طلال سلمان
فجأة، ومن دون سابق إنذار، وبلا مقدمات، دوى الإنفجار المروع في المرفأ الذي أدى إلى كارثة في الجانب الشرقي من العاصمة بيروت، شملت الجميزة ومنطقة مار مخايل وبعض الأشرفية، بالبيوت والمحلات التجارية والمطاعم ودور اللهو فيها.
فجأة، وبينما أهالي وسكان بيروت، كل بيروت شرقاً وغرباً والضواحي المحيطة، يندفعون إلى مساعدة أشقائهم المنكوبين برفع الأنقاض ونقل الجرحى إلى المستشفيات والمستوصفات،
فجأة، ومن دون سابق إنذار، ومن خارج توقع المفجوعين في حياة بعض أقاربهم، وفي تهديم او تخريب بعض الممتلكات،
فجأة، انطلقت بعض الأبواق، ومنها من لها حصانة، ترفع الصوت بالدعوة إلى “الحياد”..
حياد؟! بين من ومن؟ بين النار والضحايا؟ بين البيوت المهدمة وتلك التي لم تطاولها ألسنة النار؟
الحياد؟ ما علاقة الإنفجار بالحياد؟ وكيف يكون الحياد مع احتراق البيوت والتاريخ والذكريات ووقائع الأيام الماضية..
تعاظمت الأسئلة مع الخوف وغياب من يمكن أن يوجه إليه الإتهام بالمسؤولية عن الحريق، قبل إطلاق الإتهام بالتقصير وضآلة القدرة على مواجهة حريق بهذا الاتساع، وفي منطقة كل ما فيها وما حولها قابل للإحتراق او للتفجر وإسقاط المزيد من الضحايا والتسبب في المزيد من الخسائر في العمران وفي الزوارق والمواد المستوردة ومباني الإهراءات التي تحفظ مؤونة الشعب من القمح وسائر الإحتياجات الغذائية.
من أطلق الدعوة إلى الحياد وهل الدعوة تعني الحياد بين النار ومن أحرقته من البشر وما أحرقته من البيوت والمحال التجارية والمطاعم والنوادي والسيارات إلخ..؟
في البدء إعتبر الحديث عن الحياد “سقطة متسرعة” أو “هفوة” أو “استنتاج خاطئ”.. ثم لمّا تبنت الدعوة مراجع روحية، وتولت الترويج لها شخصيات سياسية طارئة أو مستجدة على الحياة العامة، تكاثرت علامات الإستفهام وتعاظمت الريبة!
على أن تواتر الإلحاح على الدعوة إلى “الحياد” وتزايد أعداد القائلين به، فجَّر ملايين الأسئلة:
الحياد بين من ومن؟ بين النار وضحاياها؟
وهل الحياد هو الطريق إلى جلاء حقيقة مخفية خلف الحريق؟
ثم هل الحريق من فعل فاعل، والدعوة إلى الحياد تستهدف كشفه وتعريته أمام الضحايا.
ولماذا يتطوع غبطة البطريرك الماروني لأن يكون الداعية إلى الحياد.. والحياد بين من ومن، بين النار وضحاياها؟ بين الأحياء التي التهمت النيران بيوتها ومكاتبها ومتاجرها، بين تلك التي لم تطاولها ألسنة النار؟
وما موقع الحياد من النار، ومن المسؤولية عن الحريق؟
وإذا ما تبين أن الحريق من فعل فاعل فما معنى الحياد؟
ثم، ما العلاقة بين الحريق والحياد؟ وهل الحياد يطفئ الحريق ويعوض الأضرار ويدفع للمتضررين؟
أم أنه حريق جديد يستهدف النفوس والضمائر، ويميز بين المتضررين ومن لم ينلهم أذى من الحريق الهائل، فيكون الأولون ضحايا ويصير الآخرون متفرجين ولا مبالين بل وشامتين… وكأنهم في موقع المتهم بإشعال النار بدلاً من المساهمة في إطفائها؟
من يقول بالحياد يريد أن يتعاظم الحريق حتى يشمل البلاد جميعاً، ولا من ينقذها، إذ يحول من لم يتضرر بالحريق إلى متسبب فيه.. وهكذا يلتهم الحريق البلاد والعباد، الحاضر والمستقبل، ولا يبقى الا رماد وطن لم يعرف قادته كيف يصونونه من عبث العابثين بمصير الناس والأوطان!
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 30/8/2020