مي علي
مجدّداً، يبدو السودان واقفاً عند مفترق طرق حرج وخطير، مع اشتداد حالة التحشيد في ما بين الجيش و«الدعم السريع»، ووصولها إلى حافّة الاشتباك الذي يمكن أن يدفع نحو اقتتال أهلي دموي، وخصوصاً أن الانقسام بدأ يتسرّب إلى الفاعليات والمكوّنات كافة. وعلى رغم طغيان العناوين المحلّية على مشهد هذا الانقسام، إلّا أن العوامل الخارجية تَظهر حاضرةً بقوّة في ظلّ ما يبدو أنه تنازع بين السعودية والإمارات وإثيوبيا من جهة، ومصر من جهة أخرى، بينما تبقى الولايات المتحدة عاملَ موازنةٍ يترقّب الأطراف المعنيّون كافة ما سيؤول إليه دوره في نهاية المطاف
ad
الخرطوم | دقّ الجيش السوداني، فجر أمس، ناقوس الخطر، بتحذيره من أن البلاد تمرّ بمنعطف تاريخي خطير بعد قيام قوات «الدعم السريع» بتحشيد قواتها وإعادة نشرها داخل العاصمة الخرطوم وبعض المدن، من دون موافقة قيادة الجيش أو التنسيق معها. واعتبرت القيادة العامة، في بيان، أن إعادة التمركز تلك تخالف مهام «الدعم» ونظام عملها، كما أنها مخالِفة لتوجيهات اللجان الأمنية المركزية والولائية، منبّهةً إلى أن الاستمرار في هذه الخطوة سيؤدّي إلى انفراط عقد الأمن في البلاد. وأكدت أن محاولاتها «لم تنقطع لإيجاد حلول سلمية لهذه التجاوزات، حفاظاً على الطمأنينة العامة، وانطلاقاً من عدم رغبتها في نشوب صراع مسلّح يقضي على الأخضر واليابس».
ad
مقالات مرتبطة
بصمات الخارج لا تخفى: مصر «تكافح» لحفظ نفوذها محمد عبد الكريم أحمد
وأثار بيان الجيش ردود فعل متباينة؛ إذ استغربه بعض المراقبين بالنظر إلى أن «الدعم السريع» تنتشر أساساً على امتداد الجغرافيا السودانية، وتكاد لا تخلو مدينة من معسكر تدريبي خاص بها، فضلاً عن أن قيادة الجيش هي التي منحت قائد تلك القوات، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ما له من قوة وسطوة، ودأبت على التأكيد أن «الدعم» خرجت من رحم القوات المسلّحة في الوقت الذي كان يطالب فيه الحراك الشعبي بحلّها. لكن بيان القيادة العامة جاء تحديداً على خلفية تحرّك قوات دقلو نحو مدينة مروي شمال السودان، وهي مدينة حيوية فيها أكبر سدود البلاد، وهو ما استنفر على ما يبدو الجيش، بالنظر إلى أن قوات مصرية موجودة في مطار مروي الاستراتيجي، منذ ما يقارب الشهرين. وأكدت «تنسيقية لجان المقاومة» في مروي ذلك الوجود، وندّدت بما سمّته «احتلال الجيش المصري لمطار مروي المدني وتحويله إلى مطار حربي». كما ندّدت بالوجود المصري في قرية مروي لاند السياحية. وفي الوقت نفسه، استنكرت اللجان تمركز «الفرقة 19 مشاة» التابعة لـ»الدعم السريع» في أراضي المواطنين في المدينة نفسها، مطالبةً برحيل الجيش المصري من مطار مروي وتفكيك القاعدة الحربية هناك، وأيضاً بانسحاب «الفرقة 19» من المدينة.
ad
ويتّهم مصدر في «الدعم السريع»، في حديث إلى «الأخبار»، الجيش المصري بأنه «يتحرّك بحرية كاملة في مطار مروي، ويعمل على تهريب ثروات البلاد من دون أيّ رقيب وبعلم الجيش السوداني»، عازياً وجود دقلو في المدينة إلى «ضرورة مراقبة وكشف الوجود المصري في مروي، في ظلّ تقاعس الجيش عن ذلك». ويلفت المصدر إلى أن «حمديتي يتحرّك وفق استشارات يقدّمها له قادة الدعم السريع، الذين في الغالب هم قيادات أحالها الجيش في أوقات سابقة إلى التقاعد»، كاشفاً أن «قائد القوة التي دخلت إلى مروي، هو أحمد عمر، وهو ضابط سابق في القوات المسلّحة». ويؤكد المصدر أن «قوات الدعم السريع لا تزال في مدينة مروي، على رغم تحذيرات القوات المسلحة وطلبها إخلاء المدينة خلال 24 ساعة». وشهد صباح أمس حشداً لآليات تابعة لـ»الدعم» قادمة من دارفور نحو الخرطوم، وهو ما أنبأ بأن العاصمة قد تكون مسرحاً للمواجهة القادمة بين الطرفَين.
ad
قرأ مراقبون في بيان الجيش محاولةً لاستمالة الرأي العام ضدّ «الدعم السريع»
في المقابل، يوضح مصدر في الجيش، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «قوات الدعم السريع في العادة لا تأخذ الإذن للانتشار في أيّ مدينة»، مضيفاً إن «تحرّكاتها في مدينة مروي تأتي من هذا المنطلق». ويحتمل المصدر أن «يكون حميدتي قد فوجئ بردّة فعل الجيش نحو تحرّكاته في مروي»، كاشفاً أن «الأخير في وضع استعداد منذ فترة طويلة، من دون أن يعلم أحد دواعي ذلك». وكانت «الدعم السريع» قد قالت في بيانها إنها «تعمل بتنسيق وتناغم مع قيادة القوات المسلّحة وبقية القوات النظامية»، مضيفةً إنها تنتشر في كلّ أرجاء البلاد من «أجل تحقيق الأمن والاستقرار». وتابعت أن «وجودها في الولاية الشمالية في مدينة مروي على وجه التحديد يأتي في إطار تأدية مهامها وواجباتها التي تمتدّ حتى الصحراء».
ad
إزاء ذلك، قرأ مراقبون في بيان الجيش محاولةً لاستمالة الرأي العام ضدّ «الدعم السريع»، ولا سيما بعد تعثّر التوقيع على «الاتفاق السياسي النهائي»، والذي يُفترض بموجبه دمج «الدعم» بالمؤسّسة العسكرية. وكانت المواقف قد تباعدت بين قيادة الجيش التي طالبت بأن تكون «الدعم» تحت قيادتها، وبين حميدتي الذي رفض ذلك، وطالب بأن تكون قواته والجيش تحت قيادة رأس الدولة المدني مباشرة. أيضاً، لا يستبعد المراقبون أن تكون لمنتسبي النظام السابق يدٌ في التحشيد الحاصل حالياً، بالنظر إلى أنّ الإسلاميين، سواء كانوا في القوات المسلّحة أو في المؤسّسات المدنية، لا يُعدّون أصحاب مصلحة في عملية «الإصلاح» الأمني والعسكري التي نصّ عليها «الإطاري». ومع اشتداد الأزمة، تداعت القوى السياسية لعقد اجتماع بدعوة من رئيس «حزب الأمة»، فضل الله برمة ناصر، في حين اجتمع قادة الحركات المسلّحة مع قيادتَي «الدعم السريع» والجيش، في محاولة لانتزاع فتيل التوتّر.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية