رغم تطور إيقاع الحياة بمفهومها الاجتماعي والعمراني واستقلال غالبية الأبناء عن ذويهم بعد الزواج لناحية السكن بعيداً عن جو العائلة .
إلا أن تأثير فكرة وجود الحماية وصراعها مع الكنة سواء انعكست سلباً أم إيجاباً لا تزال هذه الرواية سارية المفعول يروج لها بشكل مغاير للإحساس الإيجابي، وتكاد “الحماية” أن تكون أما “والكنة” بنتا “والصهر” ابنا والعكس صحيح .
عن هذه المعضلة إن جازت التسمية.. كيف يراها البعض؟
الخبير والاستشاري في الصحة النفسية الدكتور رمضان محمد يبحث في سيكولوجية الحموات من خلال عبارة شاركها على صفحته “زوجتي- وأمي” فيرى أن هناك مربعاً هاماً في الحياة الزوجية يتكون من الزوج والزوجة وأم الزوج وأم الزوجة، وتوازنات هذا المربع تحدد إلى درجة كبيرة مدى الاستقرار أو الاضطراب في الحياة الزوجية، وإلى جانب هذا المربع يوجد ما يمكن تسميته “مثلث برمودا العائلي” (الزوج والزوجة وأم الزوج) حيث وجد أن أكثر المشكلات هي بين الزوجة وأم الزوج.
ويضيف: إنه على الرغم من وجود علاقات جيدة بين هذه الأطراف في بعض الحالات، إلا أن هناك أيضاً ألواناً كثيرة من المشكلات والصراعات والحرب المعلنة أحياناً، والباردة أحيانا أخرى لأسباب كثيرة، مع ملاحظته بأن الأعمال الدرامية قد رسخت لصورة نمطية سلبية “للحماية” وصورتها وكأنها بعبع، ولم تسلط الضوء نفسه على زوجة الابن ودورها في هذه العلاقة بل والابن (الزوج) ودوره في إصلاح أو إفساد ذات بينهما.
أنماط الحموات
وأوضح الدكتور محمد بعض أنماط الحموات لنفهم الدوافع والتوجهات وتأثيرها على مثلث برمودا العائلي الذي قد يتوه فيه الجميع أو يغرقون، فالبنسبة إلى الحماية الأم: هي تعتبر أنها تواصل دور الأمومة لابنها ولزوجته وكثيراً ما تقول عنها إنها ابنتها التي لم تلدها، وتخشى أن تؤذيها حتى لا تتعرض لمثل هذا الأذى إحدى بناتها.
فيما الحماية الراعية، نراها تغدق على ابنها وزوجته من خيرها لتضمن استمرارهما في حياتهما وتحل لهما كل مشكلاتهما المادية والمعنوية، وتسلم لها الزوجة بمكانة خاصة وبالذات لو كان الزوج ضعيفاً ولا يتمكن من رعاية زوجته وأولاده فيوكل هذه المهمة لوالدته.
أما الحماية الدبلوماسية، فهي التي تنجح في السيطرة على مشاعرها السلبية تجاه زوجة ابنها بكلمات دبلوماسية ناعمة ولكن على الرغم من ذلك قد تفلت منها بعض الأشياء تظهر ما تبطنه من كراهية أو غيرة أو رغبة كامنة في السيطرة.
بينما الحماية الناقدة ، لا ترى في زوجة ابنها إلا العيوب والأخطاء ولذلك فهي دائمة النقد والتوجيه والتوبيخ لزوجة ابنها ولا يعجبها طبخها أو ترتيبها لبيتها أو تربية أولادها.
وتوصف الحماية الغيورة بأنها لا تستطيع إخفاء غيرتها الأنثوية، فهي تشتعل غضباً إذا رأت أي علامة حب بين ابنها وزوجته، وبعضهن لا يطقن أن يغلق الابن باب غرفته هو وزوجته، ولا تطيق أن ترى زوجة ابنها في حالة تعكس ارتياحاً وسعادة مع ابنها، ما يدفعها لأن تتعامل مع زوجة ابنها على أنها ضرتها وأنها خطفت حبيبها أو سرقته، وأن عليها أن تزيحها من طريقها.
الحماية المستحوذة، تشعر بملكية لابنها وبالتالي لا تسمح لأحد أن يشاركها فيه، وأنها تملك كل ما يتعلق به فهي تملك زوجته وأبناءه وبالتالي لها حق التصرف فيهم بما تراه.
كما تسعى الحماية المسيطرة، للسيطرة على كل تفاصيل حياة ابنها وتقرر كل شيء يخصه ويخص زوجته وأبناءه. وهي تبرر تدخلها في تفاصيل حياة ابنها أنها تملك الخبرة والرؤية وتحافظ على مصالحه وتحميه من جهل زوجته وقلة خبرتها بالحياة.
وتابع رمضان توصيف الحماة المتسلطة، بأنها لا تكتفي بالسيطرة، وإنما تتسلط عليه وعلى زوجته وأولاده لتثبت كل يوم أنه تحت السيطرة وملك يدها، وتمارس في ذلك كل أنواع القهر والتجبر وتلغي خيارات الزوجين تماما.
أما الحماية المحرومة المحبطة، فهي محرومة من الحب في حياتها الزوجية ومحرومة من النجاح ومحرومة من التحقق اجتماعيا وإنسانيا فتعوض ذلك بالتشبث بابنها. ولكونها محبطة لأسباب فشل في حياتها فهي تشعر بالغضب ولديها ميول عدوانية تخرجها نحو من يقترب من ابنها وكأنها لا تحتمل مزيدا من الفقد والقهر.
كذلك الحماية الخائفة، نراها إنسانة مفتقدة للإحساس بالأمان لذلك تريد أن تحتفظ بابنها في حضنها كي تشعر بالأمان والاستقرار، وتعتبر أي شخص يقترب من ابنها عدوا لها، كالقطة الشرسة تدافع عن وليدها.
بينما تعودت الحماية الخانقة أن تحيط ابنها برعايتها وحمايتها بشكل خانق ولا تتنازل أبدا عن هذا الدور ولا تريد أن تصدق أنه قد كبر وأن له الحق أن يستقل.
فيما الحماية المتربصة، تتلمظ لزوجة ابنها وتحاول التقاط أي خطأ لها لتعيرها وتعاقبها به وتحط من قدرها.
أيضا الحماية المبتلعة، يسمونها أمنا “الغولة” فهي تريد أن تحتفظ بابنها ليس فقط في حضنها ولكنها تتمنى لو استطاعت أن تستعيده مرة أخرى في بطنها فترفض أن يبتعد عنها أو يستقل أو ينشغل بأسرته الجديدة.
ونوه الدكتور رمضان بأن الحماية الحمقاء، هي إمرأة تفتقر للذكاء والنضج والحكمة ولديها قدر كبير من الحمق وسوء التصرف فتندفع بحسن نية وكأنها تحمي ابنها فتدمر حياته.
ناهيك عن الحماية المريضة، بمعنى أن لديها اضطراب في الشخصية أو مرض نفسي يؤثر على إدراكها للأشياء وعلى تفكيرها ومشاعرها وسلوكها مما يجعل التعايش معها أمرا صعبا.
*الكنة المتفهمة
أما زوجة الابن تدعى “الكنّة” في اللغة العربية، واللهجة الشامية تدعى “العمّة” في بعض البلدان العربية وهي أحيانا تكون محبة لحماتها وتعتبرها مثل أمها (فتناديها أمي أو ماما) فتقدر فارق السن وفارق الخبرة، وتقدر وتتفهم مشاعر الغيرة لديها كأم، ومشاعر حب التملك لابنها وتخفف من تأثير تلك المشاعر عليها وتساعدها على تجاوز أزمتها فتعطيها مكانتها واحترامها وتحترم خبرتها وتسألها المشورة في بعض الأمور الحياتية وأحيانا أخرى تقوم بالمكايدة والاستفزاز والضرب تحت الحزام وتصيد الأخطاء والشكوى الدائمة من الأم وتحريض ابنها عليها خاصة إذا شعرت أن حماتها تمارس حربا باردة ضدها ولهذا كان المثل العربي الشامي “الكنّة إذا كننتيها بتكن وإذا جننتيها بتجن”.
وفي السياق ذاته يشير الدكتور رمضان إلى أن بعض الأزواج قد يتصرف بطريقة تزيد النار اشتعالا بين أمه وزوجته وكأنه يمشي على جمر من النار يقوم هو بنفسه بوضع البنزين كما يقال ليزيد اشتعالها فينقل انتقادات أمه لزوجته، وينقل سخرية زوجته لأمه، ويستقطب هنا أو هناك فيحرض الطرف الآخر على التحفز للمواجهة، وهنا نرى كل ألوان الحرب الساخنة والباردة وقد يسعد الزوج بذلك حين يرى نفسه موضع تنافس بين امرأتين.
الزوج العاقل
أما الزوج العاقل الناضج فهو رمانة الميزان في هذه العلاقة الثلاثية وهو يضبط إيقاع تلك العلاقة المسكونة بالشحنات الوجدانية المتناقضة ويعمل كرسول سلام بين الطرفين ويراعي التوازن بين احتياجات الأم وبين حقوق الزوجة.
وفي حالات قليلة قد نرى المحبة والمودة بين الكنّه (زوجة الإبن) وبين الحماة (في حالة نضوج الأطراف الثلاثة وتوازنهم النفسي) ولكن في الأغلب يكون أملنا الوصول إلى حالة من التعايش والتفاهم والواجب والاحترام بينهما على اعتبار أن العلاقة بينهما ليست علاقة ندية تنافسية ولكنها علاقة تكاملية تراحمية.
سيرياهوم نيوز 2_الثورة