| إسماعيل مروة
الأحد, 04-07-2021
معاجم المصطلحات اللغوية والتخصصية والسياسية والفلسفية والدينية لا تستطيع أن تنجدك عند البحث عن الحرية ومفهومها بتعريف جامع متفق عليه، فالأحزاب السياسية ترى الحرية لنفسها ومن جوهرها تدعوها التزاماً بالأطر الفكرية، ولا يجوز الخروج عنها مهما كان الأمر، وهذا ما أوقع هذه الأحزاب عبر تاريخها بما يسمى الإلزام، وأدى إلى انفضاض الكثير من المهمين عنها- والأحزاب الرأسمالية ترى الحرية غير محدودة، وتنتهي حتماً باستباحة كل شيء، وبانتهاك المجتمع، وإثراء الأغنياء، وارتفاع شريحة الفقر، وكله تحت شعار الحرية، بأن يفعل الإنسان ما يريد، والطوباويون يرون أن الحرية تتوقف عندما تعتدي على حقوق الآخرين!
وكأن الحرية محددة المعالم محسوسة، ومن الذي يحدد حدود هذه الحرية سلباً أو إيجاباً؟!
أما العقائد فتقول بأن الإنسان ولد حراً، وتدعو إلى المساواة بين الناس، فلا خلاف في لون أو عقيدة أو قومية أو ما شابه ذلك، وإذا ما نظرنا في تاريخ الأديان فإننا نجد أن الحرية كانت مفهوماً خاضعاً لإرادة المؤسسة الدينية، حتى فيما بين أبناء هذه المؤسسة، وكانت الحرية حتى العقدية رهن الرؤية السياسية من سعيد بن جبير إلى الحجاج وابن حنبل، والحلاج وسواهم، والمحن التي مرّ بها الكبار عندنا لا تتوقف لتصل إلى غاليلي ولوثر وروسو وسواهم، إذا كانت الحرية التي تراها المؤسسات المهيمنة سليمة تنتهي بالسجن والقتل والانقلاب، وكأن هذه الأفعال من الحرية بمكان! فهل يملك الإنسان الحرية في إنهاء حياة إنسان آخر لخلاف في الرأي أو لأنه لم يقل قوله؟
فكم من زنديق قتل بتهمة الزندقة وما هو بزنديق؟ وكم من خارج عن تعاليم الكنيسة دفع إلى المقصلة، ولا علاقة له بأمر؟! من الذي وضع هذه الحدود للمؤسسات الدينية المؤثرة؟
إنه العقد الذي عقدته مع المؤسسات السياسية التي استعانت بها لتكون ظل الله على الأرض، وبأن الأمر هو أمر إلهي عيني!
طه حسين عميد الأدب العربي، قال رأياً، فتم تكفيره، واستقال، وكاد يذهب ضحية، وما تزال طوابير الجهلة يحكمون عليه أحكاماً جائرة من الارتباط والتبعية والفكر، وهم لم يقرؤوا شيئاً منه، ولم يحضروا شيئاً من أحاديثه المسجلة، التي تشهد حب طه وتعمقه في لغته وقرآنه وفصحاه، وتعبر عن مدى وفائه لهذه الأمة! كان الأولى أن يناقش علناً بدل الرفض، لنعرف أن من أثار عليه الزوبعة المعتمدة على الجهل، أثارها لأن طه حسين أراد تحقيق شرط الحرية عندما استطاع استصدار قرار مجانية التعليم في المراحل الدراسية العليا في مصر، لأن التعليم كالماء والهواء.. اعترض الملك ورئيس الوزراء لأنهم سيخسرون الخدم، وقد استطاع طه حسين إقناعهما بشرط حرية التعليم، لكنه عجز عن إقناع الذين قاتل من أجلهم، وعمل من أجلهم، فأجله الملك ورئيس الوزراء، وانصاعا له، بينما هتف ضده الذين حقق لهم شرط الحرية في التعليم، الذي يعجزون عنه (فليسقط الوزير الأعمى) وسقط الوزير بالاستقالة، لكن قراره نعم به المصريون عبر أجيال متطاولة، وهم ما يزالون ينالون من الذي حقق لهم شرط التعلم، ولا يعطون الحرية في رأي إنساني، وحين حرره وعدّله، قالوا: عدّله خوفاً!!
الحرية إذا حددت هوامشها ليست حرية، وإذا ارتبطت بالآخر فهي رهن رأي الآخر بها، فهناك آخر يمكن أن يحاربها حرباً بلا هوادة فيها ليجعلها مروقاً وزندقة، وفي زماننا يطلق عليها تسميات: الخيانة، عدم الوطنية، الارتباط، رجل السلطة، وعلى أي وجه يمكن أن تكون.. الحرية مفهوم حياة، إذ يمكن أن يختار الإنسان أفكاره من جوانب متناقضة أو من أطراف متآلفة أو من ثقافات عديدة ليشكل ذاته، وليشكل فكره، حر أن تعيش بكرامتك، وعندما تتحقق الكرامة لا أحد يعترض، وحر أن تعتقد ما تشاء وحين تصبح كذلك لن تنال اعتقاد الآخر، حر أن تأكل، أن تتنفس، أن تتعلم، أن تتجول، أن ترتقي أو تهبط، وكل ذلك بذاتك! حقك أن تحب أو لا تحب، أن تعمل بطاقتك كلها، أو بنصفها أو لا تعمل، ودع الآخر يعمل كما يشاء، له عمله ولك عملك..
لا أزعم أنني أطبق الحرية لكنني أحاول أن أفهمها وأعيشها، من خلال رأي بسيط يقول: أنت على صواب من وجهة نظرك، وأنا على صواب من وجهة نظري، ويمكن أن نتقارب لأرى صوابك وترى صوابي باحترام لنعيش حياة أجمل وأكثر هدوءاً ورقياً.
أزعم أن هذا الفهم يمكن أن يخدم المجتمع، لأنه يبدأ ذاتياً وينتهي جميعاً، ثم يغمر الفردي الذاتي لتسود حالة الرضا.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)