مالك صقور
تعجز قواميس لغات العالم ومعجمات الشعوب بكل مافيها من كلمات ومفردات أن تصف ماجرى في فلسطين منذ عام 1936 وحتى الآن ، خاصة في غزة في العامين الأخيرين .. من مجازر وإبادة جماعية وهدم البيوت على ساكينيها وهدم المؤسسات ودور العبادة والمشافي والمدارس ولم يبق في قطاع غزة حجر على حجر وحتى خيام المشردين لم تسلم من قنابل الجيش المحتل بالإضافة إلى الحصار من الجهات الست .. فلا ماء ولاغذاء ولا دواء . فمشهد أطفال غزة وهم يمدون أيديهم بمواعين من أجل حفنة طعام متزاحمين مشهد برسم الدول الكبرى وبرسم حكومات الدول العربية ، أما منظر الأطفال وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة وأجسادهم الهزيلة وهم يتضورون جوعاً فإنه منظر تتفادى من رؤيته العيون . وهذا كله أمام عيون العالم الذي لا يحرك ساكناً كي ينقذ ما تبقى من أهل غزة .. لأن المخطط سينفذ إلى النهاية ، تفريغ غزة من أهلها ، وكذلك الضفة الغربية . فهدم البيوت واقتلاع الأشجار وتشريد الشعب وبناء المستوطنات وتدنيس مسجد الأقصى ما زال مستمراً .. وبعد كل هذا لم تستسلم المقاومة ، ولم يحقق حاكم ” إسرائيل ” هدفه ، لا بنزع سلاح المقاومة ، ولا بتحرير الرهائن .
وإسرائيل التي استطاعت خلال العقود الماضية أن تخدع العالم بأنها واحة الديمقراطية والسلام وأنها دولة حضارية جدا تحافظ على حقوق الإنسان ، كشفت عن وجهها القبيح ومبدئها بالقتل والسحل والدم .
في كتابه (( الطوطم و التابو )) ، كتب سيغموند فرويد عن الأقوام المتوحشة كيف يتم التعامل مع الأعداء . يقول : ” إذا كنا ميالين لأن ننسب إلى الأقوام المتوحشة ونصف المتوحشة فظاعة لا حد لها تجاه أعدائهم ، فسوف نطلع ببالغ الاهتمام على أن قتل إنسان لدى هؤلاء يقضي باتباع سلسلة من التعليمات التي تخضع للتقاليد التابوية . ويمكن أن نصنف هذه التعليمات في أربع مجموعات ، فهي تتطلب :
1- مصالحة العدو المقتول .
2- تقييدات في القتل .
3- تصرفات تكفيرية .. تطهيرات للقاتل .
4- إجراءات طقوسية معينة . ففي أثناء الدخول الاستعراضي للمحاربين تقدم الأضحيات من أجل مصالحة أرواح الأعداء ، وإلا فإن مكروهاً ينتظر المحاربين . فيقام حفل يجري فيه ندب العدو المقتول ويطلب منه السماح ، يقولون : لا تغضب منا ، لقد أحضرنا لك أضحية ، الآن يمكن لروحك أن تكون راضية وأن تدعنا في سلام . لماذا كنت عدواً لنا ؟ ألم يكن أفضل لو بقينا أصدقاء ؟
يضرب فرويد أمثلة على ذلك ، وكيف الأقوام المتوحشة تتعامل مع أعدائها ، وكيف تتطهر من عملية سفك الدم . فماذا سيقول علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ عن صهاينة الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ؟ سيكتب : عار البشرية .. لقد قبحت إسرائيل وجه التاريخ . والساكت عن الحق شيطان أخرس .
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)