المتتبّع للشأن الإسرائيليّ بات على قناعةٍ تامّةٍ وواضحةٍ بأنّ السؤال المحوريّ اليوم في دولة الاحتلال هو ليس هل ستندلع الحرب الأهليّة، إنّما متى، والشواهد على الخلافات العميقة بين المعسكريْن الاثنيْن كثيرة جدًا، إذْ وصل الأمر بنائبٍ في الكنيست من حزب (القوّة اليهوديّة) بقيادة وزير الأمن القوميّ، الفاشيّ إيتمار بن غفير، إلى المطالبة باعتقال قادة المعارضة في إسرائيل بتهمة الخيانة العظمى.
وما أشبه اليوم بالأمس: في العاشر من كانون الثاني (يناير) 2013، أيْ قبل عقدٍ من الزمن، أكّدت وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة السابقة، تسيبي ليفني، كما أفاد وقتذاك الإعلام العبريّ، أنّ “مجموعات متطرفة أخرى تريد أنْ تُحوِّل إسرائيل إلى دولة شريعة، الأمر الذي سيؤدي بإسرائيل إلى الهاوية”، لافتة في ذات الوقت إلى أنّ “هذا الوضع بحدّ ذاته هو نهاية الصهيونية”، على حدّ تعبيرها.
اليوم، ثمّة تعديلات قانونية ومشاريع قوانين أقرّها الكنيست وأخرى بالانتظار لاعتماد التوراة مصدرًا أول للقانون، خصوصًا في المسائل التي لا يوجد فيها نص قانونيّ، علمًا أنّ لا دستور في دولة الاحتلال.
عمليًا، ما يجري في إسرائيل اليوم انقلاب على الأسس التي قامت عليها، ووضعها الآباء المؤسسون للصهيونيّة، وأغلبهم، إنْ لم يكن كلّهم، علمانيون، لا يؤمنون بالله.
بكلماتٍ أخرى، إسرائيل اليوم تهذي، والهذيان يتحول إلى تشريعٍ، فثمة تشريع في الكنيست يُلزِم القضاة باستلهام (فتاوى التوراة) ونصوصها، في القضايا التي لا ينص عليها القانون المدنيّ.
في السياق عينه، توقع رئيس الأركان الإسرائيليّ الأسبق، دان حالوتس، اندلاع “حرب أهلية” في إسرائيل، وذلك بسبب تنفيذ زعيم حزب (القوّة اليهوديّة) إيتمار بن غفير أفكاره التي وصفها بالخطيرة.
وقال حالوتس الذي رأس هيئة الأركان العامّة بجيش الاحتلال في الفترة من عام 2005 وحتى عام 2007، إنّ بن غفير يحاول تنفيذ أفكار خطيرة وستكون هناك حرب أهلية، وقفا لوسائل الإعلام الإسرائيليّة.
بالإضافة إلى ذلك، نبّه حالوتس إلى أنّه يتعيّن على الإسرائيليين عدم التخلي عن حقوقهم الأساسية وهذا الشخص الذي تمّ استبعاده من الخدمة العسكرية، يرتبط اسمه بالكثير من الانتهاكات، وقال: “لا أعلم كيف يُسمَح له بحمل سلاحٍ شخصيٍّ”.
وتابع الجنرال المتقاعد حالوتس:” معروف أنّ بن غفير ارتدى ملابس تشبه ملابس المجرم باروخ غولدشتاين الذي ارتكب مذبحة في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وكان عمره 18 عامًا، والتي أسفرت المذبحة عن مقتل 29 فلسطينيًا فجر أحد أيام رمضان في العام 1994، على حدّ تعبيره.
ولفت حالوتس إلى أنّه قبل اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، إسحاق رابين، ظهر بن غفير في تصوير فيديو وقد انتزع علامة سيارة رابين وهي من طراز (كاديلاك) وقال لوسائل الإعلام العبريّة: “اليوم وصلنا لسيارته وغدًا نصل له أيضًا”، وكان ذلك قبل فترة قصيرة من اغتيال رابين .
على صلةٍ بما سلف، هدد وزير الأمن الإسرائيليّ السابق، بيني غانتس، من أنّ إسرائيل تسير نحو حرب أهلية، يتحمل نتنياهو المسؤولية عنها.
ورأى مراقبون أنّ التصريح غير المسبوق لغانتس يعكس صورة نزاع حاد في إسرائيل، يتخطى الصراع السياسيّ، وسط تهديد المعارضة بالنزول إلى الشارع.
وبمجرد التحدث عن مؤشر شرخ عميق في المجتمع الإسرائيلي المنقسم إلى (إسرائيل الأولى)، كما تسمى، وتمثل إلى حدٍّ كبيرٍ اليهود الغربيين من الطبقة الوسطى الذين يديرون الاقتصاد الإسرائيليّ ويتحملون عبء الخدمة العسكرية ويمثلون إسرائيل العلمانية المناهضة لنتنياهو وائتلافه المتدين.
أمّا المعسكر الذي يمثله نتنياهو، فهو متدين وشرقي بغالبيته، استيطاني وبعيد عن الخدمة العسكرية، ويرى أنّ فوزه بالانتخابات تفويض كامل من أغلبية من في الشارع للقيام بكل ما يلزم للحفاظ على مصالح هذا المعسكر (إسرائيل الثانية)، والاستفادة قدر الإمكان من مقدرات الدولة، والإصلاحات في القضاء.
ويعتبر معسكر (إسرائيل الثانية) الانتصار الانتخابيّ ما هو إلا ضربة لآخر معاقل (إسرائيل الأولى) بعد إحكام السيطرة على البرلمان والحكومة.
وقال غانتس: “أقول لنتنياهو إذا استمريت في الطريق الذي تسير فيه فإنّ المسؤولية عن الحرب الأهلية التي بدأت بالوصول إلى المجتمع الإسرائيليّ ستكون عليك، أقول لك اليوم أنت تختار طريق العار ونحن نختار طريق النضال المحق”.
جديرٌ بالذكر أنّ مبدأ (لا ضرائب دون تمثيل)، بات يصف شعور (إسرائيل الأولى) التي تشعر بأنّها تحمل كلّ أعباء الدولة دون تمثيلٍ سياسيٍّ يحمي مصالحها إزاء (إسرائيل الثانية)، فترى أنّ عليها استكمال تحررها من الظلم التاريخيّ الذي تعرضت له على يد (إسرائيل الأولى) منذ إقامة الكيان عام 1948، والصراع بين الطرفين يصل إلى مستوياتٍ غيرُ مسبوقةٍ.
يُشار إلى أنّه إضافةً للقوانين التي تحُدّ من الحريّات الشخصيّة والعامّة، يذكر الإسرائيليون أنّه في الشهر الفائت صرح رئيس لجنة الماليّة في الكنيست النائب موشيه غَفْني، من حزب (يهدوت هتوراه)، الدّينيّ المُتزمّت، والذي لا يخدم مؤيّديه في جيش الاحتلال من منطلقاتٍ دينيّةٍ، صرحّ بأنّ نصف الشعب في الكيان يجِب أنْ يخدِم في الجيش، والنصف الثاني يدرس التوراة، وهو التصريح الذي أثار غضب المعسكر الثاني، المُعارِض لنتنياهو وحكومته.
سيرياهوم نيوز4-راي اليوم