| بقلم:ناظم عيد
أخطر أنواع اللصوص هو ذلك الذي يخبرك بأنه قادم لسرقتك، ويكون بارعاً في تغليف أفعاله بـ ” أمبلاجات” مغرية قابلة للتسويق الإعلامي بسلاسة.. وقد ابتلانا ” النظام العالمي الجديد” بهذا الطراز واستنساخاته المتوالية.. وهو في الواقع نموذج أميركي خالص.
فكما اعتاد الأميركي اختيار الألقاب الجذابة، للأعاصير البحرية التي تصفعه موسمياً، وغالباً بأسماء أنثوية ناعمة بعضها يعود لأسماء السفن التي أقلّت أجدادهم إلى القارّة الجديدة، فإنه لا يتوانى عن الإعداد الدقيق لمسميات هجماته اللصوصية لكن بألقاب تحمل ما تحمله من دلالات عنفوان هذه المرة، لتضخيم الحدث ومجاراة الذريعة التي هي غالباً حالة هلامية رجراجة صالحة لكل زمان ومكان، اسمها الإر*ه*اب، والتي كان بالفعل حاذقاً في تصنيعها واستثمارها لتدرَّ عليه عائدات أكثر بكثير من مصانع الأسلحة و مخابر إنتاج وتطوير الأوبئة.
بين الأعاصير الموسمية، والمكافحة المزعومة للإر*ه*اب التي لا موسم محدداً لها، ربما لا يخطر على بال من يتابع إلّا مصطلح واحد..”القرصنة” وهي اللقب الذي نظن أنه خُلق خصيصاً للأميركي.. بل بات مصطلحاً جينياً بانعكاسات سلوكية، ربما بفعل عوامل الاصطفاء البيولوجي لجحافل البحارة- القراصنة- الباحثين عن الذهب فيما وراء البحار باتجاه العالم الجديد ولم يصل منهم إلّا من هو أخطر وأخبث من حيتان المحيطات ..
من القارة الجديدة قبل أكثر من ٥٠٠ عام، إلى الحسكة اليوم.. رحلة لم تعد مضنية في أعراف جوّابي الآفاق، بما أن الغاية تبرر الوسيلة دوماً في ثقافة من باتت الصفاقة خاصيتهم.. والصفاقة مرض نفسي بالمناسبة، يمنع المريض من الشعور بالذنب أو الندم أو التوبة، ويستهجن من يلومه على أفعاله مهما كانت نافرة.
لم يندم الأميركي على جرائم الإبادة التي ارتكبها بحق الهنود الحمر حين استولى على موطنهم، ولم ولن يمتثل للقيم الأخلاقية والإنسانية وهو يسطو على النفط السوري يومياً، ويبسط قواعده في قرى الحسكة ويستبيحها ويدهم بيوت الأهالي وممتلكاتهم، بعد أن أشغل البلاد برمتها بمواجهة قطعان دجّنها ولّقنها أوامر التخريب، تماماً كما الكثير من أفلام الأكشن التي ينتجها، وغالباً كانت محاكاة استباقية لتطبيقات وخطط كارثيّة يحضّر لها.. ففي هوليود تكمن مقدمات الخراب.
لم يكترث الأميركي لعدم تصديق العالم لرواياته ومزاعم مكافحة الإر*ه*اب التي يسوقها حيث تقتضي مصالحه، ولا يهمه إن كانت شعوب الدنيا قاطبةً تعلم أن مشروعه منذ العام ٢٠٠١ هو نشر الإر*ه*اب لا مكافحته، فهو ماضٍ في أقذر ظاهرة قرصنة عرفها التاريخ القديم والحديث، ونذكر جميعاً كيف كان جورج بوش الابن يقهقه وهو يتابع شتائم وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف له، ووصفه للأميركان بـ ” العلوج” إبّان غزو العراق أو حرب الخليج الثالثة في العام 2003، لأن صراخ الشعوب المنكوبة بأرزاقها و دمائها و بكرامتها الوطنية لا يعني شيئاً للقرصان، بل لعله أهم ملامح ولحظات السعادة التي يسعى إليها.
لن تُوقف الأميركي محاولات “توازن الرعب” ولا السباق التكتيكي ولا سباق التسلح.. ما يوقفه شيئ واحد فقط هو المقاومة الشعبية.
في كل تجارب القرصان الأميركي لم ينكفئ إلّا تحت ضربات المقاومة الشعبية، وليست فيتنام النموذج الأوحد الذي يؤكد دقة مثل هذا الاستنتاج، ففي الألفية الجديدة شواهد متعددة تؤكد ذلك.
سيخرج الأميركي من سورية ليس بسبب صعود أقطاب جدد في هذا العالم، ولا بسبب مواقف منظمات إنسانية مناهضة له، ولا بسبب “حرد” بعض الدول.. سيخرج تحت ضربات المقاومة الشعبية، وصمود الجيش العربي السوري.. فأهلنا في الحسكة يدركون جيداً أن اعتقال راعٍ في قرية نائية لا يحتاج إنزالاً جوياً من ثلاث طائرات عمودية، و أن الحادثة ليست إلّا محاولة بثّ رعب وإر*ه*اب تحت عنوان: “مكافحة الإر*ه*اب”.
سيكون الأميركي عنيداً في البداية أو سيتظاهر بذلك، ولاسيما أن ثمة مغريات للبقاء- النفط – لكنه ماهر في دراسات الجدوى، وسيرحل عندما تنعدم أو تتراجع جدوى بقائه، ولا نظن أن جنوداً يحرصون على الظهور بنظارات ” ريبان” سيتمكنون من مواجهة مواطنين أباة لا ينامون على ضيم.
*رئيس تحرير تشرين
(سيرياهوم نيوز3-تشرين15-10-2022)