آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » الحلم السوري وآفاق المستقبل

الحلم السوري وآفاق المستقبل

مها يوسف:

يشكل الحديث عن مستقبل سوريا والحلم السوري مساحة واسعة من اهتمام الرأي العام، إذ تتقاطع فيه تطلعات الناس مع آمالهم في الخلاص من آثار الحرب، وبمناسبة عيد التحرير أقام المركز الثقافي بطرطوس مساء أمس محاضرة بعنوان “سوريا آفاق المستقبل… الحلم السوري” قدّمها الدكتور محمد حاج صالح قراءة تحليلية شاملة للمشهد، مستعرضاً رؤيته لمسار إعادة بناء الدولة والمجتمع، ومشيراً إلى أن البلد لا يمكن أن يُبنى بالعداوات ولا بالانتقام، بل بتعاون السوريين جميعاً وإرادتهم المشتركة.

وأوضح الدكتور حاج صالح أن الدولة تبدي اليوم جدّية واضحة في مسيرة البناء والإصلاح، وأن التطورات الإقليمية والدولية تعكس توجهاً إيجابياً نحو إعادة الانفتاح على سوريا، مع تحسن تدريجي في العلاقات مع عدة دول عربية وإقليمية، ومساعٍ متقدمة لإزالة قانون قيصر بدعم قوى دولية مؤثرة، الأمر الذي يمكن أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والاقتصادي. وبيّن أن تجارب الدول التي خرجت من أزمات مشابهة تؤكد أن الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى بيئة مستقرة وجهد وطني موحّد ورؤية متفقاً عليها.

وفي هذا الإطار قدّم صالح تصوراً إستراتيجياً لبناء دولة عصرية حديثة، يقوم على مراحل متتابعة تبدأ بمرحلة تأسيسية تُرسى فيها قواعد الحوكمة الحديثة والمصالحة الوطنية، وتُراجع خلالها القوانين والدستور بما يتوافق مع الميثاق الوطني المستقبلي القائم على الحرية والعدالة والمساواة. كما أكد على أهمية إصلاح القضاء وإرساء استقلاليته، وإنشاء هيئة وطنية قوية لمكافحة الفساد، وتعزيز المشاركة الوطنية في صنع القرار.

وأكّد د. صالح أن هذه المرحلة تُعدّ الأساس الحقيقي لاستعادة التعافي الاقتصادي والاجتماعي، وهي خطوات بدأت تظهر ملامحها فعلاً في عدة مناطق من البلاد، رغم الحاجة المستقبلية إلى استثمارات وشراكات دولية واسعة للوصول إلى منظومة خدمات مستقرة على مدار الساعة. وبيّن أن إعادة الإعمار الاقتصادي تتطلب تبنّي نموذج اقتصادي جديد يقوم على اقتصاد السوق الاجتماعي، وتشجيع القطاع الخاص والاستثمار، وتعزيز الاقتصاد الرقمي وتطوير الشركات الناشئة، إلى جانب إصلاح القطاع العام والنظام المصرفي ومعالجة مشكلات السيولة.

وأوضح حاج صالح أن الإنسان هو حجر الأساس في أي مشروع لبناء دولة حديثة، مؤكداً حاجة سوريا إلى “ثورة تعليمية” تراجع فيها المناهج بصورة جذرية لإزالة التمييز وتعزيز التفكير النقدي وترسيخ قيم المواطنة، مع دمج التكنولوجيا الحديثة في التعليم وتأهيل المعلمين بما يواكب التطور العالمي. وأشار إلى أن القطاع الصحي يمثل بدوره ركناً رئيسياً من أركان التعافي الوطني، وإصلاح نظام التأمين الصحي ليشمل جميع المواطنين، إضافة إلى إطلاق برامج للصحة النفسية لمعالجة الآثار العميقة للحرب.

كما أكّد حاج صالح أنها المرحلة التي تنقل سوريا من مرحلة التعافي إلى موقع الدولة الحديثة القادرة على الالتحاق بركب الحضارة، لافتاً إلى أنها ترتكز على مشاريع قومية كبرى في مجالات الطاقة المتجددة، وتعزيز الأمن المائي والغذائي باستخدام تقنيات حديثة في الزراعة والري، وتطوير قطاع السياحة بوصفه صناعة إستراتيجية تستند إلى الإرث الحضاري الهائل للبلاد. كما بيّن أهمية استعادة سوريا لدورها الطبيعي مركزاً لوجستياً يربط آسيا بأوروبا والعالم العربي، من خلال تطوير الموانئ والمطارات والسكك الحديدية، مشيراً إلى أن ما يجري اليوم في مرفأ طرطوس ومطار دمشق يشكّل مؤشرات واضحة على بدء هذا التحول.

وأضاف حاج صالح أن الاندماج الإقليمي والدولي يمثل ضرورة لبناء اقتصاد قوي، مؤكداً أهمية الدبلوماسية الاقتصادية النشطة القائمة على جذب الاستثمارات وتوقيع اتفاقيات شراكة واسعة، والمشاركة في مشاريع دولية كبرى مثل “الحزام والطريق”، والاستفادة من التجارب العالمية في الحوكمة والتعليم والتحول الرقمي واقتصاد السوق الاجتماعي.

واختتم الدكتور حاج صالح محاضرته بالتأكيد على الدور الحاسم للشعب السوري بكل مكوناته في صناعة المستقبل، وعلى ضرورة تطبيق عدالة انتقالية شفافة تضمن المصالحة الوطنية، وتعزز المشاركة في الحياة السياسية والانتخابات ومنظمات المجتمع المدني، وترسّخ مبدأ المواطنة باعتباره الأساس الوحيد للعلاقة بين المواطن والدولة. وشدّد على أن بناء سوريا الحديثة هو مسيرة جيل كامل، لكنه مسار ممكن إذا توفرت الإرادة الوطنية الصادقة، وتمكّن السوريون من تحويل التحديات إلى فرص والانطلاق من رؤية وطنية جامعة تضع مصلحة سوريا فوق كل اعتبار، لتعود البلاد نموذجاً للتعددية والحداثة والتنمية في المنطقة.

 

 

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكنيست الاسرائيلي يسن أكثر من 30 قانونا عنصريا ضد الفلسطينيين منذ 2023 لتصل حصيلة هذه التشريعات العنصرية إلى نحو 100 قانون منذ عام 1948

كشف مركز عدالة الحقوقي، أن الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي سن أكثر من 30 قانونا عنصريا ضد الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لتصل حصيلة هذه ...