حالةٌ من الارتباك، البلبلة، الخوف والقلق من فقدان قوّة الردع، وليس تآكلها فقط، تسود دولة الاحتلال، على وقع العمليات الفدائيّة التي هزّت إسرائيل أمس، أيْ يوم الجمعة السوداء، والتي جاءت مُباشرةً بعد تعرِّض الكيان لأخطر هجومٍ صاروخيٍّ منذ أنْ وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها في آب (أغسطس) من العام 2006.
وفي الوقت عينه، شنّت إسرائيل عدوانًا على قطاع غزّة لـ “تأديب” المُقاومة الفلسطينيّة، وفي مُقدّمتها حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس)، والذي قوبِلَ بإمطار جنوب الكيان بوابلٍ من الصواريخ استهدفت المُستوطنات والمدن الإسرائيليّة، بما في ذلك صواريخ مُضادّة للطائرات.
ولكنّ المُقاومة الفلسطينيّة وجهّت في ساعات الظهر من يوم أمس الجمعة، وفق التوقيت المحليّ لفلسطين، ضربةً موجعةً للكيان، عندما تمكّنت في عمليةٍ نوعيّة من قتل إسرائيليتيْن، وإصابة والدتهما بجراحٍ بالغةٍ جدًا، وبعدما لملم الاحتلال جراحه وقتلاه بـ 8 ساعاتٍ، أيْ في العاشرة ليلاً، نفذّ فدائيٌّ من قرية كفر قاسم، داخل ما يُسّمى بالخّط الأخضر، عمليةً في قلب تل أبيب، أسفرت عن مقتل سائحٍ إيطاليٍّ وإصابة أربعة آخرين بجراحٍ مُتفاوتةٍ.
بيد أنّ الضربات التي تلقّتها إسرائيل من لبنان وغزّة والداخل الفلسطينيّ وضعت صُنّاع القرار في ورطةٍ كبيرةٍ، علمًا أنّ الحكومة الحاليّة فازت بالانتخابات العامّة في الكيان بعد أنْ أطلقت الوعود الرنانّة بقطع دابر الإرهاب وإعادة السيادة الإسرائيليّة، ومنح المواطنين الأمن والأمان، وهكذا فقد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو لقبه (سيِّد الأمن) وتبينّ أنّه أوهن من مُواجهة العمليات الفدائيّة، التي زعزعت أسس الكيان الإسرائيليّ، في الأيّام التي يحتفِل بها اليهود بعيد الفصح.
ووفق الإعلام العبريّ فإنّ رؤساء المجالس في مُستوطنات ما يُسّمى (غلاف غزّة) ليسوا راضين عن الردّ الإسرائيليّ ضدّ حماس لأنّه بحسبهم كان ضعيفًا، حيثُ طالبوا حكومتهم بالعودة إلى سياسة الاغتيالات المُمركزة وتصفية قادة حماس في غزّة كي يشفوا غليلهم وردّ فعلهم الغريزيّ بالثأر والانتقام.
عُلاوةً على ما ذُكِر آنفًا، أعلن وزير الزراعة الإسرائيليّ، آفي ديتختر، وهو الذي شغل منصب رئيس جهاز الأمن العّام (الشاباك)، أعلن في لقاءٍ تلفزيونيٍّ أجرته معه ليلة أمس القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ أنّ قائد حركة (حماس) في غزّة، يحيى السنوار هو أحد أهداف التصفيّة التي قد تقوم إسرائيل بتنفيذها.
بالإضافة للسنوار، فقد طرحت المصادر الإسرائيليّة ليلة أمس الجمعة اسمًا ثانيًا في قائمة الاغتيالات، وهو صالح العاروي، نائب رئيس المكتب السياسيّ في حركة (حماس)، والذي تتهمّه إسرائيل بالتخطيط لعدّة عملياتٍ آلمت الكيان، وبُمواصلة عمله المُكثّف لإحكام سيطرة حماس على الضفّة الغربيّة، لافتةً إلى أنّ العاروري يُقيم علاقاتٍ وطيدةٍ مع حزب الله اللبنانيّ، ويعمل على خطّ تركيّا لبنان.
وفي هذا السياق قال أحد جنرالات جيش الاحتلال، وهو في الاحتياط للتلفزيون العبريّ، إنّ العاروري اجتاز جميع الخطوط الحمراء، وأنّه يتحتَّم على الحكومة الإسرائيليّة العودة إلى الاغتيالات المُمركزة، لأنّ العاروري بحسبه يُشكِّل تهديدًا إستراتيجيًا خطيرًا ويجِب أرساله إلى السماء، أيْ قتله، على حدّ وصفه.
وتوقّف الخبراء والمُحلِّلين الإسرائيليين طويلاً عند قوّة (حماس) وأكّدوا أنّ حركة المقاومة الإسلاميّة، تمكّنت في الأيّام الأخيرة من فتح عدّة جبهاتٍ ضدّ دولة الاحتلال في آنٍ واحدٍ، لافتين إلى أنّ هذا الأمر بحدّ ذاته يُعّد انتصارًا لحماس، وبالمُقابل لا يصُبّ بمصلحة الكيان غيرُ المُستعِّد لحربٍ على عدّة جبهاتٍ في آنٍ واحدٍ، على حدّ تعبيرهم.
وتابع الخبراء، بعد عملية تل أبيب، والتي وقعت في الساعة العاشرة ليلاً من ليلة أمس الجمعة، أنّ كون المُنفِّذ من قرية كفر قاسم، في المثلث الشماليّ، أيْ داخل الخّط الأخضر، هو نذير خطرٍ وشؤمٍ، لأنّ المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة حذّرت مرارًا وتكرارًا من انضمام فلسطينيّ الداخل إلى الكفاح المُسلّح التي تنتهجه حركة حماس، على حدّ قولهم.
جديرٌ بالذكر أنّ شرطة الاحتلال لم تنشر أيّ صورةٍ للسلاح الذي ادعّت في البداية، أنّه كان بحوزة منفذ عملية تل أبيب الليلة الماضية، كما لم يؤكّد جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك)، أنّ خلفية العملية، هي خلفية قومية، وهو ما يناقض عمليات مماثلة، تمّ تنفيذها في وقتٍ سابقٍ، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ البيان الأخير الذي أصدرته الشرطة بشأن ما حدث، ذكر أنّ “ملابسات الحدث، يجري التحقيق فيها من قبل الوحدة المركزيّة في لواء تل أبيب، ومن قبل الشاباك”.
يُشار إلى أنّ المُنفِّذ هو يوسف أبو جابر (45 عامًا) متزوِّج وأبّ لخمسةٍ، ولا توجد له ما تُسّمى بالخلفية الأمنيّة، وقد قامت قوّات الأمن الإسرائيليّة بقتله في مكان العملية.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم