حيوية مثل الغاب وسهل حوران والجزيرة السورية. لذلك، فإن الحاجة ملحّة لوضع خطة وطنية استباقية تشمل: – إدارة الطلب على المياه: من خلال ترشيد الاستهلاك المنزلي والزراعي. – إعادة تأهيل شبكات الري والصرف: بما يضمن تقليل الفاقد وتحسين الكفاءة. – إنشاء خزانات لتجميع مياه الأمطار واستخدام الآبار المدروسة: للاستفادة منها في فترات الجفاف. – تعزيز الاستعداد المجتمعي: من خلال حملات توعية وتوزيع الأدوات المنزلية الموفرة للمياه. – تحديث بيانات الموارد المائية: عبر رصد منسوب المياه في السدود والينابيع والآبار بشكل شهري، وتوفير هذه البيانات للباحثين وصنّاع القرار.
*خاتمة
الجفاف في سوريا لم يعد ظاهرة استثنائية، بل أصبح نمطًا متكرّرًا يستدعي تغييرًا جذريًا في طريقة إدارة المياه والموارد الطبيعية. ومع توقعات استمرار التغيّر المناخي، فإن التأخّر في الاستجابة يُنذر بمخاطر جسيمة على الأمن المائي والغذائي والصحي في البلاد. المطلوب اليوم هو اتخاذ خطوات جريئة قائمة على العلم والتخطيط، لضمان بقاء الحياة الكريمة في وجه الندرة المتزايدة.
المصادر: منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وزارة الموارد المائية السورية، وزارة الزراعة السورية، تقارير إعلامية محلية منشورة حتى آب 2025.
(موقع اخبار سوريا الوطن الالكتروني-1)