آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الحداثة العربية المسلوبة

الحداثة العربية المسلوبة

من مفارقات الكتابة على جهاز المحمول وهو ظاهرة تقنية حداثية أني أكتب كلمة محددة فإذا به يعطي كلمة غيرها ..
أردت أن يكون العنوان (الحداثة العربية المشلولة) لكنها أصرت مرات ومرات على أن تظهر المسلوبة ..فليكن لأن الأمر يكاد يكون صحيحاً فمن يعمل على جهاز أو تقنية ليست من ابتكار حضارته فسيكون تابعاً لها شاء أم أبى.
بالعودة إلى الحداثة العربية التي عادت إلى الواجهة من جديد ثمة آراء كثيرة في ذلك من أدونيس إلى الجابري إلى عبد الإله بلقزيز إلى أحمد دلباني في كتابه المهم قداس السقوط الذي صدر عن دار التكوين في دمشق.
قتل الأب ..
يرى دلباني أننا لم نشهد قتل الأب في ثقافتنا العربية الحديثة والمعاصرة، هذا هو مشكل الحداثة الرئيس عندنا. لم تعرف ثقافتنا انسلاخاً من عوالم المرجعيات المتعالية عن التجربة ولم تشهد أفول اللوغوسو إنما أعادت إنتاج زمن الأب الثقافي. الرمزي في صورة تلبس زي العصر. الحداثة جوهرياً أنسنة لا تمذهب وهي تفكك للمطلق لا إعادة إنتاج له إنها ذلك الزمن الحضاري الذي شهد عطلة الإلهة كما يحب أن يعبر هيدغر أنها نشيد البدايات التي أعلنت نهاية العوالم القديمة، واضمحلال السماوات الفارغة إنها ـ في كلمةـ نيرون الذي شرب نخب احتراق الأبوية وشهد بداية عهد المغامرات البهية في السفر إلى العالم، وقد أصبح غابة توشوش بالسر من بعيد. لم نعرف الحداثة بوصفها انقلاباً على استبداد البنيات المرجعية للفكر.
إننا لم ننتج حداثتنا الخاصة وإنما دخلنا العصر من بوابة الاستهلاك مصفدين بأغلال الروح القديمة وسيادة المركز المرجعي في الفكر والممارسة على السواء تشهد على ذلك خيباتنا في محاولات تحديث مجتمعاتنا وفشلنا في القطع مع بنيات التقليد والماضوية ما جعلنا نحيد عن ترسيخ قيم التعدد والاختلاف والديموقراطية بالمفهوم الحضاري الشامل هذا ربما ما كان مدار بعض صور النقد الجذري في الفكر العربي التفكيكي المعاصر الذي يرجع تحديداً إلى لحظة أدونيس ومحاولاته الرائدة في فضح بنيات الهيمنة والانغلاق في منظومات فكرنا الأيديولوجية آنفة الذكر إذ إن كل مذهبية حبلى بالجلادين كما يعبر أدونيس، وهل كانت حياتنا المعاصرة في مستوى النظام السياسي وفي مستوى النظر الفكري غير ذلك؟؟؟؟
هل كانت أيديولوجياتنا الحديثة التي اعتمدناها مرجعيات للتحرر وللتقدم الاجتماعي والإنساني غير ذلك أيضاً؟؟؟؟
ألم تكن في تجلياتها الأدبية والسياسية مسوغاً للاضطهاد وقمع الرأي المخالف وترسيخ أحادية الراي والنظر؟؟؟؟
ألم تحبل كلها بالجلادين من كل صنف؟؟؟؟؟
وهل هي تختلف في هذا عن ممارسات الفكر الأصولي الديني القائم على ادعاء احتكار الحقيقة النهائية للعالم والأشياء من أجل تبرير الوصاية والحجر على العقل؟؟؟؟؟
أما فتحي المسكيني فيناقش الحداثة التي درسها محمد عابد الجابري ولا سيما في ثلاثيته عن العقل العربي، وهو يرى أن
قارئ التراث الذي يتقمّصه الجابري إنّما يعاني هو ذاته من مفارقة لا يراها: من جهة، هو يدّعي أنّ رهانه الأساسي هو معرفة «التراث»، ومن جهة هو يفخر بأنّ ما سيقوله عن هذا التراث، تحت مسمّى «نقد العقل العربي»، هو «بلا سلف»، أي إنّه «مبتدع» تمامًا، ومن نحت عصر آخر. كيف يمكنه أن يجمع بين «إرادة التراث» و«الإبداع» المعاصر لإشكالية غير مسبوقة؟ إنّ أفضل ما يمكن أن يفعله قارئ التراث هو إساءة الانتماء بشكل يدعو إلى التفكير. وبهذا المعنى هو يعاني من معضلة داخلية في لعبته اللغوية: من جهة، هو يشتغل على مدوّنة أخلاقية تراثية منفصلة عن «عصرنا»، أي لم تعد تخاطبنا إلاّ على مستوى المادة «التاريخية» فقط؛ ومن جهة، هو يستورد «جهازًا مفاهيميًا نقديًا» من الثقافة الأوروبية دون أن يخوض أيّ تقويم جنيالوجي(أي نظام أو منهج) للسلطة غير المرئية التي يمارسها على إشكاليته، على فرض أو زعم أنّ «الموضوع» المحلّي يمكن أن يحرّرنا من «المنهج» الأجنبي. وهو وهم إيبستيمولوجي وفلسفي يقع خارج مدار النقد.
وبهذا المعنى ادّعى الجابري أنّ ما سيقوله عن «العقل الأخلاقي العربي» سوف يسمح له «بالارتفاع بعملية النقد التي قام بها إلى الآفاق المعاصرة». وعندئذ علينا أن نسأله: ما أو من هو المعاصر عندئذ؟ هل هو التراث؟ أم الجهاز المفاهيمي المستورد تحت غطاء «الغياب» أو انعدام «السلف»؟ وأين يجب علينا أن ننصب «الآفاق المعاصرة»؟
فإذا بالجابري يجيبنا عن هذا النحو: إنّ نقد العقل العربي قد «مكّننا من جعل تراثنا معاصرًا لنا، في الوقت الذي حرصنا فيه على الاحتفاظ به معاصرًا لنفسه»إنّ «نحن» السردية تقف متوارية هنا على نحو مزعج: إذا كان للعرب «تراث» أخلاقي فهو بذلك يعاني من انفصاله عنّا، لأنّه لم يعد يخاطبنا، إنّه يملك أفق الفهم لنفسه الذي فقدناه ويملك وضعيته التأويلية التي تجمّدت في وقت معيّن.
ما معنى عندئذ أن نجعل تراثًا ما «معاصرًا لنا»؟ هل يكفي أن «نؤرّخ» له أو أن «نعرفه» بشكل «غير منقوص» حتى يدخل في هويتنا الجديدة؟ هل الهوية مجرد معلومة تاريخية عن «نحن» مجرّدة؟ هل هي مجرد سلوك «معرفي» تتبنّاه «نحن» سردية تبدو بلا تاريخ يستعملها الجابري دون أيّ مساءلة لتقنيات «الذات» التي فرضتها عليها الحقبة الكولونيالية، نعني «الآفاق المعاصرة» التي أشار إليها؟ وعندئذ: ما جدوى أن ندّعي أنّنا نجحنا في «الاحتفاظ به [بالتراث] معاصرًا لنفسه»؟ بأيّ معنى يمكن لتراث ما أن يكون معاصرًا لنفسه؟ كل تراث هو معاصر لنفسه، ولا أحد يحقّ له أن ينكر عليه معاصرته لنفسه.
يبدو أنّ الصعوبة التي لا يراها الجابري عند تقديم مشروعه عن «نقد العقل العربي» بوصفه يسمح له بكتابة تاريخ «العقل الأخلاقي العربي» مع عنوان صغير يفصّله إلى «دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية» إنّما تكمن في هذا الإشكال: إنّه لا يرى التضارب البنيوي بين «نقد العقل» (وهو مشكل ترنسندنتالي) و«تاريخ العقل الأخلاقي» (الذي هو مشكل «تأريخي»). والخيط المريب هنا هو مفهوم «النقد» الذي يختلف بشكل فلسفي حادّ بين أن يتعلق الأمر بالنقد الترنسندنتالي للعقل (الفحص عن طبيعة الملكات وحدودها بشكل قبلي) وبين النقد التاريخي لنظم القيم (أي تحليل معاني المصطلحات، ورصد أصولها الموروثة، وتدقيق تحقيبها، ووصف مسائلها).

سيرياهوم نيوز 2_الثورة
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أنباء سحب الجنسية من نوال الكويتية تثير الجدل.. وحقيقة اعتزالها تكشف!

تصدر اسم الفنانة نوال الكويتية محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول أنباء عن سحب جنسيتها الكويتية، وهو ما أثار الجدل بين المتابعين والمستخدمين. وتأتي ...