يؤكد علماء الحيوان أن مشاعر الحزن لا تقتصر على الإنسان، وبما أن الموت من حتميات الحياة، وقد عرف الإنسان كيفية التعامل مع هذه الحقيقة، لكن هل تفهم الحيوانات الموت وتحزن على فراق أقرانها، وكيف تتجاوب مع مفهوم الموت بشكل عام؟
في السياق، تقول باربرا جي كينغ اختصاصية علم الإنسان «الأنثروبولوجيا» بجامعة ويليام آند ماري بولاية فيرجينيا الأميركية، ومؤلفة كتاب «كيف تحزن الحيوانات»: إن الإجابة عن هذه السؤال تتوقف على فصائل الحيوانات نفسها، وسماتها الفردية، وكذلك الظروف التي تواكب الوفاة ذاتها، مضيفة: إن علماء الحيوان كثيراً ما رصدوا وقاموا بتوثيق مشاهد انفعالية مؤثرة تعكس تفاعل أنواع مختلفة من الحيوانات مع فراق صغارها وأقرانها.
من جانبه، يرى أندري جونكالفيس خبير الرئيسيات وعلم الإنسان بجامعة كيوتو اليابانية، في تصريحات للموقع الإلكتروني «بوبيولار ساينس» المتخصص في الأبحاث العلمية، أن علم التطور والأمراض المقارنة «ثاناتولوجي» يعتبر”علم دراسة الموت في الأنواع الحيوانية، ويوضح أنه منذ عهد الفيلسوف أرسطو، وضع البشر نظريات تتناول نظرة الحيوان للموت، لكن لم تظهر دراسات رسمية تتناول هذا المنحى العلمي إلا مؤخراً.
ويؤكد جونكالفيس أن الأفيال الإفريقية كثيراً ما تنظم “جنازات” لأقرانها بعد نفوقهم، وتشارك كثير من الفيلة في هذه المراسم، ويرى أن «طقوس تشييع» الأفيال النافقة لدى الأفيال تتشابه إلى حد ما مع مراسم الجنازات التي يقوم بها البشر.
وأمضت الباحثة أليسيا كارتر اختصاصية علم الإنسان الارتقائي في كلية جامعة لندن سنوات في دراسة قرود البابون في ناميبيا، وتشير إلى أنها رصدت مشاهد لإناث البابون وهي تحمل جثث صغارها، وتقول إنها كانت تعتبر هذا السلوك طبيعياً، إلى أن شاهدت ذات مرة عدة قرود من عائلة أخرى وهي تحمل جثة قرد صغير يتيم.
وتوصلت خلال أبحاثها إلى أن طقوس “حمل جثمان الصغير الميت” تنتشر بين الرئيسيات، وأرجعت السبب في ذلك إلى عوامل نفسية، وأن التمسك بحمل جثة الصغير هو على الأرجح نتاج للصلة الوثيقة بين الأم وصغارها في عالم الحيوان، وأن هذه الصلة ما أن تنشأ، “يصبح من الصعب أن تنفصم”، وربما يكون هناك رد فعل إدراكي غريزي يرغم الأم على التمسك بصغارها حتى بعد نفوقهم.
وأشارت كارتر إلى دراسة يعود تاريخها إلى عام 2021، تؤكد أن طقوس حمل الجثث تنتشر على نطاق أوسع بين القرود الكبيرة والرئيسيات الأضخم حجماً، مضيفةً: إن قرود الشمبانزي مثلاً قد تحمل جثة صغارها لأكثر من مئة يوم بعد أن تفارق الحياة.
ويقول العلماء: تم توثيق حالات مماثلة لدى بعض الكائنات البحرية، حيث تم في عام 2018 رصد أنثى حوت من فصيلة الأوركا وهي تسحب جثة صغيرها لمدة 17 يوماً، وقطعت بالجثة مسافة ألف ميل تقريباً في المحيط، كما شوهدت أنثى زرافة وهي تقف على مدار أيام بجوار جثث صغارها، بل إن بعض قطعان الخنازير البرية تزور أماكن جثث أقرانها بعد عشرة أيام من نفوقهم.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين