آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الحرب في كاراباخ.. تركيا وإيران و”إسرائيل”!

الحرب في كاراباخ.. تركيا وإيران و”إسرائيل”!

| حسن محلي

يرى البعض في التوتر الأخير في كاراباخ دخول جميع الدول الإقليمية والدولية على الخط لخلق بؤرة توتر جديدة إلى جانب أوكرانيا، قد تساهم في فتح قنوات الحوار بين العواصم الغربية وموسكو، أو تؤجهها أكثر فأكثر.

بعد الهدوء النسبي الذي كان يخيّم على إقليم ناغورنو كاراباخ خلال العامين الماضيين، عاد التوتر إلى المنطقة بالاتهامات المتبادلة بين أذربيجان وأرمينيا بهجوم كل منهما على مواقع الطرف الآخر.

فبعد الحرب الأولى التي أسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألفاً وتشريد نحو مليون إنسان من الطرفين، خلال الفترة بين 1992 – 1994، عادت الحرب من جديد إلى المنطقة، عندما شن الجيش الأذربيجاني هجومه العنيف على المواقع الأرمينية في 27 أيلول/سبتمبر 2020، وأدى إلى مصرع نحو 7 آلاف من الأذريين والأرمن.

ونجحت القوات الأذربيجانية المدعومة من أنقرة و”تل أبيب”، حينها، في استرجاع جميع الأراضي الأذربيجانية خارج الإقليم، والتي سبق للأرمن أن سيطروا عليها في الحرب الأولى، كما نجحت القوات المذكورة في السيطرة على أجزاء من كاراباخ، وانتهت الحرب الثانية التي استغرقت 44 يوماً بهدنة تم التوصل إليها بوساطة روسية أقنعت الطرفين باتفاق لوقف إطلاق النار، برقابة من القوات الروسية التي تمركزت على خطوط التماس بين الطرفين.

وشهدت الأشهر الماضية، بعد هذا الاتفاق، بعضاً من حالات التوتر التي لم تؤثر في مساعي أنقرة للمصالحة مع ياريفان وفتح صفحة جديدة معها. وعدّ البعض ذلك محاولة من الرئيس إردوغان لتحقيق تفوق عسكري واقتصادي ونفسي على صديقه بوتين، وجاره الإيراني رئيسي.

وجاءت تأكيدات الرئيس رئيسي خلال اتصاله، الثلاثاء، برئيس الوزراء الأرميني باشينيان، إذ قال “إن الحدود التاريخية لإيران وأرمينيا تعدّ حجر الأساس في ازدهار المنطقة وتقاربها وأمنها، وطهران عازمة على مواصلة التعاون مع ياريفان في جميع المجالات لمصلحة ازدهار المنطقة واستقرارها” ليعكس القلق الجدي في طهران تجاه تطورات الوضع في القوقاز.

وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مؤتمره الصحافي مع نظيره الروسي لافروف في أثناء زيارته الأخيرة لموسكو حيث قال “إن إيران مهتمة بعدم حدوث أي تغيير جيوسياسي في منطقة القوقاز”.

تصريحات المسؤولين الإيرانيين تحمل في طياتها قلق طهران البالغ، أولاً من التعاون الأذربيجاني مع “تل أبيب”، ليس فقط عسكرياً واقتصادياً واستخبارياً، بل أيضاً إعلامياً، بعد أن سيطر اللوبي اليهودي على قطاعات واسعة من الإعلام الذي يستفز المشاعر القومية لدى الشعب الأذربيجاني، وغالبيته من الشيعة.

ويستفز هذا الإعلام أيضاً المشاعر القومية لدى الأذريين من مواطني إيران، وذوي الأصل التركي “للتمرد ضد الدولة الإيرانية الفارسية”.

وكان ذلك حديث الأوساط القومية في تركيا خلال الحرب الأخيرة (2020)، والتي اتهمت طهران بدعم الأرمن وطالبت إردوغان باتخاذ موقف عملي ضدها.

وأما السبب الثاني للقلق الإيراني فهو المعلومات التي تتحدث عن قواعد إسرائيلية قرب الحدود الأذربيجانية مع إيران، مع نشاط واسع للموساد قرب هذه الحدود، وهي بطول 900 كم. وكان الجيش الأذربيجاني قد استرجع البعض منها في حرب 2020، بعد أن كانت خلال 30 سنة الماضية تحت سيطرة الأرمن.

ويبدو واضحاً أن هذه المساحة من الحدود تشكل خطراً على الأمن القومي لإيران، خاصة أن معظم هذه المنطقة الحدودية جبلية، كما هي الحال في إقليم كاراباخ ومعظم سكانه من الأرمن، حتى عندما كان ذا حكم ذاتي داخل أذربيجان في العهد السوفياتي.

وأما إغلاق باكو في خريف 2020 الطريق البري بين إيران وأرمينيا عبر أراضيها في منطقة زانكيلان، التي استرجعتها باكو من الأرمن في إطار وقف إطلاق النار بإشراف روسي، فهو أيضاً أحد أسباب التوتر بين طهران وباكو المدعومة من أنقرة.

لكن الموضوع الأكثر خطورة وتعقيداً بالنسبة إلى طهران، هو مساعي ربط أراضي أذربيجان بإقليم ناختشوان الذي تفصله عن أذربيجان الأراضي الأرمينية بعرض 44 كم، وهو طوال الحدود الأرمينية مع إيران أيضاً.

وترى طهران في هذه المساعي محاولة من أنقرة لقطع العلاقة الجغرافية بين إيران ومنطقة القوقاز، عبر سيطرتها على الجنوب الأرميني بعد المصالحة مع ياريفان، وهو ما سيضمن لتركيا ربط أوروبا بالصين عبر أراضيها ومنها إلى أرمينيا ثم أذربيجان وتركمنستان، وصولاً إلى آسيا الوسطى من دون المرور في الأراضي الإيرانية، كما هي الحال الآن.

وترى طهران في هذه المشاريع والخطط محاولة لتغيير الخارطة الجيوسياسية، بما في ذلك السيطرة على مياه نهر آراس الذي ينبع من الأراضي التركية، ويبلغ طوله نحو 1550 كم، ويشكل الحدود الجغرافية بين تركيا وإيران، وإيران وأذربيجان.

وكانت تركيا قد بنت على النهر المذكور سد “كارا كورت”، أي الثعلب الأسود، وهي تسمية قومية تركية، وعدّ البعض ذلك عملاً مقصوداً من حكومة إردوغان، عندما كانت علاقاتها سيئة بطهران عام 2017، بسبب دعمها لدمشق.

كل ذلك في الوقت الذي تراقب فيه موسكو هذه التفاصيل الدقيقة بمفاجآتها المحتملة، وتراقبها أيضاً “تل أبيب” وواشنطن والعواصم الأوروبية التقليدية، وأهمها باريس ولندن وبرلين، المعروف اهتمامها التاريخي بالمنطقة، أي القوقاز وآسيا الوسطى، الحديقة الخلفية للاتحاد السوفياتي السابق، والآن روسيا المنشغلة بالحرب في أوكرانيا.

ودفع ذلك الرئيس الأذربيجاني، الهام عالييف، إلى إرسال “رسائل غرامية” إلى كل من واشنطن ولندن والحلف الأطلسي لتساعده في حال توتر علاقاته بموسكو، التي يتوقع لها البعض أن تتدخل بشكل قوي لإطاحة باشينيان، الذي لم يعد يخفي انزعاجه من تصرفات موسكو ضده، خاصة بعد أن تم انتخابه من جديد بعد هزيمة خريف 2020.

ويرى البعض في التوتر الأخير دخول جميع الدول الإقليمية والدولية على الخط لخلق بؤرة توتر جديدة إلى جانب أوكرانيا، قد تساهم في فتح قنوات الحوار بين العواصم الغربية وموسكو، أو تؤجهها أكثر فأكثر، كما هي الحال بين هذه العواصم وطهران، مع استمرار مباحثات الشد والمد بينها في مباحثات النووي، وتسعى “تل أبيب” إلى عرقلتها بسبب عدائها التقليدي لإيران التي تعرقل استسلام المنطقة لها وفق النظرة الصهيونية.

كذلك تسعى العواصم الغربية إلى زعزعة التحالف الروسي مع دول منظمة الأمن الجماعي التي تضم روسيا وروسيا البيضاء وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان، والدول الثلاث الأخيرة مقربة من أنقرة بسبب أصولها التركية.

وفي جميع الحالات، وأياً كانت التطورات المحتملة، فمنطقة القوقاز بمجاورتها لروسيا وإيران وتركيا ستبقى ضمن حسابات جميع العواصم الغربية، كما كانت عليه منذ استقلال جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وأدى ذلك إلى انفجار أزمة كاراباخ، وكنت من أوائل الصحفيين الذين غطوا هذه الحرب، اعتباراً من تشرين الأول/أكتوبر 1991، والتقيت خلال هذه التغطية وبعدها، عندما زرت ياريفان وباكو وتيفليسي بعد جولتي في كاراباخ برمتها، الرئيسين الأذربيجانيين أبو الفضل التشي بك، وحيدر عالييف والرئيسين الأرمينيين بدروسيا وكوجاريان والجورجي إدوارد شيفردنادزه.

وكان القاسم المشترك بينهم أنهم تربوا جميعاً تربية سوفياتية، رغم انتماءاتهم القومية المختلفة، وصحّت تحليلاتهم وتوقعاتهم عندما قالوا معاً “إن القوقاز منطقة معقدة وصعبة جداً كتضاريسها، وشعوبها ستبقى هكذا إلى الأبد”.

وضحك الرئيس الراحل التشي بك (كان يتحدث العربية بطلاقة وبلهجة مصرية) طويلاً، ثم شرد وهو يهز رأسه عندما قلت “قد يكون السبب في ذلك هو يهود الخزر، فهم سبب كل المشاكل اللاحقة في القوقاز وآسيا الوسطى والإمبراطورية الروسية ثم العثمانية، وقبل أن ينتشروا بعدها في أوروبا ثم أميركا ومنها إلى فلسطين “.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...