سميح صعب
بعد تأخير قرابة شهر، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع حكومة انتقالية، يفترض أن تقود البلاد في أخطر مرحلة تمر بها منذ عام 2011، ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وفي خضم تحولات إقليمية كبرى وصراع على النفوذ في سوريا، خصوصاً بين تركيا وإسرائيل،وهما الدولتان اللتان تتنافسان على ملء الفراغ الإيراني.
تشكيلة الحكومة التي ضمت للمرة الأولى وزراء عن الاقليات الكردية والعلوية والدرزية، مع احتفاظ القريبين من الشرع بالمناصب الرئيسية (الدفاع والخارجية)، هي خطوة من النظام الجديد، على طريق تلبية ما يطالب به الغرب من قيام حكومة “شاملة” تضم كل المكونات السورية.
لكن هذا لا يعني أن الغرب الذي وضع الشرع تحت الاختبار، قد يكون راضياً مئة في المئة عن الحكومة الحالية، ما لم تتبع ذلك إجراءات تخاطب هواجس الأقليات السورية، خصوصاً بعد المجازر التي حصلت في الساحل السوري أوائل آذارمارس الجاري بحق العلويين. ما جرى فرمل اندفاعة الاتحاد الأوروبي نحو رفع العقوبات كاملة عن سوريا. وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أبدى حماسة للتعامل بإيجابية مع الحكم الجديد، يطالب الشرع اليوم بإجراءات فعالة لمحاسبة المرتكبين، بينما الولايات المتحدة تقول صراحة إن المقاتلين الأجانب يشكلون معضلة رئيسية في سوريا، ويجب ألا يتولوا مناصب في الدولة.
بدوره، الاتفاق الذي أبرمته “الإدارة الذاتية” للأكراد مع النظام الجديد، لدمج مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، يحتاج إلى عناية خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل، ويبقى محكوماً بالمناخ السياسي العام داخل سوريا وفي المحيط.
ولعل أقوى التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، تتمثل في كيفية التعامل مع الصراع الإقليمي المتصاعد على سوريا. إسرائيل لا تتوقف عن التمدد في الجنوب السوري وعن تدمير ما تبقى من بنى استراتيجية عسكرية، على رغم أن النظام الجديد يسعى إلى استعمال نبرة غير مستفزة حيال ما يجري على الحدود الجنوبية.
لكن ما يزعج إسرائيل هو تركيا، التي بدأت تفصح علناً عن رغبتها في إقامة قواعد عسكرية دائمة في وسط سوريا، تحت مسمى دعم القوات السورية الناشئة.
والقواعد العسكرية التركية، لن تكون مستساغة أيضاً من دول عربية تسعى هي الأخرى إلى احتضان النظام الجديد، كي لا تستأثر أنقرة بحصة الأسد فيه، ويقتصر دور العرب على دفع أكلاف إعادة الإعمار من دون الحصول على دور جيوسياسي في سوريا الجديدة.
وهناك أيضاً روسيا التي تجهد من أجل الاحتفاظ بقاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية على الساحل السوري. وفي سبيل هذه الغاية، يسلك الكرملين سياسة في غاية البراغماتية حيال دمشق، ويقدم نفسه لاعباً في امكانه المساهمة في الوصول إلى الاستقرار.
كيف يوفق الشرع بين كل هذه التحديات؟ مهمة صعبة بالتأكيد، خصوصاً إذا لم يرفع الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة العقوبات المتمثلة بـ”قانون قيصر”.
عشية الإعلان عن تشكيل الحكومة السورية الانتقالية، أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا، تحذيرين إلى رعاياهما بتجنب السفر إلى سوريا، خوفاً من حصول “هجمات”، من دون تحديد طبيعتها. كما أن وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايسر، ألغت قبل أيام زيارتها المقررة لسوريا برفقة نظيرها النمسوي، “بسبب تهديد إرهابي محدد”، وفق تحذيرات أمنية ألمانية.
هذه إشارات غربية تبعث على القلق. وتدل على أن الغرب يراقب عن كثب تطور الأحداث السياسية والأمنية في سوريا، التي تسير سلطاتها الجديدة على حبل مشدود، داخلياً وخارجياً، وتتلمس خطواتها بحذر شديد كمن يمشي في حقل ألغام. ليس أقل من ذلك.
أخبار سوريا الوطن١ الوطن١-وكالات-النهار