آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » الحوكمة والتدقيق في مواجهة الفساد الإداري والمالي بقطاع الأعمال

الحوكمة والتدقيق في مواجهة الفساد الإداري والمالي بقطاع الأعمال

محمود ديبو:

 

يعترف عدد من أصحاب الأعمال بأن القطاع الخاص يعاني من وجود فساد مالي وإداري، فالأمر لا يقتصر فقط على القطاع العام ومؤسساته وشركاته، فطالما أن هناك ثغرات في بعض التشريعات والقوانين، وفي التعليمات والأنظمة النافذة التي من المفروض أنها تضبط عمل الشركات، فإنه من الطبيعي أن يضرب الفساد بكل أشكاله القطاع الخاص ويصيب مواضع مهمة ويؤثر على سيرورة الاقتصاد الوطني عموماً.

لكن السؤال هنا هل التشريعات والقوانين والحاجة الاقتصادية تعتبر السبب المباشر في وصول الفساد إلى شركات قطاع الأعمال والتغلغل في مفاصل عمله.

 

 

في الحقيقة يعتبر رئيس مجلس المفوضين في هيئة الأوراق والأسواق المالية الدكتور عبد الرزاق قاسم بأن الجانب الأخلاقي يلعب دوراً كبيراً في حالات الفساد المالي والإداري التي تشوب قطاع الأعمال فالانحراف السلوكي وخصوصاً عند شاغلي الوظائف العليا يعتبر السبب الأول من أسباب الفساد، يليها عدم اعتماد معايير موضوعية تستند للكفاءة وتحمل المسؤولية عند تعيين الموظفين والمسؤولين في الوظائف العليا، وتعدد الجهات الإشرافية، وتقييد صلاحياتها الفعلية، وعدم وجود برنامج حقيقي شامل لمكافحة الفساد، وقلة الوعي الإداري في إدارة المسؤوليات.

ويبين الدكتور قاسم بأن أهم مظاهر الفساد المالي والإداري شيوعاً في الشركات هي النفاق الوظيفي، والريبة، والشك، وعدم الثقة بين الرؤساء والمرؤوسين، والتسيب والإهمال الوظيفي وتفشي روح اللامبالاة، وانعدام الدافع للعمل، وهدر الوقت، وتصنع العمل أمام رؤسائهم في العمل، وغياب المسؤولية والاستهانة بالملكية، وتدني الالتزام الذاتي في المناخ التنظيمي، واستغلال المنصب وسوء استعمال السلطة، وانتشار الرشوة والاختلاس والتزوير.

آثار الفساد

أما آثار هذا الفساد المالي والإداري فيتجلى في إشاعة روح اليأس بين الأفراد وتوزيع الدخول بشكل غير متكافئ، وزيادة تكلفة المشروعات الاستثمارية ما يؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي، وإلى عدم استقرار البيئة الاستثمارية، وتردي الخدمات العامة عبر استخدام الموارد بشكل غير فعال، والحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات، وتنامي ظاهرة الفقر، والإخلال بقواعد العمل وقيمه وإضعاف مفعول الحوافز الموضوعية.

ظاهرة خطيرة

 

 

وعلى ذلك يؤكد الدكتور قاسم بأن الفساد المالي والإداري يعد من أخطر الظواهر التي تواجه الدول والمجتمعات وتهدد عملية التنمية والتقدم كما تهدد مناخ الاستثمار، لذا فإن حصار تلك الظاهرة والقضاء عليها يستلزم تضافر جهود الدولة والمجتمع .

ويعرّف الفساد المالي والإداري بأنه الخروج عن القانون أو النظام وعدم الالتزام بهما أو استغلال فيما بينهما، من أجل تحقيق مصالح اقتصادية لفرد معين أو لجماعة معينة، إنه سلوك منحرف يخالف الواجبات الملقاة على عاتق الوظيفة.

مع المحاسبين القانونيين

وخلال الندوة التي نظمتها هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية بالتعاون مع جمعية المحاسبين القانونيين، بعنوان الحوكمة والتدقيق الخارجي ودورهما في تعزيز كفاءة الشركات، تناولت المداخلات الإشارة إلى عدة نقاط المتعلقة منها بمجالس إدارات الشركات وآليات تعيين الأعضاء وعدم توافر الخبرات الكافية في بعض مجالس الإدارات، إضافة إلى خلل في آليات الرقابة المالية والتدقيق المالي الداخلي التي يرى البعض أنها الحلقة الأضعف في الشركات وتقع تحت تصرف مجالس الإدارات في حين أنها يجب أن تكون مستقلة لتتمكن من العمل بمنهجية وتطبيق معايير الرقابة المالية الداخلية بدقة وبما يخدم أداء الشركة ووضعها المالي ويعطي إفصاحات حقيقية عن ذلك.

كما تناولت مداخلات الحضور الإشارة إلى عدم وجود معايير واضحة لعمليات إفصاح الشركات، كما دعت المداخلات إلى أهمية أن تكون عمليات تقييم المقدمات العينية للشركات ملامسة للواقع بالنظر إلى وجود القوانين المتعلقة بتحول الشركات إلى شركات مساهمة عامة مغفلة، مع ضرورة تطوير عمل هيئة الأوراق والأسواق المالية وتوسيع صلاحياتها لتتمكن من إيجاد بيئة اقتصادية مناسبة لعمل الشركات المحدودة المسؤولية والمساهمة.

 

صمام الأمان

وفي هذا اعتبر رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق بأن الجهات الرقابية هي صمام الأمان للشركات ويجب أن يكون لها دور كبير في رفع كفاءة أداء الشركات، مؤكداً أن هناك ضرورة ملحة لتعديل قانون الشركات النافذ حالياً، إضافة إلى علاج الكثير من الجوانب التي أظهرها التطبيق العملي ومنها مثلاً نظام الإفصاح الحالي الذي يحتاج إلى التحديد بشكل أوضح وتعابير أدق لما يجب الإفصاح عنه، بحيث لا يكون بإمكان الشركات التهرب من الإفصاح عن بعض الجوانب الهامة في عملها كما يجري حالياً.

 

وفي هذا الخصوص لفت الدكتور قاسم إلى نقطة هامة تقوم على أن الإفصاح متعددة منها مثلاً (استقالة عضو مجلس إدارة، تعيين عضو مجلس إدارة، إغلاق الشركة وتعطيلها ليوم مثلاً) كل هذا يتم إعلام الهيئة به، لكن هناك بعض الإفصاحات التي تشكل أحداثاً جوهرية في الشركات غير منصوص عنها بشكل واضح بنظام الإفصاح، فيتم تغييبها ولا يمكن لأحد أن يسأل الشركة عنها، كذلك بعض الإفصاحات التي تقوم الشركات بإعلام هيئة الأوراق والأسواق المالية بها، قد تعرضها لأضرار معينة إذا ما تم نشرها، لذلك فإن هيئة الأوراق المالية تأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب وتراعيه لضمان استمرارية الشركات وحتى لا يكون هذا الإفصاح سبباً بانهيارها.

الحوكمة والتدقيق الخارجي

ويوضح الدكتور قاسم وجود علاقة ضرورة بين حوكمة الشركات والتدقيق الخارجي من شأنها أن تؤدي إلى تقويم عمل الشركات وتحسين أدائها وتحقيق الأهداف التي تسعى إليها تلك الشركات.

فالحوكمة هي النظام الذي يوجه ويضبط أعمال الشركات من خلال توصيف وتوضيح الحقوق والواجبات بين مختلف الأطراف في الشركات “مجلس الإدارة ــ المساهمين ــ المتعاملين ــ العاملين”، ووضع القواعد والإجراءات اللازمة لاتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الشركة، ووضع الأهداف والوسائل المتاحة لتحقيق أهداف الشركة ومراقبة أدائها، والاعتماد على العمل المؤسساتي من خلال وضع أنظمة ذاتية للإدارة والتوجيه والرقابة.

وتعمل الحوكمة من خلال مجلس إدارة مستقل وخال من تضارب المصالح، يشرف على تنفيذ القرارات الاستراتيجية وإدارة المخاطر يفوض الصلاحيات ويضمن المعاملة العادلة للمساهمين، ويشكل اللجان المنبثقة عن المجلس.

كما تؤكد حوكمة الشركات على حماية حقوق المساهمين والمعاملة العادلة لهم، ويقع السلوك الأخلاقي في قلب حوكمة الشركات ما يفرض على الشركات الالتزام بالمعايير الأخلاقية، ويُعدّ الإفصاح أداة فعالة للتأثير على سلوك الشركات لحماية مصالح المستثمرين، وعلى جذب رؤوس الأموال وتلبية متطلبات المساهمين والمستثمرين المرتقبين، كما تتطلب الإدارة الفعالة تقييماً قوياً للمخاطر (المالية والتشغيلية والقانونية والمتعلقة بالسمعة) والتخفيف من حدتها.

وهنا يلعب المدققون دوراً حاسماً في تعزيز الرقابة من خلال تقييم ضوابط المخاطر، والإشراف على عمليات إدارة المخاطر، والإبلاغ عن المخاطر المحتملة.

كما أن التطبيق الدقيق للحوكمة في الشركات يفيد في التقليل من المشاكل إلى الحد الأدنى، وجذب انتباه المستثمرين الجدد، وتحسين الكفاءة، وحماية أصحاب المصلحة، وبالتالي تلعب الحوكمة دوراً مهماً في خلق نوع من التوازن بين الأهداف الاستراتيجية الطويلة الأمد والأهداف قصيرة الأجل.

ويمكن القول بأن الفرق بين الإدارة والحوكمة هو أن إدارة الشركات معنية بالعمليات اليومية وأنها موجهة نحو أداء المهام ونمو الشركة، بينما تنظر الحوكمة إلى الصورة العامة وتتوجه جهودها نحو الأهداف وتهتم بحماية الشركة، والتطبيق السليم للحوكمة من شأنه تقليل حجم الفساد المالي والإداري في الشركة والاستخدام الأمثل لمواردها.

التدقيق الخارجي

وبحسب الدكتور قاسم فإن التدقيق هو الفحص المنهجي للسجلات المالية للشركة والمعاملات والضوابط الداخلية، والمدققون الخارجيون (المستقلون عن الشركة) يقومون بالتحقق من دقة وموثوقية البيانات المالية (الميزانية العمومية، وبيانات الدخل، وبيانات التدفق النقدي)، لضمان الالتزام بالمعايير المحاسبية، وهم يتحققون من دقة الأرقام المبلغ عنها، ويقيمون السياسات المحاسبية، ويحددون أي أخطاء.

ويقوم المدققون بتقييم الضوابط الداخلية العمليات والإجراءات التي تحمي الأصول، وتمنع الاحتيال، وتضمن إعداد تقارير مالية دقيقة، فالضوابط الضعيفة تزيد من مخاطر الأخطاء أو الاحتيال

وتعتبر الاستقلالية أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للمدققين ويجب أن يظلوا موضوعيين وغير متحيزين وأي تضارب في المصالح يضر بقدرتهم على تقديم تقييم محايد.

وإلى جانب عمليات التدقيق المالي، هناك عمليات تدقيق تشغيلية (تقييم الكفاءة والفعالية)، وعمليات تدقيق الامتثال (ضمان الالتزام بالقوانين واللوائح)، وعمليات تدقيق (التحقيق في الاحتيال).

ويُصدر المدقق رأياً في تقرير التدقيق حيث يشير الرأي النظيف (غير المتحفظ) إلى أن البيانات المالية معروضة بشكل عادل، وتسلط الآراء المؤهلة الضوء على قضايا محددة، في حين تشير الآراء السلبية إلى مشاكل كبيرة.

باختصار

 

الدكتور قاسم قال موضحاً إن حوكمة الشركات ومراجعة الحسابات أمران تكامليان فالحوكمة تحدد إطار العمل، والتدقيق يؤكد فعاليته، والتقيد التام بتطبيق نظم الحوكمة يعد مدخلاً أساسياً في محاربة الفساد المالي والإداري، والتقليل من هذه الظاهرة ويسهم في ضبط تصرفات الأطراف ذوي المصلحة بالشركة (مجلس إدارة – إدارة تنفيذية – مساهمين) بما يحقق التوازن في المصالح في ظل الالتزام بالقوانين والتعليمات.

 

ويمثّل التدقيق الخارجي حجر الزاوية لحوكمة فعالة للشركات، حيث يساعد المدققون الخارجيون على تعزيز مبادئ المساءلة والنزاهة وتحسين العمليات فيها، وإضفاء الثقة والمصداقية على القوائم المالية التي أعدتها الشركة المساهمة وتقديم هذا الرأي على شكل تقرير النتائج إلى الأطراف ذات المصلحة، أي أن الغرض من وظيفة التدقيق يتمثل أساساً في إظهار نتائج الشركة بصورة سليمة، وإبراز المركز المالي السليم لها.

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز٣_الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ما دور الحكومة بين التضخم الاقتصادي العادي والتضخم الجشع؟

    | د. قحطان السيوفي   شهد العالم في السنوات الأخيرة أزمات جيوسياسية واقتصادية واجتماعية، من جائحة كورونا، إلى الحرب الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية العدوانية ...