الرئيسية » كتاب وآراء » الخارجية: سورية ستبقى ضد أي اتفاقيات مع العدو الإسرائيلي لا تعيد الحقوق والأراضي المحتلة

الخارجية: سورية ستبقى ضد أي اتفاقيات مع العدو الإسرائيلي لا تعيد الحقوق والأراضي المحتلة

بقلم  وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو
تصادف يوم 30 أيلول الذكرى الخامسة لبدء العملية العسكرية  لتقديم العون للشعب السوري في تحرير البلاد من الجماعات الإرهابية الدولية.
في 30 أيلول/سبتمبر 2015 وافق مجلس الاتحاد على طلب رئيس  الاتحاد الروسي باستخدام القوات المسلحة للاتحاد الروسي في الجمهورية  العربية السورية. وكان هذا القرار جوابا على الخطاب الرسمي للقائد السوري  بشار الأسد، ويتفق تماما مع بنود اتفاقية الصداقة والتعاون بين بلدينا.
عدو البشرية جمعاء.
في  تلك المرحلة باتت الأوضاع في سوريا حرجة، وكان هناك خطر هزيمة الجيش  العربي السوري وبالتالي انهيار سيادة الدولة السورية. كان الإرهابيون  يسيطرون على أكثر من 70٪ من الأراضي السورية ويتقدمون في جميع الاتجاهات  ويزيحون القوات الحكومية من مواقعها.
فمن خرج بالسلاح ضد الدولة  السورية والشعب السوري؟ إنها تشكيلات مسلحة ذات توجيه معنوي جيد وتدريب  عسكري محترف وضع أفرادها أنفسهم في مواجهة مع سائر العالم. ويمكن أن نصفها  في الواقع بأنها شكلت أول جيش إرهابي متكامل، يتميز بتنظيم والتحام وتدريب  وتسليح جيد.
أراد الإرهابيون تشكيل كيانا لهم في “العراق والشام”،  والأدق أن غايتهم كانت أن يبينوا للجميع أن هذه الفكرة ليست معقولة فحسب بل  ويمكن تطبيقها على أرض الواقع. وأرادوا أن يعيشوا وفقاً لأشباه التشريعات  الشاذة الخاصة بهم. وكان هؤلاء الهمج يتعطشون للغنائم، ولهذا الغرض كانوا  يخططون للانخراط على المستوى الدولي في النهب وتجارة الرقيق والسيطرة على  التدفقات المالية الناتجة عن الاتجار غير المشروع بالخيرات الطبيعية وتحف  الإرث الثقافي، أما تلك الآثار التي لا تحظى بطلب في السوق السوداء فكانوا  يتلفونها بسبب “انعدام قيمتها”.
وقد اتضح في لحظة معينة أن هذه القوة  تشكل تهديداً مباشراً ليس للإقليم وحده بل للعالم أجمع، بما في ذلك روسيا.  كان هذا التشكيل يخطط لفرض “نظامه” في المستقبل على البشرية كلها.
أعتقد  أن الجميع يتذكر جيداً كيف كان هؤلاء المسلحون ينشرون في سنة 2015 في  الإنترنت مقاطع فيديو تصور الإعدامات الجماعية. وكان الإرهابيون، وهم  ينشرون هذه المقاطع، يحتجون بفكرة “الجهاد ضد الكفار”. أما في الواقع اقتصر  كل شيء على مذابح بين السكان الأبرياء من أجل نشر الفكر المتطرف. ولم يكن  في الأمر أكثر من المعارضة الهمجية للقيم الإنسانية الشاملة وأسلوب الحياة  التقليدي للحضارات المعاصرة بالإضافة إلى دعاية تستغل الدماء والأرواح.
ورغم  هذا، كان هناك من أيّد المتطرفين ووقف في صفهم وتبنى أفكارهم الوحشية.  تدفق إلى سوريا سيل من أتباع الإرهابيين الذين كان أغلبهم قطاع طرق عاديين.  وتم بناء منظومة متكاملة حول سوريا لنقل المتطرفين الإسلاميين وبما في ذلك  نقل زوجاتهم وأولادهم. ويجب التنويه إلى أن اليوم أغلب هؤلاء فقدوا آباءهم  وأزواجهم وباتوا في مخيمات إيواء اللاجئين في سوريا، مثلاً في مخيم الهول  على الضفة الشرقية لنهر الفرات. ولدى إجراء إحصاء سكان هذا المخيم من قبل  عاملي مفوضية شؤون اللاجئين للأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر تبين أن  المخيم يؤوي زوجات وأولاد المسلحين من نحو سبعين بلداً من بلدان العالم!
وقد قرر نحو ثلاثة آلاف مواطن روسي أن يجربوا حظهم مع “الدولة الإسلامية” (تنظيم محظور في روسيا).  وكانوا يخططون للحصول على تجربة قتالية ثم العودة إلى بلدنا ليطبقوا على  أرض الواقع الأفكار التي اعتنقوها: أي استعباد الناس والقيام بإعدامات  جماعية وتفجير المدارس وحرق “الكفار”، أي كل ما تعلموه في صفوف الإرهابيين.
وعموماً،  في فترة الابتداء بالعملية الروسية في سوريا، كان على المحك وجود هذا  البلد كدولة ذات سيادة. بل أن أغلبية الخبراء المخضرمين كانوا يتكهنون  حينذاك بتطور الأوضاع وفق السيناريو الليبي، أي أنهم توقعوا تفكك البلد  وانهيار مؤسسات الدولة السورية…
وفي هذه الظروف خاطب رئيس  الجمهورية العربية السورية بشار الأسد قيادة الاتحاد الروسي بطلب تقديم  العون العسكري في مكافحة الإرهاب الدولي. فتمّ اتخاذ القرار بتقديم هذا  العون.
في الظروف القتالية الحقيقية.
أناط  رئيس روسيا والقائد العام الأعلى للقوات المسلحة للاتحاد الروسي فلاديمير  بوتين بالقوات المسلحة الروسية مهمة القضاء على الجماعات الإرهابية في  سوريا وكذلك الحيلولة دون عودة المسلحين من أصل روسي الى روسيا. كان علينا  أن نحمي بلادنا من مخاطر الإرهاب قبل أن يباغتنا في عقر دارنا.
وقامت  الأركان العامة في أسرع وقت بوضع خطة العملية الخاصة للقوات المسلحة  للاتحاد الروسي في أراضي الجمهورية العربية السورية، وتم إقرار هذه الخطة  من قبل القائد العام الأعلى فبدأنا بتنفيذها.
وقبل بداية العملية أنشئ سراً في قاعدة حميميم الجوية تشكيلٌ من القوات المسلحة يتألف من 50 قطعة جوية حربية معاصرة ومطورة (34 طائرة و16 حوامة)، كما وصلت الى هناك وحدات عسكرية للدعم القتالي والامداد المادي والفني والحراسة وقوات العمليات الخاصة.
ولا  أخفي عنكم أنه حتى اليوم بعد مضي وقت طويل يُعتبر تنفيذ تلك المهمة  الأولية عمليةً فريدة، إذ فاجأ الكثيرين ظهورُ تشكيلٍ بهذه القوة وعلى هذه  المسافة البعيدة من الأراضي الروسية وعن القواعد الرئيسية للجيش والأسطول  الروسيين. فقد تم نقل عشرات الآليات القتالية والخاصة ومئات الأفراد من  العسكريين ومخزون هائل من الإمدادات خلال فترة وجيزة على مسافة تتجاوز 2500  كيلومتر مع المحافظة على تمويه غير مسبوق.
وبالتزامن مع هذه العملية أُوفِد خبراء عسكريون روسيون إلى جميع قيادات الجيش السوري حتى مستوى الكتيبة.
وفي 30 أيلول/سبتمبر 2015، وبعد إخطار الدول المعنية، شرعت القوات الجوية الروسية بتوجيه ضربات إلى مواقع التشكيلات المسلحة لداعش وجبهة النصرة* في سوريا.
ولأول مرة خلال تاريخ بلدنا المعاصر عملت قواتنا المسلحة في مسرح أعمال قتالية بعيد عن أراضينا هذا البعد.
استمرت المرحلة النشطة للعملية العسكرية للقوات المسلحة للاتحاد الروسي في سوريا 804 أيام  واستغرقت فترة من 30 أيلول/سبتمبر 2015 حتى 11 كانون الأول/ديسمبر 2017.  واستطاعت القوات المسلحة السورية بتأييد من الطيران الروسي تحرير 1024 مدينة وبلدة من الإرهابيين، وفي النتيجة استعادت القوات الحكومية وقوات الدفاع الشعبي سيطرتها على 88 بالمئة من أراضي سوريا.
وتسيطر الحكومة السورية اليوم على 1435 مدينة وبلدة.
قامت القوات الجوية الفضائية الروسية خلال تنفيذ مهامها في مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية بأكثر من 44 ألف طلعة قتالية.
وفي  المرحلة النشطة لعمليات تحرير المدن الرئيسية السورية مثل تدمر وحلب ودير  الزور كانت تصل كثافة الطلعات إلى مئة طلعة في اليوم وأكثر. أي أن كل طائرة  كانت تقوم بثلاث أو أربع طلعات يومياً، وهذا جهد عظيم! وأكبر عدد من الطلعات في اليوم، وهو 139، سُجِّل في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 خلال سلسلة عمليات للقضاء على فصائل المتطرفين الإسلاميين.
بشكل منسجم وفعال وبدقة عالية.
لا يوجد موضع للشك في فعالية استخدام الأسلحة الروسية . فهذه المرة أيضا اثبتت قوتها وإمكانياتها.
نفذت قاذفات Tu-22M3 المزودة بأحدث أنظمة التوجيه 47 غارة جماعية ضد أهداف إرهابية كشفتها وحدات الاستطلاع في محافظات دير  الزور وحمص والرقة. نفذت هذه القاذفات التي تدخل في قوام القوات الجوية  الفضائية الروسية 369 طلعة جوية بمدى يصل إلى 2.5 ألف كيلومتر ودمرت 215 موقعا للمسلحين. وتم استخدام صواريخ كروز طويلة المدى وعالية الدقة من  طراز “كاليبر” و ” Х-101″ لضرب أهم الأهداف. وبشكل خاص تم توجيه مائة ضربة  من السفن والغواصات التابعة للبحرية الروسية، وتم تدمير أهداف للإسلاميين 66 مرة نتيجة ضربات من طائرات استراتيجية تعمل على مسافات تتراوح من خمسمئة إلى ألف وخمسمئة كيلومتر. وقد اصاب كل صاروخ الهدف المحدد.
شارك  طيارو الطيران البحري الذي حلقت طائراته في السماء السورية من حاملة  الطائرات الثقيلة “أميرال أسطول الاتحاد السوفيتي كوزنتسوف”، لأول مرة في  الأعمال القتالية لهزيمة عناصر داعش في سوريا. تم خلال شهرين – وهي مدة  تنفيذ المهام- اجراء 420 طلعة جوية، منها 117 كانت ليلية. دمر طيارو الطيران البحري 1252 هدفا إرهابيا .
تم  تنفيذ مهام أخرى تتعلق بالقضاء على قادة تشكيلات العصابات المسلحة بدقة من  قبل وحدات قوات العمليات الخاصة الروسية. إضافة إلى ذلك صحح جنودها بمهارة  الضربات الجوية ونيران المدفعية باستخدام أحدث أنظمة التوجيه وتحديد  الأهداف.
قامت طائرات بدون طيار بأكثر من 37600 طلعة جوية. وحلقت يوميا خلال الأعمال القتالية النشطة في سماء سوريا ما يصل إلى 70 طائرة بدون طيار في آن واحد. وإجمالاً، تم تدمير 133542 منشأة إرهابية نتيجة توجيه الضربات الجوية وضربات صواريخ كروز بما في ذلك 400 مصفاة نفط غير شرعية و 4100 ناقلة نفط. وتم تصفية 865 من قادة العصابات الارهابية وأكثر من 133000 مسلح بما فيهم 4500 مسلح من روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة.
وبهذا  الشكل فإن المهمة التي أناطها القائد العام الأعلى للقوات المسلحة قبل خمس  سنوات قد نُفذت بالكامل. لم يعد هناك وجود للتنظيم الإرهابي الدولي  (الدولة الإسلامية) في سوريا، ولم يتسلل أي إرهابي إلى روسيا.
يتم  أحيانًا في المناقشات الجارية حتى يومنا هذا طرح السؤال: هل تصرفت روسيا  بالشكل الصحيح في توليها لهذه المهمة الصعبة؟ لكن في كل مرة يمكن القول إن  المهمة كانت ضرورية في سوريا وكان قرار بدء عملية عسكرية صحيحًا إن لم يكن  القرار الوحيد الممكن.
ماذا لدينا اليوم؟ المهم أن داعش قد هُزم  بالكامل. علاوة على ذلك، يمكن القول بكل ثقة أن الخلايا السرية للإرهاب  الدولي بأسره قد تعرضت لأضرار كبيرة، وأن قد تعطل الدعم المالي للتنظيمات  الارهابية وتضررت منظومة دعمها بالموارد. الجانب الرئيسي الآخر وهو أن  الإجراءات الفعالة للقوات المسلحة الروسية في سوريا قد وضعت حاجزًا موثوقًا  به على طريق مزيد من التوسع في أنشطة الجماعات الإرهابية وخاصة إلى  الأراضي المجاورة.
بالطبع، تم أثناء تنفيذ المهام القتالية حل عدد من  القضايا الجيوسياسية المهمة التي كانت تمس المصالح القومية لروسيا بشكل  مباشر. وعموما، فقد نجح الوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط في الحفاظ  على توازن القوى في المنطقة والعمل كضامن رئيسي للأمن الإقليمي.
وكانت  إحدى النتائج المهمة للعملية هي نهاية الحرب الأهلية في سوريا ومنع انهيار  الدولة السورية. إذ لعب المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة  والذي تأسس في فبراير/شباط 2016 بمشاركة القوات المسلحة للاتحاد الروسي،  لعب دورا غير مسبوق في هذه العملية : تم إنشاء مثل هذا الهيكل لأول مرة في  تاريخ النزاعات العسكرية الإقليمية.
ونتيجة لعمل المركز فقد أعلن قادة 234 تشكيلا مسلحا حتى الآن التزامهم بوقف الأعمال القتالية. وانضمت 2905 بلدة إلى عملية المصالحة.
يشتغل مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة بنشاط إنساني مكثّف. لقد قام موظّفو هذا المركز منذ تأسيسه بتنفيذ 2561 حملة إنسانية جرى خلالها تسليم 4338 طنا من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الضرورية للسكان السوريين.
إضافة إلى ذلك نُظّم بالتعاون مع القيادة السورية وصول 542 قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة  السورية للهلال الأحمر تحت حماية وفّرها أفراد الشرطة العسكرية الروسية.
فقد قدّم الأطباء العسكريون الروس خدمات طبية احترافية لـــ132874 مواطن سوري.
هذا وقام أفراد القوات الهندسية الروسية بإزالة الألغام والعبوات الناسفة في مساحة تُعادل 9792,9 هكتار بالإضافة إلى 1684,1 كم من طرق المرور و12,6 كم من السكك الحديدية و20251 مبنى ومنشأة حيث تمّت إزالة أكثر من 144 ألف عبوة ناسفة بما فيها 36159 عبوة مصنوعة يدويا. كما درّب الضباط من مركز إزالة الألغام الدولي التابع للقوات المسلحة الروسية 1245 مختصّ في شؤون إزالة الألغام من أفراد الجيش السوري.
كما  شارك العسكريون الروس في عمل واسع النطاق من حيث استعادة الحياة السلمية  في سوريا وعودة المواطنين السوريين إلى ديارهم. لقد ساهم مركز المصالحة بين  الأطراف المتحاربة بشكل نشط في إنشاء مراكز محلية لاستقبال اللاجئين  والنازحين وتأمين إقامتهم في 413 بلدة لم تتضرّر من الأعمال القتالية حيث بلغتْ القدرة الاستيعابية لتلك المراكز 1502650 شخص. وتمّ تأسيس الغرفة التنسيقية المشتركة لاستعادة اللاجئين إلى سوريا  والتي تشتغل بتقديم المساعدة للسلطات السورية في تنظيم عودة الناس إلى  ديارهم وإعادة إعمار البنية التحتية.
فإن نتائج هذا العمل مثيرة جدا. لقد تسنّتْ عودة 2169983 شخص إلى مساكنهم ومن بينهم 1335001 نازح و834982 لاجئ من الدول الأجنبية. وبالمناسبة، فأن استتباب استقرار الوضع في سوريا  سمح بإيقاف التدفق الواسع للاجئين السوريين إلى أوروبا والبلدان الأخرى.
بمشاركة  نشطة من وزارة الدفاع الروسية يجري الآن ترتيب حوار بين مختلف القوى  السياسية. لقد سرعت مفاوضات “منصة استانا” هذا الحوار إلى أقصى حد ممكن.
وبمشاركة ممثلي سبعة بلدان، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسورية ووفود المعارضة، عُقد في استانا (نور سلطان) حتى اليوم 14 لقاء دوليا وأكثر من 150 جلسة من المفاوضات والمشاورات الدولية حول الشأن السوري.
وكان  مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي التأم في كانون الثاني/ يناير عام 2018   مرحلة هامة في مسار التسوية السلمية للوضع في سورية. و شارك في أعمال  المؤتمر ممثلو مكونات المجتمع السوري الإثنية والاجتماعية والسياسية. وكانت  الحصيلة الرئيسية لهذا المنتدى إنشاء اللجنة الدستورية لإعداد الإصلاحات  الدستورية.
معنا إلى الأبد.
هبت روسيا أكثر  من مرة في تاريخها لمساعدة شعوب وبلدان وجدت نفسها وجها لوجه أمام الخطر  العسكري. إن المجد الذي حققه مقاتلونا بشجاعتهم وبسالتهم التي لا مثيل لها،  بات إلى الأبد في سجل السلاح الروسي وانتصاراته البطولية.
وفي  سورية، شاءت الأقدار أن يخوض عسكريونا معركة ضارية ضد عدو شرس ماكر لا يعرف  الرحمة، يعيش ويحارب وفق القوانين البربرية. لقد وجد الطيار العسكري  الروسي المقدم أوليغ بيشكوف نفسه مرتين تحت نيران قاتلة،  أولا عندما تعرضت طائرته “سو-24” لهجوم مقاتلة تركية، ثم عندما اضطر الطاقم  الروسي للهبوط بالمظلة من طائرته المشتعلة.
لم يتسن انتزاع جثة المقدم بيشكوف المدروزة بالرصاص من أيدي الإرهابيين إلا بعد عدة أيام.
عندما اقتربت طائرة النقل التي حملت جثمان الطيار بيشكوف من مطار تشكالوف رافقه بحسب تقاليد الطيارين العسكريين رف من المقاتلات. وكان ذلك آخر تكريم لضابط استقبل الموت في ساحة المعركة، وبقي المنتصر أبدا.
بمرسوم من رئيس روسيا الاتحادية منح أوليغ أناتوليفيتش بيشكوف لقب بطل روسيا.
كان الملازم أول ألكسندر بروخورينكو خلال تنفيذ العملية ضد الإرهابيين في منطقة تدمر مسؤولا عن التحكم بوسائط  إطلاق القذائف الجوية من الأرض، وعن تصحيح مسار القصف الجوي. وبالقرب من  بلدة تدمر قامت مجموعة من الإرهابيين بمحاصرة الملازم أول، وبدأت دائرة  الحصار هذه تضيق. وبعد أن أعطى ألكساندر عبر اللاسلكي إحداثياته الأخيرة  ضحى بنفسه متلقيا النيران وقُتل معه عشرات المسلحين السفّاحين. وتقديرا  للرجولة والشجاعة والتضحية العظمى خلال تأدية الواجب العسكري مُنح الملازم  أول ألكسندر بروخورينكو بعد وفاته لقب بطل روسيا.
أما نائب قائد سرب الطائرات الرائد رومان فيليبوف فقد نفّذ في سوريا أكثر من ثمانين طلعة جوية. وكانت مقاتلته “سو – 25”  تحوم فوق مواقع الإرهابيين مدمرة بشكل دقيق مواقع إطلاق نيرانهم ومستودعات  أسلحتهم وذخائرهم. وذات يوم كان التحليق شبه سلمي: كان لا بد من تنفيذ  تحليق فوق منطقة خفض التصعيد “إدلب” وتعزيز التحكم من الجو بنظام وقف إطلاق  النار.
ولكن فجأة أصابت قذيفة من راجمة الصواريخ المحمولة المقاتلة  القائدة للسرب، والتي كان يقودها رومان. وتمكن من إيعاز السرب التابع له  “ارتفعوا باتجاه الغيوم” وبقي حتى الرمق الأخير يُقاتل من أجل إنقاذ  مقاتلته. ولكنه بعد أن أدرك أنه ليس بإمكانه إنقاذها اتخذ قرارا بالقفز  منها بالمظلة. قام الإرهابيون بمتابعة مظلته فحاصروا مكان هبوطه. إلا أن  الطيار الروسي لم يفكر بالاستسلام، لذا عندما رأى الإرهابيين يقتربون منه  قام بإطلاق النار عليهم من سلاحه. فأمطره الإرهابيون بالرصاص. وبعد إصابته  انتظر رومان اقتراب الإرهابيين منه أكثر وكان يحمل بيده قنبلة فنزع مسمار  الأمان. وكانت كلماته الأخيرة: “هذا انتقام للزملاء!”.
وبقرار من رئيس روسيا الاتحادية مُنح الرائد رومان فيليبوف بعد وفاته لقب بطل روسيا. لقد استشهد بعيدا عن وطنه، لكنه بقي بتأدية واجبه مخلصا لليمين العسكرية التي قطعها على نفسه.
إن  ذكرى هؤلاء وغيرهم من جنود الوطن الذين أدوا خدمتهم في سوريا حتى الرمق  الأخير ستبقى حية إلى الأبد. لقد قُتلوا مدافعين عن روسيا ونحن سنتذكر  دائما مآثرهم العظيمة.
نبقى في الخطوط الأمامية.
عند  تنفيذ المهام ضمن إطار العملية العسكرية في سوريا حصلت القوات الروسية على  خبرة لا تقيّم في مسائل تنظيم العمليات، وإعادة نشر القوات، وإنشاء البنية  التحتية الضرورية وتنظيم تأمين التموين المادي والتقني وتنفيذ العمليات  القتالية وقبل كل شيء في الأماكن الصحراوية والجبلية وضمن ظروف المدن.
وتم  من خلال الممارسة تعميق مسائل تنظيم وتنفيذ العمليات الاستخباراتية  والدفاعات الجوية والحرب الالكترونية. وحصل على خبرة قتالية جميع قادة قوات  المناطق العسكرية وكذلك قادة الجيوش مشتركة القوات وجيوش القوات الجوية  والدفاع الجوي وقادة الفرق والألوية والأفواج، و98 بالمئة من جنود وحدات الشرطة العسكرية و90 بالمئة من الطيارين و78 بالمئة من جنود القوات الهندسية وأكثر من نصف المختصين في الدفاعات الجوية وأكثر من 60 بالمئة من جنود القوات البحرية الروسية.
وتجدر  الإشارة إلى أنه في المرحلة الأولى من العملية العسكرية وقع الجزء الرئيس  من الأعمال العسكرية على عاتق طياري القوات الجوية الفضائية الروسية. وإلى  اليوم نفّذ 91 بالمئة من طواقم الجيش و87 بالمئة من الطيران العملياتي التكيكي 100 – 120 طلعة قتالية. وحصل 60 بالمئة من طياري القوات الجوية الاستراتيجية وبعيدة المدى على خبرة ضرب مواقع الإرهابيين. وإضافة إلى ذلك فإن 97 بالمئة من طياري قوات النقل الجوية الحربية تدربوا على تنفيذ مهام نقل الجنود والحمولات في الظروف القتالية الصعبة.
وأُشير إلى أن جميع الجنود الذين أدوا الخدمة في الجمهورية العربية السورية قد حصلوا على أوسمة حكومية أو على تقدير من الوزارة.
كذلك غدا  نشر القاعدتين الروسيتين العسكريتين في سوريا على نحو دائم طبقاً للمعاهدة  الروسية السورية نتيجةً مهمةً وتفوقاً بالنسبة لنا في مكافحة الإرهاب في  منطقة الشرق الأوسط. وتمثل واحدة منهما في حميميم مطاراً من الدرجة الأولى  قادراً على استيعاب جميع أنواع وسائط الطيران بدءً من المروحيات وانتهاءً  بطائرات النقل العسكرية الثقيلة وقاذفات الصواريخ. وأنشئت بنية تحتية  عسكرية واجتماعية معاصرة في القاعدة الجوية: 5 مجمعات سكانية و1337 وحدة سكنية و3 مواقف للآليات ومخازن للأسلحة الجوية والوقود وزيوت التشحيم وفندق وغيرها  من المنشآت الاجتماعية. وبُنيت ملاجئ للطائرات والمروحيات الحربية.
إن  القاعدة العسكرية الروسية الأخرى في مدينة طرطوس السورية تحمل طابع مركز  الدعم المادي التقني للبحرية الروسية. ويشكل هذا المركز منطقة مائية مغلقة  مزودة بأحدث الأرصفة مما يسمح باستيعاب عشرات السفن. جميع أرصفة السفن  مجهزة بأنظمة الدعم الضرورية ومنصات التفريغ ومجمع صيانة لتنفيذ عمليات  الصيانة والإصلاحات الطفيفة للسفن والبواخر.
تجدر الإشارة إلى أنه  جرى إنشاء بنية الميناء التحتية الكاملة في طرطوس ليس فقط لتأدية الخدمة  فحسب، وإنما لتتمكن الطواقم من الاستراحة والاستجمام. جميع العسكريين الروس  الذين يؤدون مهامهم في سوريا يعيشون عموما في ظروف مريحة ويزودون بكل ما  كانوا يمتلكونه في مواقع تمركزهم الروسية. لذا يوجد على أراضي القواعد  العسكرية: مبنى لإعادة التأهيل وحديقة مثمرة ومنطقة للاستجمام مزودة بمقهى  انترنت وبحرة. وفي الوقت ذاته، نواصل تحسين الظروف المعيشية والخدمة والعمل  للعسكريين والمدنيين الروس في سوريا.
قد أظهرت العملية في سوريا  إمكانيات متعاظمة للقوات المسلحة الروسية وقدرةً على الدفاع عن المصالح  الوطنية في أي مكان من العالم، بما في ذلك الاستعداد لتزويد الحلفاء  والشركاء بالدعم العسكري. كما رسخت هذه العملية سمعة روسيا وعززت نفوذها  العالمي وتصدت لمحاولات الخصوم الجيوسياسيين الرامية إلى عزل دولتنا  سياسياً ودبلوماسياً.
(سيرياهوم نيوز-روسيا اليوم1-10-2020)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...